على غرار السنوات السابقة أثارت الأعمال الدرامية والكوميدية المعروضة على القنوات العمومية خلال شهر رمضان موجة من الجدل والانتقادات بسبب ضعف وهزالة السيناريو والإخراج وغياب الحبكة الدرامية.
ويبدو أن رمضان 2024 سجل وتيرة تصاعدية للانتقادات بالنسبة لمجموعة من الأعمال الدرامية والكوميدية وعلى رأسها ” دار النسا”، “ولاد يزة”، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول جودة المحتوى الموجة للمشاهد المغربي.
وارتباطا بالموضوع حاورت جريدة “شفاف” أحمد سيجلماسي، ناقد وصحافي سينمائي وتلفزيوني مهتم بتاريخ السينما بالمغرب، بخصوص الجدل الذي أثارته الأعمال الدرامية والكوميدية بعد مرور 23 يوما من عرضها.
س: ما هو تقيمك لمختلف الأعمال الدرامية والكوميدية التي تعرض على مختلف القنوات العمومية؟
ج: فيما يتعلق بالأعمال الكوميدية جلها ذات مضامين تافهة أو فارغة، بذل الممثلون والتقنيون مجهودات ملحوظة فيها لكن بدون جدوى، لأن المواقف المصورة أغلبها مفتعلة ويطغى عليها التهريج والتكرار والتمطيط والحشو.
أما الأعمال الدرامية فهي متفاوتة القيمة كتابة وإخراجا، بعضها لم يحمل جديدا على مستوى المضامين مع استثناءات قليلة من قبيل: مسلسل “دار النسا” الذي تمت من خلاله إثارة مواضيع مسكوت عنها: اغتصاب قاصرة من طرف زوج أمها، الحمل خارج مؤسسة الزواج… و”2 وجوه” الذي تناول من بين مواضيعه ظاهرة التسول المنتشرة في المجتمع والمتاجرة في المخدرات… ولعل سلسلة ” حرير الصابرة” تعتبر نقطة ضوء شكلا وموضوعا في غياب شبه تام للأعمال الدرامية التاريخية والتراثية. هذا دون الحديث عن الأعمال الأمازيغية التي لا يزال الكثير منها أقل إقناعا من الناحية الفنية.
س: جل الانتقادات طالت انتاجات بعينها كمسلسل “دار النسا” و”جوج وجوه” والسلسة الكوميدية “ولاد يزة” كيف ترون هذا الجدل؟
ج: الجدل صحي نسبيا، لأننا في بلد به هامش من الحرية.. فالمواطن له الحق في إبداء رأيه فيما يعرض عليه من أعمال تلفزيونية وغيرها لأنه هو الذي يمولها من ماله الخاص عبر أدائه للضرائب ومختلف الرسوم، وخاصة ما يقتطع شهريا من فواتير الكهرباء. لكن، شريطة التفريق بين العمل وصاحبه. يمكننا تقييم الأعمال وإبداء رأينا فيها بدون تجريح في الأشخاص أو مس بكرامتهم وقدراتهم وغير ذلك. هناك فرق بين انطباعات المتفرج العادي وبين آراء وتحليلات المتتبع العارف واليقظ. في مجال الفنون لا يحصل الإجماع عادة حول الأعمال إلا في حالات نادرة، وذلك لأن الأمر يتعلق بالأذواق، وهذه الأخيرة تختلف من فئة لأخرى ومن شخص لآخر باختلاف الميولات والمستوى الثقافي والحالات النفسية والاجتماعية وغير ذلك.
س: هل كتابة السيناريو والحبكة الدرامية في مختلف الأعمال الرمضانية ارتقت إلى مستوى تطلعات الجمهور؟
ج: مع كامل الأسف لا زالت أغلبية أعمالنا التلفزيونية تفتقر لنصوص مكتوبة بتمكن وعمق. فخلايا الكتابة غالبا ما تضم أشخاصا عديمي الموهبة، زد على ذلك أن بعض المخرجين يجمعون بين الكتابة والإخراج (والتشخيص أحيانا) مما يشتت جهودهم، الشيء الذي ينعكس سلبا على جودة المنتوج. لابد إذن من احترام مبدأ الاختصاص، فالتشخيص له أهله والإخراج له أهله وكتابة السيناريو لها أصحابها الممارسون لها دون غيرها. المغرب لا يعدم كتابا في المستوى يكفي أن تتاح لهم الفرص الكافية وأن يقدر مجهودهم (ماديا ومعنويا) حق قدره.
س: لاقت السيتكومات هذه السنة انتقادات كثيرة بسبب النمطية التي باتت تتكرر لدى بعض النجوم من قبيل بوطازوت والفذ مثلا، ما تعليقك على ذلك؟
ج: الانتقادات طالتها أيضا في السنوات السابقة بسبب السرعة في التنفيذ وتكرار نفس المواضيع والنمطية في التشخيص والفراغ المهول على مستوى المضامين والرسائل التربوية المتوخاة من إنتاجها. فعلى سبيل المثال ظل بعض “الفكاهيين” يكررون أنفسهم من خلال الأعمال المبرمجة هذه السنة ولم يفلحوا في إبداع شخصيات ومواقف جديدة، كما هو الحال بالنسبة لدنيا بوطازوت في “أولاد يزة” وحسن الفذ في شخصية “كبور” وغيرهما.
س: في كل موسم رمضاني نلاحظ غيابا كليا لإنتاجات درامية تحتفي بالشخصيات المغربية التاريخية وتسلط الضوء على حياتها وبالتالي أين يكمن الخلل هل هي أزمة نجوم أم أزمة إمكانيات؟
ج: ما يلاحظ كل سنة على برامج رمضان هو طغيان الأعمال الكوميدية التافهة وتغييب الأعمال الدرامية التاريخية، خصوصا وأن هذه الأخيرة تتطلب إمكانيات إنتاجية أكبر مما تتطلبه باقي الأعمال الأخرى. يبدو أن القنوات المغربية لا إرادة للمشرفين عليها لإنتاج هذا النوع من الأعمال. فلو توفرت هذه الإرادة لتم تجنيد كل الإمكانيات المالية والبشرية المتوفرة وغيرها لإنتاج أعمال مشرفة تستلهم مواضيعها وشخصياتها من تراثنا وحضارتنا وتاريخنا الطويل والعريض.
س: عندما نقارن إنتاجاتنا الرمضانية بدول كمصر وسوريا ولبنان والخليج العربي يبدو الفرق شاسعا، ماذا ينقصنا لنحذو حذوهم؟
ج، لا مقارنة مع وجود الفارق.. مصر مثلا تتوفر على صناعة سينمائية وتلفزيونية تنتج باستمرار وتسوق أعمالها داخل وخارج البلد، وتحقق من وراء ذلك أرباحا تجعل عجلة الإنتاج في دوران مستمر. أما نحن في المغرب فلازلنا لحد اليوم لا نتوفر على هذه الصناعة رغم وجود بعض مقوماتها لدينا. فأغلب أعمالنا السينمائية والتلفزيونية يتم إنتاجها بفضل دعم الدولة، وعندما يغيب هذا الدعم تتوقف الحركة. لابد من إرادة سياسية لخلق هذه الصناعة وتحفيز الخواص على الاستثمار في مجالاتها المختلفة عبر تقنين الحقل السمعي البصري بشكل جيد يحقق مردودية اقتصادية وتنافس شريف بين المشتغلين داخله.
س: هل تتحمل وزارة الشباب والثقافة والتواصل جزءا من مسؤولية تردي المنتوج الإعلامي وهزالة المحتوى؟
ج: طبعا، فلو كانت هناك شفافية في التسيير داخل قنواتنا التلفزيونية، الجهة المنتجة الوحيدة بالمغرب، ورغبة في الرفع من مستوى الأعمال شكلا ومحتوى، لما استمر هذا الهدر للمال العام في أعمال لا تسمن ولا تغني من جوع. لابد من إعادة النظر في توجهات الإدارة الوصية على قطاعات السينما والتلفزيون، وفسح المجال أمام الفنانين الحقيقيين، وخلق فرص متكافئة بين الجميع. فإلى متى سيظل نفس الأشخاص ونفس شركات تنفيذ الإنتاج المتحكم الرئيسي في مجال الأعمال التلفزيونية وغيرها؟
س: خلافات الفنانين التي تطفو على وسائط التواصل الاجتماعي، هل تكشف في نظركم عن حجم الأزمة البنيوية داخل المجال الفني؟
ج: ما دام المجال الفني ببلادنا موبوء فالخلافات بين العاملين فيه ستظل قائمة، القوي يستغل الضعيف، والمتطفل يقصي ويهمش الموهوب، والكل يبحث بكل الوسائل عن الكسب السريع دون إعارة اهتمام للفن الحقيقي وما يتطلبه من مجهودات أو تفكير في الرفع من مستوى التذوق الفني لدى المتلقي.