خلف طرح مكتب مجلس جماعة الدار البيضاء لعدد من النقاط الخاصة بمشاريع إحداث وتطوير مساحات خضراء وما يرتبط بها من تجهيزات بالمدينة؛ جدلا واسعا بين المنتخبين بمختلف مقاطعات الأخيرة، ولاسيما داخل أوساط المعارضة التي اعتبرت أن هذه الخطوة تتناقض مع توجه الدولة نحو ترشيد استهلاك المياه، في ظل استمرار الجفاف، الذي أدى لوقوع شح في الماء، ودفعت السلطات والمسؤولين بالمملكة لاتخاذ مجموعة من التدابير للحفاظ على هذه المادة الحيوية.
وقام مكتب العمدة نبيلة الرميلي صباح الإثنين بعرض مجموعة من النقاط المرتبطة بإعادة برمجة الاعتمادات التي تم إلغاؤها في ميزانية التجهيز برسم السنة المالية لسنة 2023، على لجنة المالية بالمجلس، وذلك قبل طرحها بالدورة الاستثنائية للمجلس عصر اليوم، والتي ضمت تخصيص مبلغ 3.6 مليون درهم (360 مليون سنتيم) لأشغال حفر الآبار والتجهيزات الخاصة بالمساحات الخضراء وشبكات الري، و18 مليون درهم (1.8 مليار سنتيم) لتهيئة وتطوير المناطق الخضراء.
بلغت أزيد من 22 مليار سنتيم.. من المسؤول عن تبديد المال العام في إصلاح ملعب “دونور”؟
♦ “الخطوة تتناقض مع توجهات الدولة”
اعتبر حسن السلاهمي، المستشار الجماعي بمجلس مقاطعة الحي الحسني عن حزب التقدم والاشتراكية (المعارضة)، في تصريح لجريدة “شفاف” أن طرح مكتب العمدة الرميلي لبرامج تتعلق بالمساحات الخضراء مرفوض خلال هذه المرحلة التي تشهد تواصل مواسم الجفاف، مبرزا أن ذلك يعد مخالفا للتوجيهات التي جاءت بها كل من دوريات وزارة الداخلية والقرار العاملي لعمالة الدار البيضاء بخصوص ضرورة ترشيد استخدام الماء.
واعتبر السلاهمي أن تخصيص ما يتجاوز الملياري سنتيم لمشاريع تهم المساحات الخضراء، يعد مؤشرا على “ضعف الرؤية الاستراتيجية والتوجه العام للمجلس الحالي، ودليلا آخر على تسييره الاعتباطي لشؤون البيضاويين وعدم امتثاله لتوجيهات السلطات والقطاعات الوصية على الماء”، معتبرا أن ذلك يتناقض وتوجهات الدولة في هذا الجانب.
وأشار إلى أنه كان الأجدر بدل القيام بعمليات جديدة للتشجير وتهيئة المساحات الخضراء؛ العمل خلال هذه المرحلة التي تعاني منها بلادنا من شح وندرة المياه على المحافظة على ما هو موجود من هاته الفضاءات بالعاصمة الاقتصادية، وبعد تحسن الأوضاع واستكمال البرامج الخاصة بتحلية ماء البحر العودة لتشييد حدائق جديدة حينها.
المشاريع المتعثرة بالدار البيضاء.. بين تطمينات مجلس الرميلي ومخاوف المعارضة
وأردف المستشار الجماعي بمجلس مقاطعة الحي الحسني، أنه من غير المقبول والمفهوم إغلاق الحمامات ومحلات غسل السيارات لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، من أجل الحفاظ ما أمكن على الماء، وفي المقابل قيام جهة منتخبة بعرض برامج من شأنها المساهمة في تعريض هذه المادة الحيوية لاستنزاف أكثر.
وعبر عن استغرابه من عرض هذه النقاط وغيرها على لجنة المالية وبعدها على مجلس المدينة في اليوم ذاته، لافتا إلى أن ذلك يعد غير قانوني، لأنه لم يحترم وفق المادة 185 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، الأجل الزمني المتمثل في 10 أيام بين عرض الوثائق على اللجان وطرح جدول عمل الدورة على جميع أعضاء المجلس من أجل المصادقة على النقاط المدرجة به.
ولفت إلى أن فرق المعارضة ترفض بشكل مطلق النقاط المرتبطة بالمساحات الخضراء التي من شأنها تعميق أزمة المياه أكثر مما هي عليه اليوم، مبرزا أن هذه الخطوة التي جاء بها مكتب الرميلي تبقى “غايتها إرضاء الخواطر، ولاسيما منح نائب العمدة المكلف بالمساحات الخضراء مساحة لإبراز نفسه قبل نهاية هذه الولاية الانتدابية وإظهار أن له دور في عمل المجلس الحالي”.
وتساءل المتحدث ذاته، عن مدى تمكن مكتب مجلس المدينة من تحديد وإيجاد الوعاءات العقارية التي بالإمكان تشييد هاته المساحات الخضراء عليها، مشددا على ضرورة تحويل الأموال المخصصة لهاته الأمور لبرامج تعزيز البنية التحتية، لافتا إلى أن مجموعة من المناطق والتي من بينها عدد من أحياء مقاطعة الحي الحسني تعاني من ضعف أو غياب تهيئة الشوارع والأزقة على مستوى التبليط أو التزفيت أو فيما يخص الإنارة العمومية أو غير ذلك.
♦ الإجراءات المصاحبة لتهيئة المساحات الخضراء
قال مولاي أحمد أفيلال، نائب رئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء، المفوض له تدبير قطاع النظافة، في تصريح لـ”شفاف” إن البيضاويين لطالما اشتكوا من ضعف المساحات الخضراء بمدينتهم، مشيرا إلى أن هذا الأمر دفع بالمجلس الحالي إلى التركيز في برنامج عمله برسم الفترة الممتدة ما بين 2023 و2028 على إحداث هاته الفضاءات التي ستكون ذات جودة عالية، والعمل على تجاوز مسألة ارتباط العاصمة الاقتصادية بكونها مدينة إسمنتية.
وتابع أن برنامج العمل المشار له خصص في مجال البيئة قسطا كبيرا لإحداث وتطوير المساحات الخضراء والمنتزهات، لافتا إلى أن من شأن هذه الفضاءات أن تكون مناطق للترفيه للأسر والأطفال، موضحا أن الرفع من الميزانية المخصصة لهذا الأمر مرده إلى قلة أو غياب عدد من هاته المرافق عن كثير من أحياء الدار البيضاء في ظل سيطرة لوبي العقار ومحاولته مواصلة تكريس الطابع الإسمنتي للمدينة.
ردا عن التساؤلات المرتبطة بوضع مشاريع من شأنها استنزاف الماء، يشير نائب العمدة إلى أنه تم في هذا الجانب إيجاد وسائل بديلة لسقي المساحات الخضراء من خلال استرجاع مجموعة من العيون والينابيع التي كانت مستغلة من قبل أطراف أخرى في عدد من المناطق بالدار البيضاء، كعين الذئاب وسيدي البرنوصي وعين السبع وسيدي عبد الرحمن، والقيام بفتح طلب للعروض من أجل إنجاز محطة لمعالجة المياه العادمة.
ولفت إلى أن الدار البيضاء لديها خاصية تنفرد بها عن غيرها من المدن المغربية، تتمثل في احتوائها على عدد من العيون التي تتجه مياهها إلى البحر فقط، والتي سيتم استغلالها في المرحلة القادمة، مبرزا أنها ستوفر آلاف الكيلومترات المكعبة لسقي المساحات الخضراء في العاصمة الاقتصادية.
ونبه إلى أن المجلس الحالي مع قدومه وجد أنه مخصص لكل بيضاوي 0.80 متر من المساحات الخضراء فقط، وذلك مقابل 8 أمتار معمول بها لكل شخص على المستوى العالمي، لافتا إلى أن جماعة الدار البيضاء تسعى على الأقل لتوفير ما بين 3 أو 4 أمتار من هذه الفضاءات لكل مواطن، لافتا إلى أن المرحلة الأخيرة شهدت عملا كبيرا في هذا الجانب، وهو ما يبرز من خلال التغييرات التي شهدتها واجهات مداخل المدينة، وما عرفته عدد من الحدائق والمنتزهات التي جرى تطويرها؛ مثلما هو الأمر مع حديقة الجامعة العربية.
وواصل أنه سيتم الحرص على تشييد المساحات الخضراء بالشكل والحجم الكافي في مختلف المقاطعات 16 للمدينة، لافتا إلى أن بعض الأحياء بالعاصمة الاقتصادية تفتقد بشكل تام لهاته الفضاءات، وذلك مع الحرص على إلزامية الشركات التي ستوكل لها تهيئتها أو تدبيرها باستخدام نباتات وأشجار تكون أقل استهلاكا للمياه وأكثر محافظة على البيئة وذات جمالية، مشيرا إلى أن تدابير وإجراءات مجلس الدار البيضاء تتلاءم وتتناسب مع ما تتطلبه حالة الطوارئ التي تهم الحفاظ على هذه المادة الحيوية.