شهد الاقتصاد المغربي تحديات متزايدة مع نهاية عام 2024، حيث كشف تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط عن تراجع النشاط الاقتصادي لدى 49% من أرباب المقاولات في قطاع الخدمات التجارية غير المالية، وهذا التراجع الذي طال قطاع الخدمات التجارية غير المالية بشكل خاص، يعكس تأثير التضخم وضعف القدرة الشرائية، مما يطرح تساؤلات حول فعالية التدابير الحكومية المتخذة لمواجهة الأزمة.
وبينما يعاني قطاع الاتصالات والنقل الجوي والعقارات من انخفاض الطلب، يشهد قطاع تجارة الجملة نوعًا من الاستقرار، مع تفاؤل حذر بشأن المستقبل، ما يبرز تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية انعكاس هذه المؤشرات على واقع الاقتصاد المغربي في المرحلة القادمة.
♦ الأداء الاقتصادي بين الواقع والتحديات
يرى محمد أفزاز، الخبير والمحلل الاقتصادي، على أنه بالرغم من أن معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي المغربي بلغ 4.3% في الربع الثالث من عام 2024، وهو الأعلى منذ أواخر 2021، فإن متوسط النمو السنوي ظل في حدود 2.5% إلى 3.2%.
وأردف أفزاز في تصريح لجريدة “شفاف”، أن هذه الأرقام تبقى بعيدة عن الطموحات الحكومية وتوقعات المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، مبرزا أنها لا تكفي لامتصاص التضخم، الذي بلغ في السنوات الماضية مستويات مرتفعة، قبل أن يستقر عند 2% تقريبًا في 2024، مع توقعات ببلوغه 2.4% في 2025.
وأضاف أن الجفاف المتوالي منذ ست أو سبع سنوات يعد أحد العوامل الرئيسية التي أثرت على الاقتصاد المغربي، خاصة القطاع الزراعي، الذي يشكل رافدًا أساسيًا للنمو الاقتصادي، لافتا إلى أن ارتفاع الأسعار، الناتج عن ضعف الإنتاج الزراعي، أثر بدوره على القدرة الشرائية للأسر، مما أدى إلى تراجع الطلب الداخلي.
ارتفاع أسعار العقار.. فما الأسباب وما دور الحكومة في توفير السكن بأثمنة مناسبة للمغاربة؟
وزاد قائلا إنه إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة قلّص السيولة في الأسواق، مما حدّ من قدرة المؤسسات على الاستثمار والتوسع، كما أدى إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي للأسر.
وأكد أن الاقتصاد المغربي يعاني أيضًا من تداعيات الركود والانكماش الذي تعاني منه الاقتصادات الأوروبية، لا سيما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإلى حد ما إسبانيا، وهي الشركاء التجاريون الرئيسيون للمملكة.
واستطرد أن هذا الركود يعود جزئيًا إلى استمرار تأثير الحرب الروسية الأوكرانية، التي رفعت تكاليف الطاقة وأسعار السلع الأساسية، مبرزًا أن هناك عوامل أخرى تلوح في الأفق، مثل الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الصين وكندا والمكسيك وكذا الاتحاد الأوروبي، مما قد يُدخل الاقتصاد العالمي في حالة اضطراب جديدة.
♦ الانعكاسات على الشركات وسوق العمل
يبرز محمد أفزاز أنه مع تراجع الطلب الداخلي والخارجي، تأثرت الشركات المغربية، لا سيما المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشكل أكثر من 90% من النسيج الاقتصادي المغربي، لافتا إلى أن هذا الوضع انعكس سلبًا على سوق العمل، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى أكثر من 13% في 2024، وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط، لافتا إلى أنه مع ضعف خلق فرص العمل، تتقلص القدرة الشرائية للأفراد، مما يؤدي إلى مزيد من التباطؤ الاقتصادي.
وتابع أنه من بين العوامل الأخرى المؤثرة في النشاط الاقتصادي، يوجد مستوى الضرائب المرتفع، سواء على الأفراد مثل ضريبة الدخل والقيمة المضافة، أو على الشركات، موضحا أنه كلما ارتفعت الضرائب، تقلص هامش أرباح المقاولات، مما يحدّ من قدرتها على التوسع والاستثمار، وينعكس سلبًا على الإنفاق الاستهلاكي للأسر.
الحكومة تخطط لزيادة معدل النمو إلى 4.6 % في 2025.. فهل يجد هذا الرقم صدا له على أرض الواقع؟
وأوضح أن القطاعات الأكثر تضررًا بالمغرب تشمل الصناعات الغذائية والقطاعات الزراعية، إلى جانب بعض القطاعات الخدمية غير المالية التي تتأثر بالتقلبات الجيواستراتيجية، مشيرا إلى أنه في المقابل، هناك قطاعات أخرى استفادت جزئيًا من التغيرات الحاصلة، مثل النقل والتخزين وبعض الخدمات اللوجستية.
♦ فرص نمو الاقتصاد في 2025
يشير محمد أفزاز إلى أنه رغم هذه التحديات، هناك بعض العوامل التي قد تدعم تعافي الاقتصاد المغربي خلال 2025، ومن أهمها تحسن الموسم الزراعي بفضل الأمطار الأخيرة، مما قد ينعش الإنتاج الزراعي.
وأردف أنه من الأمور المساهمة في الانتعاش الاقتصادي المرتقب؛ توجد الاستثمارات العمومية المرتبطة بمونديال 2030، حيث يُتوقع إنفاق ما بين 6 إلى 10 مليارات دولار على مشاريع البنية التحتية، مما سيوفر فرص عمل وينشط قطاعات مثل البناء والصناعات التحويلية.
وأبرز أن الأمر يتعلق أيضا بعامل خفض أسعار الفائدة، حيث من المرجح أن يتبع البنك المركزي المغربي توجهات الفيدرالي الأمريكي في تقليص الفائدة، مما سيزيد السيولة في الأسواق ويحفز الطلب الداخلي.
وأشار الخبير والمحلل الاقتصادي إلى العامل الدولي الذي سيخدم الاقتصاد الوطني، والمرتبط باحتمال إنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنهاء النزاع لتجنب مزيد من الركود الاقتصادي.
تعليمات ملكية بإحداث لجنة موسعة لإنجاح المونديال.. فكيف سينعكس تنظيم العرس العالمي على المملكة؟
وذكر أن النقاط المضيئة اليوم في الاقتصاد المغربي تتمثل في قطاعات السياحة وصناعة السيارات والطائرات، مبرزا وجود تقدم مهم في مجموعة من المجالات الصناعية والخدماتية، مستشهدا بأن المملكة استقبلت في 2024 ما مجموعه 17.4 مليون سائح، بمقدار من العائدات المالية بلغ 11 مليار دولار.
وأوضح أن الأرقام التجارية التي يحققها الاقتصاد المغربي تسعفه في دعم الاحتياطي المغربي من العملة الصعبة، وهو ما يشكل أمرًا مهما بخصوص عملية الاستيراد من الخارج، مشيرا إلى أن ذلك يضاف لمداخيل صناعة السيارات وتحويلات مغاربة الخارج المهمة في هذا الجانب.
ولفت إلى أن المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، تتوقع أن يتسارع معدل النمو الاقتصادي في المغرب إلى 3.9% خلال 2025، مع تفاؤل بعض التقديرات بإمكانية تحقيق نسبة تتراوح بين 4.2% و4.5%، إذا استمرت الظروف المناخية المواتية.
وشدد على أنه رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد المغربي، فإن هناك بوادر إيجابية قد تسهم في تحسين الأداء الاقتصادي خلال 2025، مبرزا أنه مع ذلك يظل نجاح المغرب في تحقيق نمو مستدام مرهونًا بمدى قدرته على تنويع شركائه التجاريين، وتحفيز الاستثمار الداخلي، والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.