لازالت تداعيات الحملة العنصرية التي أطلقها مجهولون على مواقع التواصل الاجتماعي بحق المهاجرين من جنوب الصحراء متواصلة، في ظل ردود الفعل الغاضبة من طرف جميع مكونات المجتمع المغربي، التي رأت في المطالبة بمنع زيجات المغربيات من أفارقة جنوب الصحراء، بدعوى أنها تهدد النسل المغربي وتستهدف الهوية المغربية “رأت” فيها عنصرية مقيتة واستهدافا للتعايش والتسامح الذي يميز المجتمع المغربي.
وانطلقت الحملة من داخل مجموعة فيسبوكية تحمل اسم “مغاربة ضد توطين أفارقة جنوب الصحراء“، لتجد صداها داخل صفحات أخرى روجت لنفس الطرح العنصري بشكل مثير للجد قبل أن يتصدى لها المغاربة بالرفض والإدانة.

وأمام محاولة تشويه صورة المهاجرين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء بالمغرب وإظهارهم في صورة “الجحيم الذي يمثله الآخر” على حد تعبير الفيلسوف والروائي الفرنسي بول سارتر، إلا أن الوضع على الأرض يبقى مختلفا تماما عما يتم الترويج له عبر منصات التواصل الاجتماعي في ظل الصورة المشرقة التي يقدمها المهاجرون الأفارقة بالمغرب عن اندماجهم في المجتمع المغربي وتماهيهم مع عادات وتقاليد وخصوصيات بلد الإقامة، والذي يوفر كل شروط وظروف الحياة الإنسانية لضيوفه الأفارقة.
ويظهر دور المجتمع المدني بالمغرب كطرف فاعل ورئيسي في عملية الاندماج والمصاحبة للمهاجرين حيث تقوم الجمعيات المغربية بدور رائد في عملية دعم المهاجرين، ومساعدتهم على تجاوز الإكراهات والعوائق التي تواجههم بشكل يومي.
وتعد جمعية الصفاء للتنمية والمواطنة واحدة من الجمعيات المتفردة في مجال دعم المهاجرين، بالنظر للمجهودات التي تقوم بها في عملية مواكبة وتأطير ودعم المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء.
الجمعية التي يرأسها الفاعل الجمعوي والحقوقي رشيد محضار تعد نموذجا يحتذى به في دعم قضايا الهجرة بالنظر للخبرة والتجربة التي راكمتها على مدى سنوات خلت، في التعريف بمشاكل المهاجرين وتذليل العراقيل والعقبات التي تواجه اندماجهم في المجتمع المغربي.
وبخصوص آليات اشتغال جمعية الصفا للتنمية والمواطنة، يوضح محضار أنه برفقة جمعيات إفريقية يعمل على مواكبة المهاجرين الأفارقة المتواجدين بالمغرب، من خلال مجموعة من الفعاليات والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والرياضية، من أجل تسهيل وإنجاح عملية اندماجهم داخل المجتمع المغربي.
وكشف محضار في تصريح لجريدة “شفاف”، على أنه أسس برفقة 6 جمعيات إفريقية تتواجد على أرض المغرب، اتحادا مشتركا للجمعيات التي تعنى بأمور المهاجرين الأفارقة، من أجل الارتقاء وتطوير العمل المقدم لهذه الفئة، من خلال تنظيم مجموعة من الأنشطة والتظاهرات الثقافية والفنية والرياضية، والترافع عن حقوقهم وتعريفهم بواجباتهم، من خلال التواصل مع الجهات الرسمية بالحكومة والأحزاب السياسية، من أجل طرح مجموعة من الأفكار التي تتعلق بهذا الأمر، على أن تتقدم في هذا الإطار كمقترحات أو مشاريع قوانين.
وأضاف رئيس جمعية الصفا للتنمية والمواطنة، أنه يتم تنظيم ورشات لتوعية وتثقيف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، فيما يخص الإجراءات والقوانين التي تصدرها الحكومة، وإبراز أوجه اختلاف الثقافات الذي هو موجود بين المغرب وبلدانهم الأصلية، موضحا أنه يتم بشكل مستمر وبحضور مختصين في القانون وغيره من المجالات تنظيم ندوات مع الأشقاء الأفارقة القاطنين بالمغرب من أجل تعريفهم بحقوقهم وواجباتهم وما يستجد في إطار ذلك من معطيات.
وأشار المتحدث ذاته، أنه يتم التواصل مع مختلف المسؤولين بوزارة الداخلية ووزارة الخارجية وغيرهما من أجل تسهيل عيش هؤلاء المهاجرين في المغرب، والحرص على ضمان حقوقهم، مبرزا أنه لا تزال تعترض المهاجرين الذين يريدون الاستقرار بالمغرب عدد من الإشكاليات، من بينها مسألة الحصول أو تجديد بطاقة الإقامة.
بخصوص الحملات الأخيرة التي تم إطلاقها ضد المهاجرين الأفارقة، أوضح محضار أن المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء يحضون باحترام وتعامل جيد لا من طرف الدولة أو الشعب المغربي، مشيرا إلى أنه نادرا ما يتم تسجيل سب ومهاجمة هذه الفئة، التي صارت جزءًا من المشهد المميز للمجتمع بالمغرب، مؤكدا أنه لا وجود للعنصرية بين المغاربة وأشقائهم الأفارقة.
وتابع القول إن تلك الحملات التي تحدث بعضها عن منع زواج المغربيات من المهاجرين الأفارقة؛ تبقى موجهة من طرف جهات أجنبية ومعروف مصدرها، موضحا أنه من خلال اشتغاله ميدانيا على المستوى الترابي لعمالة مقاطعات الحي الحسني، يشهد على نجاح عدد من نماذج الزواج المختلط بين الأشقاء الأفارقة والمغاربة، مبرزا أن المملكة المغربية على عكس البلدان المجاورة تعمل بخطى ثابتة على إدماج هذه الفئة وجعلها جزءا فاعلا ومؤثرا في قلب النسيج المجتمعي المغربي.

