تعددت برامج إصلاح والنهوض بالتعليم منذ عقود بالمغرب، لكن نفس الإشكاليات والعوائق بقيت مطروحة، ومعها برز عدم نجاح مجموعة من المخططات التي أرستها الحكومات المتعاقبة دون جدوى في هذا الإطار، وهو ما يجعل اليوم الكثيرين يدعون لوضع تشخيص واضح للمشاكل بهذا القطاع، ورسم خارطة طريق تكون ناجعة وفعالة لمعالجتها.
وفي تصريح لجريدة “شفاف”، يرى الدكتور خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مسألة الإصلاح التعليمي بالمغرب تحتاج إلى إرادة سياسية تقتضي أولا فهم الواقع التعليمي وتشخيص مشكلاته من خلال مشاركة ديمقراطية لكل المتدخلين والمعنيين بالقطاع في القرارات والاستراتيجيات والسياسات.
وأضاف السموني أنه بالرغم من التجارب والمحاولات السابقة حول إصلاح التعليم، مازال تعليمنا بعيدا المنال عما يطمح إليه المغاربة، لأن الرتب المتأخرة التي يحصل عليها المغرب سنويا بناء على تقارير عدة، منها تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، والتي تجعل محاولات الإصلاح المتكررة للنظام التعليمي، التي باشرتها الحكومات السابقة، لم تحقق النتائج المرجوة؛ رغم الجهود والموارد المالية المستنزفة.
ولفت المتحدث ذاته، إلى أن ما سبق يدعو الجميع إلى الانخراط الفعلي لإيجاد حلول ناجعة لهذا القطاع الحيوي، من قوى سياسية وهيئات نقابية ومجتمع مدني، بما فيه جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ ونساء ورجال التعليم بدون استثناء، لإجراء حوار وطني حول إصلاح التعليم، وهي خطوة ضرورية لمستقبل مصيري لقطاع حيوي بالمغرب.
كما أبرز أن من الموضوعات التي يجب أن تكون محط تساؤلات على مائدة الحوار: أي نوع من التعليم نريد؟ وما هي النماذج الدولية المتقدمة التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال؟ وكيف نرسم الأهداف حتى نصل إلى تعليم متقدم ومتطور؟ وماهي المناهج والوسائل والآليات التي قد تساعد على تحقيق تلك الأهداف؟ وكيف نجعل من التربية والتعليم سبيلا لإعادة بناء الشخصية المغربية لتسهم في بناء الوطن؟
وأوضح مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التربية والتعليم هما أساس نهوض الأفراد والمجتمعات، فهما من يكونان قيم الفرد ومسئولياته ومبادئه، ويضبطان سلوكياته وأفعاله، وبالتالي فقضية تطويرهما يجب أن تكون في أجندة القضايا المطروحة على الحوار المحتمل.
وأشار السموني إلى أن العقد الأخير شهد بعض مظاهر تطوير أساليب التعليم مثل الاعتماد على التكنولوجيا في التعليم ومنصات التعلم عن بعد، معتبرا أنها أمور تستوجب تطوير المناهج وطرق التعلم للانتقال بالتعليم المغربي من تعليم يعتمد- في أغلبه – على المناهج التقليدية إلى التعليم الذي يعتمد على البحث والابتكار والتكنولوجيا الرقمية، من خلال مع وضع برامج ومشاريع تعزز مكانة التعلم الرقمي والاستفادة من مجالات الثورة الصناعية.
وشدد المصدر ذاته، على أنه حتى يكون للحوار الوطني نتاجات طويلة المدى تخدم الوطن ومستقبل أجياله القادمة، يتطلب الأمر تحقيق حد مقبول من الإجماع حول قضايا رئيسية ومصيرية تشكل قاعدة للنهوض بالاستثمار في العنصر البشري عن طريق التربية والتعليم ببلادنا وبناء عقول أبنائنا ومستقبلهم في عالم الغد.
متابعا القول إن البلدان حققت طفرات في التنمية لكونها استثمرت في العنصر البشري الذي يختزن داخله طاقة متجددة وجبارة، من خلال التربية والتعليم، انطلاقا من المدرسة التي توفر الخدمات البشرية والأطر المؤهلة لقيادة البلاد وإحداث التغيير.
وفي السياق نفسه، لفت إلى أن هناك أمثلة عديدة لما سبق، منها التجربة اليابانية في مجال التعليم، لكونها تجربة رائدة على المستوى العالمي، انطلقت منذ عهد الإمبراطور “ميتسوهيتو” سنة 1868، و التجربة الماليزية في ميدان إصلاح التعليم التي ارتكزت على استراتيجية إصلاحية تمتد على مدى عشرين عاما، والتي تنبني بالأساس على تأهيل العنصر البشري، مشيرا إلى أنه في كوريا الشمالية يعد المعلم بطل العمل، حيث ارتفعت نسبة الكوريين الشماليين القادرين على القراءة و الكتابة من أقل من 50 % في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي إلى 90 % في أوائل التسعينيات منه.
مضيفا أن فنلندا أصبحت بلدا ذا اقتصاد معرفي متقدم في ظرف ثلاثة عقود، من خلال إتاحة الفرص للجميع في كل مستويات التعليم وفي كل مناطق البلاد، وكانت نتيجة ذلك أن أنهى 99 % من الفنلنديين التعليم الأولي والإلزامي، وأنهى 95 % منهم التعليم الثانوي، وأصبح 90 % منهم يتوجه إلى التعليم ما بعد الثانوي.
وأكد السموني على أن الحوار الوطني حول التعليم يظل ضروريا ولا محيد عنه من أجل تطوير التربية والتعليم ببلادنا، والذي يقتضي وضع خطط استراتيجية وبرامج كبرى تولي عناية لتجديد التعليم، والمساعدة على القيام بعمليات تجويد وإصلاح منهجية ومنظومة نسقية لنظم التعليم تشمل كل مكوّناتها، والاستفادة من التعلّم الرقمي ومستجدات الثورة الصناعية الرابعة، وتحسين وضعية نساء ورجال التعليم وتوفير لهم الوسائل الضرورية لإنجاز عملهم في أحسن الظروف والأجواء.
واعتبر مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن السياسات العمومية أو الاختيارات الوطنية المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي لن تحقق أهدافها ما لم يكن هناك حوار وطني يسهم فيه كل المتدخلين والمعنيين بهذه القطاعات.