أعاد منح المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” في الدوحة، للكاتب والروائي والناقد والسيناريست المغربي الشاب ياسين كني؛ جائزة “كتارا” للرواية العربية في دورتها العاشرة 2024 في فئة الروايات غير المنشورة عن روايته “ع ب ث”، الحديث مجددا عن مكانة الأدب المغربي ودور الجيل الصاعد من الكتاب الشباب في تطويره وخلق تجربة ونموذج خاص بالمغاربة في عالم الرواية والأدب بشكل عام.
وفي حواره مع جريدة “شفاف”، كشف صاحب رواية “ع ب ث” ابن بمدينة آسفي والذي يشتغل كأستاذ؛ عن طبيعة ارتباطه بالأدب والكيفية التي توطدت عبرها علاقته بالكتابة ومجال الرواية تحديدا، والتقنية التي يعتمدها في صياغة مؤلفاته، وأبرز الكتب التي يقبل على قراءتها، وجديد أعماله التي لا تنحصر في الرواية بل تتجاوزها لكتابة سيناريوهات الأعمال التلفزيونية.
♦ هل اخترت الأدب أم هو الذي اختارك وانتقاك؟
بداياتي كانت مع القراءة وإنتاج نصوص سادها الطابع الشعري، لكنها لم تنضج شعريا، بل تطورت فيما بعد لتعطي صيغة أو شكلا آخر، واليوم خلال هذه المرحلة التي تجاوزت فيها سن الأربعين أصبح الأدب اختيارا بالنسبة لي.
واعتبر الأدب وسيلة وإحدى النوافذ التي أعبر من خلالها على مشروعي المتمثل في التغيير الإيجابي للمجتمع والإنسان، ومن الممكن القول إن الأدب اختارني في البداية من خلال ملكة التعبير عن الذات، لكن الآن في ظل مرحلة نضج الاختيار صرت أنا من اختار الأدب كوسيلة للتعبير عن الهمّ المجتمعي وعن الذات.
♦ ما هو الأدب بالنسبة لك، هل هو تعبير عن أزمة داخلية أم مجرد ترفيه أم شيء معين آخر؟
الأدب يعد تجربة إنسانية قديمة، فالحكاية هي شيء متأصل في الإنسان منذ القدم، فجميعنا أنصتنا لحكايات متعددة من الجدات والمقربين وكبار السن عموما، وكما يعلم الجميع فإن الحكاية هي التي صاغت الإنسان وأفكاره، فالنصوص المؤسسة للإنسان سواءً تلك المرتبطة بالدين أو الأساطير فهي بشكل أو أخر حكايات، ويمكن اعتبارها بالتالي إحدى أصناف الأدب، وكلنا في هذا العالم تحكمنا حكايات هي التي تؤطر وجودنا وساهمت بنسبة كبيرة في تكوين شخصياتنا.
وأشير هنا إلى أن القصص والحكايات التي نسمعها منذ ولادتنا وإلى وفاتنا تؤثر فينا وتصنع النفسية التي نكون علينا، وبالتالي فالأدب ليس ترفا أو مجرد تسلية، وإنما الأدب هو ما يشكل الإنسان، والمتون الدينية هي مجموعة من الحكايات التي كوّنت وجودنا وتصورنا للعالم.
ولما نتحدث عن القضايا المصيرية اليوم التي توجد في عالمنا، فإننا نحدد مكاننا وموقفنا منها من خلال الحكايات التي نسمعها أو تروى لنا عن هذه القضايا، وحاليا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ ما يحركنا اليوم لمناصرة فلسطين هو الحكاية الموجودة، وما يحرك الآخر لدعم إسرائيل هو سردية أو حكاية يصدر أصحابها لمضامينها.
♦ ما هي الكتب التي تستمتع بقراءتها والكاتب أو الكتاب الذين تقرأ مؤلفاتهم؟
ليس لدي نموذج معين سواء لكتاب أو كاتب معين، حيث لا وجود لدي لكاتب مفضل بقدر تفضيلي لعدد من الكتابات، وبحكم اشتغالي في الدراسات الثقافية، فإني أبحث كثيرا في هذا المجال الجديد، والذي تعود أصوله المؤسسة للتحليل النفسي عند عالم النفس السويسري كارل يونغ، والمفكر وعالم النفس النمساوي سيغموند فرويد.
وصراحة أركز في قراءتي على الكُتاب العرب والمغاربة، سواءً الكتاب المؤسسين للحركة الأدبية العربية مثل نجيب محفوظ، وأستطلع أيضا الأدب القديم مثلما هو الأمر مع مؤلفات الجاحظ، وهذا الأخير أحب كثيرا أن أقرأ له وأعتبره شخصيا أنه كان سابقا لزمانه، كما أهتم بالنصوص المعاصرة كروايتي “عزازيل” و”النبطي” لكاتبهما يوسف زيدان.
واقرأ أيضا للحركة الشابة الناشطة في الرواية، مثلما هو الأمر مع الكُتاب المغاربة الشباب أمثال محسن الوكيلي وطارق البكاري وعبد المجيد سباطة وعيسى ناصر ويونس أوعلي وغيرهم، وذلك إضافة لاهتمامي بروايات كُتاب مخضرمين أمثال الجزائري واسيني الأعرج.
ولكنه لا يمكنني أن أدعي أن لدي حبا لكاتب بعينه، باستثناء أنني دائم البحث عن مستجدات بعض الكتاب وأحب أن أطلع على ما يصدرونه من مؤلفات في هذا الجانب، ولم يسبق أن اطلعت على جميع إصدارات أي كاتب بعينه، بالرغم من كوني أحب للغاية أن أقرأ للكاتب الأمريكي دان براون، باعتباره يملك أسلوبا فريدا من نوعه يمزج بين الكتابتين العميقة والتجارية، وهي الشكل المفضل اليوم في العالم.
وفي العالم المعاصر لا يمكن أن نكتب حسب ذوقنا، بل وفق الاختيارات الشابة، حيث أن الكاتب أصبح ملزما الآن بفهم هذه الفئة والعمل على القراءة والكتابة لها، وهو ما يجعل تصوري في القراءة مبني على جودة المؤلفات لا على أسماء الكتاب وجنسياتهم أو كذا المدرسة الأدبية التي ينتسبون لها.
♦ ما الأسلوب الذي تعتمده في كتاباتك، ومن أين استمدته؟
في الحقيقة رواية “ع ب ث” من ناحية الموضوع فهي تسير في نفس مشروع الكتابات الأدبية والدراسات الثقافية والنقد التي أشتغل عليها منذ ولوجي عالم الكتابة، لكن من حيث الشكل والتقنية مختلفة تماما عما أنجزته سابقا، حيث اعتمدت طريقة جدية في الكتابة لم يسبق لي أن اطلعت عليها لدى باقي الكُتاب.
وهذه التقنية الجديدة ترتكز على محاولة إظهاري للقراء أن رؤيتنا للوجود هي رؤية غير حقيقية ومختلفة؛ حتى وإن كانت لنا يقينيات حول هذا العالم؛ فإن البحث عن الجزئيات والتفاصيل تظهر لنا أن هناك حقيقة أخرى لا نستطيع أن ندركها إلا إذا ساهم شخص آخر في النظر إلى هذا الوجود، وهو ما ساهم في توضيح أمور مهمة بهذه الرواية.
و“ع ب ث” التي اشتغلت عليها لمدة خمس سنوات تتكون من ثلاثة أجزاء، كل واحد منها يحكي فيه البطل حكايته، وهو ما يبرز في الأخير الرؤى المتعددة للحكاية الواحدة، ويؤكد من خلال ذلك على أن الحقيقة هي متعددة وليست واحدة، من خلال الموضوع الشائك المرتبط بالنفس البشرية وما يتعلق بذلك من مواضيع الحقوق والحريات وقدرة الفرد على الاندماج في المجتمع.
والمشترك بين “ع ب ث” ورواياتي السابقة؛ ولاسيما رواية “سيرة الصمت”، هو أنهما كتبتا حول المرض النفسي ومن خلال ذلك استكشاف عوالم النفس البشرية، حيث أن هناك تشابه بينهما على مستوى الموضوع، لكن على مستوى الشكل هناك اختلافات عديدة.
وأشير إلى أنه لدي اليوم أربعة أعمال روائية؛ وهي “تيغالين” و”سيرة الصمت” و”أسفار القلوب والصوارم” ع ب ث”، وعمل نقدي تحت عنوان “عبد الله الغذامي ناقدا ثقافيا”، والعديد من المشاركات في كتب أدبية جماعية.
♦ كيف ترى الساحة الأدبية المغربية مقارنة مع محيطها الثقافي؟
الأدب والثقافة ينتسبان في طابعهما لمجتمع معين وحاضرة كبرى، وبطبيعة الحال الأزمة التي يعيشها المغرب والعالم العربي تنعكس بلا شك على كافة المجالات بما فيها المجال الثقافي، وهو ما يجعلنا نقول إننا نعيش اليوم في عالم الأزمة، لكن في المقابل هناك شموع أدبية من الكتاب والمؤلفين والمبادرات الجادة تحاول تكسير جليد هذا الظلام الذي يعشش بالمنطقة في هذا القطاع.
وهناك تجارب مغربية إذا ما قارناها بمحيطها العربي اليوم تعد رائدة في المجالين الإبداعي الأدبي والنقدي، وأذكر أن جميع الجوائز العربية في مجال الكتابة والأدب والإبداع سواءً “كتارا” أو “البوكر” العربية أو “الشارقة” تجد الحضور المغربي دائم التواجد فيها، وذلك من خلال التتويج بألقابها وجوائزها، وكذا المشاركة ضمن لجان التحكيم.
ويمكن القول إن المغرب له مكانة بارزة على المستوى العربي، لكن يجب التركيز على أن هناك حركة مغربية شبابية في مجال الأدب والنقد تحاول أن تصنع ما يمكن أن نسميه برواية مغربية معاصرة سواءً من خلال الإبداع أو المتابعة النقدية، وهو ما يجعلنا نجد أن الكتابات المغربية الشبابية هي تجريبية بالأساس في محاولة للوصول إلى سمات أو معايير أو ملامح رواية مغربية معاصرة يمكن أن تجد لها مكانا ضمن خارطة الرواية العالمية.
ولابد أن أشدد على أن هذا المجهود الشبابي يحتاج دعما من أجل النهوض بمجال الأدب في المغرب، إذ أن العديد من الكتاب اضطروا خلال السنوات الأخيرة للابتعاد عن الكتابة في غياب الدعم والحافزية، فيما لا تزال فئة أخرى تقاوم وتشد كما يقال على الجمر، وذلك بهدف الحفاظ على هذه التجربة، والتي نتمنى خلال 10 سنوات القادمة أن تكون قد توضحت فيها معالم الكتابة المغربية الشابة.
♦ الناشئة المغربية تهتم بالأدب اللاتيني وبالكتاب الأجانب أكثر، فما الأسباب؟
أدب أمريكا الجنوبية (الأدب اللاتيني) هو أدب رائد منذ عقود وتميزه ليس وليد اليوم، ومجموعة من الأسماء المنتسبة له برزت في حقل الرواية العالمية، وحصدت كبرى الجوائز الدولية كجائرة البوكر العالمية أو جائزة نوبل للأداب، ولكن اليوم نشهد خفوتا نسبيا لهذه الرواية على المستوى الشبابي الشعبي، وهناك فرق كبير بين الاهتمام ضمن المجال التخصصي؛ أي النقاد والقراء من صنف المتميزين، والقارئ الشبابي الذي أصبح أكثر توجها للرواية الخيالية والفنتازيا.
وأذكر هنا أن الكاتب السعودي أسامة المسلم الذي حضر في معرض الكتاب الأخير؛ وجاء الكثير من الشباب والمراهقين المغاربة من أجل شراء رواياته والحصول على توقيعه؛ باعتباره ضمن الكتاب الأكثر مبيعا للمؤلفات في هذا الجانب وإقبالا لدى هذه الفئة، وذلك بالرغم من إجماع أغلب النقاد وكبار القراء على أن هذا الكاتب يقدم أدبا من الدرجة الثانية وأدب ذات طابع تجاري في أصله.
وما سبق على فكرة لا يعني التغاضي وعدم الاهتمام بهذا الصنف من الأدب، ولا بد من معرفة الذوق الجديد للشباب ومحاولة التقرب منهم، باعتبار أن الكاتب الجيد هو من يحاول أن يفتح لنفسه نوافذ متعددة للقراء، وذلك من خلال الانفتاح على جميع القارئين سواءً الشباب أو كبار السن بمختلف اهتماماتهم وأذواقهم، حيث بإمكان الكاتب إنضاج تجربتهم القرائية للانتقال بهم من الأدب التجاري والشبابي إلى الأدب الرصين.
وأشير إلى أنه إذا لم أساهم ككاتب في تغيير نظرة القراء المغاربة للأدب الثاني أو التجاري، وذلك من خلال استلهام التجارب الجماهيرية في الكتابة ومحاولة اعتماد التقنيات التي ستجلب هذا النوع من القراء، وذلك بعيدا عن الطريقة المبتذلة والسطحية المعتمدة حاليا في هذا الجانب، وبالتالي إنضاج هذه الأساليب الروائية المعتمدة نحو أسلوب وسط يضمن إرضاء عدد مهم من القراء الشباب، وفي الوقت ذاته يحافظ على المعايير المعتمدة في كتابة الأدب.
♦ هل هناك من أعمال جديدة؟
يجب أن أذكر أنني كتبت عديد الأعمال الأدبية قبل نشر أول عمل في 2017، علما أني كنت أمارس هواية الكتابة قبل ذلك بعشر سنوات (2007)، وبالتالي راكمت مجموعة من الكتابات التي قمت بإنضاج بعضها ومن تم نشرها بعد ذلك، وأخرى بعد مراجعتها قمت بالتخلي عنها.
وحاليا بحوزتي ثلاث روايات أقوم بالاشتغال عليها قبل أن أختار إن كان سيتم نشرها أم لا، وأعمل أيضا على كتاب نقدي وسيناريو لمسلسل تلفزيوني من 30 حلقة؛ والذي أحاول إنضاجه والبحث عن سبيل لتحويله لعمل فني متكامل.
والكتابة بالنسبة لي هي جزء من المعيش اليومي، ودائما ما أجد نفسي منشغل بمشروع كتاب جديد أو تنقيح مؤلف سبق لي العمل عليه، وذلك في انتظار الفرص الجيدة، التي بالإمكان أن تقنعني بإخراج هذه الأعمال لحيز الوجود.
والأعمال التي أشتغل عليها ذات طابع نقدي فكري أو أدبي، وذلك في إطار محاولة مني عبر هذه الكتابات للاشتباك مع الواقع، وذلك باعتبار أننا نعيش جميعا مشاكل على المستوى الإنساني الفردي أو الجماعي محليا ووطنيا وعالميا، وهذه المشكلات الكبرى التي تحتاج حلا ولا تحظى بالاهتمام اللازم أحاول مناقشتها عبر أعمالي، من خلال القضايا الاجتماعية والنفسية التي أطرحها.
وكتابي النقدي المسمى “قبحيات الجميل والمقدس في الروايات العربية” الذي هو حاليا في طور التنقيح يرصد الأشياء ذات الجماهيرية، والتي تحظى بإعجاب كبير من طرف جماهير واسعة، لكن داخلها هناك مجموعة من القبحيات وكوابح التنمية والتغيير، والتي أحاول أن أرصدها من خلال هذا الكتاب، حيث أتحدث من خلاله بشكل مباشر عن الإشكاليات التي تعتري الرواية العربية وتكبح تطور وتنمية فكر الإنسان بمختلف أبعاده.