استقبل الملك محمد السادس، في القصر الملكي بالرباط، أمس الاثنين، عدداً من السفراء الأجانب الذين قدموا له أوراق اعتمادهم كسفراء مفوضين فوق العادة لبلدانهم لدى المغرب.
ولوحظ أن سفير فرنسا الجديد لدى الرباط، كريستوف لوكورتيي، الذي قدم نسخاً من أوراق اعتماده لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في 30 دجنبر، بصفته سفيراً مفوضاً فوق العادة للجمهورية الفرنسية لدى المغرب، لم يكن ضمن السفراء 14 الذين استقبلهم الملك.
•غياب السفير الفرنسي لايدل على رفض الرباط لأوراق اعتماده وإنما تأديب لباريس على سياستها العدائية تجاه المغرب
بلال التليدي الكاتب والباحث في العلوم السياسية، يوضح أن عدم وجود السفير الفرنسي ضمن السفراء الذين قدموا أوراق اعتمادهم أمس للملك محمد السادس، لايعني بالضرورة رفض عاهل البلاد اعتماد أوراقه كسفير فوق العادة لباريس في المغرب.
وقال التليدي في تصريح له لجريدة “شفاف”، إن اختيار المغرب تأخير أوراق اعتماد السفير الفرنسي، لما يقارب السنة، هو تعبير لرفض المغرب لسياسة باريس الخارجية تجاه المملكة.
•مسار توتر العلاقات بين الرباط وباريس
وبتتبع مسار توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا منذ ما يفوق السنتين، يبين المتحدث ذاته، على أن العلاقات بين البلدين بلغت مرحلة خطيرة، حيث باريس في البداية سخرت إعلامها لاتهام المغرب بالتجسس على عدد من السياسيين الفرنسيين ومن بينهم الرئيس ماكرون عبر تطبيق “بيغاسوس”، والتي إلى حدود اليوم لم تقدم أي دليل على ذلك بعدما رفعت المملكة دعاوى قضائية لدى القضاء الفرنسي في حق تلك الصحف التي عملت على التشهير بالمغرب وضرب مصداقيته.
وانتقل مستوى التوتر بين المغرب وفرنسا، حسب المحلل السياسي، إلى المستوى الثاني، حينما اتهمت باريس المغرب برفض استقبال قاصريه الذين يوجدون في فرنسا بشكل غير شرعي، وهو ما نفته المملكة بشكل قطعي، موضحة في الوقت نفسه أن الأمر مرتبط بشروط صحية على اعتبار أن العالم في تلك المرحلة كان يعرف اجتياح فيروس كورونا لمختلف الدول، حيث طالبت على الأقل بأن يتوفر المهاجرون السريون على جواز السفر أو على أي وثيقة تثبت عدم إصابتهم بفيروس كورونا وهذا ما رفضته فرنسا بالطبع وقتها.
كما أن سلوكيات فرنسا العدائية اتجاه المغرب، وفق بلال التليدي، بلغت مراحل متقدمة حينما أثرت باريس على البرلمان الأوروبي وجعلته يصدر قرارا بإدانة المملكة على خلفية ملف حرية التعبير والصحافة.
ومناكفة فرنسا للمغرب لم تقتصر على هذا الحد، حيث يرى المتحدث ذاته، أن باريس لم تتقبل رفض المغرب لطلب المساعدة الخاصة بها، وهو ما جعلها من جديد تسخر إعلامها في حملة ممنهجة لضرب مصالح المملكة الحيوية، بل الأخطر من ذلك هو أنها أوعزت لعدد من الصحف أن تخوض حملة ضد الملك وفي حياته الخاصة حيث نشرت كاريكاتورات مسيئة لشخصه مرفوقة بتهم خطيرة له، وهذا يعتبر مؤشر خطير من التوتر، ورغم ذلك المغرب لازال يحافظ على الخيط الرفيع ولم يتخذ أي موقف رسمي عنيف اتجاه فرنسا.
واعتبر المحلل السياسي خروج فرنسا عن إدارة التوتر ضمن السقف المنخفض، عبر تصريح الأخيرة بأن لها أجندة مشتركة مع الجزائر داخل مجلس الأمن، يدل على عداء باريس تجاه المملكة وأنها تعمل على مناكفة المغرب في قضيته داخل مجلس الأمن.
وبالتالي حسب المحلل السياسي، فالرئيس ماكرون لم ينتبه إلى الصدمات التي تلقها وفي الوقت نفسه لم يستمع إلى النخب السياسية الفرنسية التي تطالبه بإعادة العلاقات مع المغرب إلى طبيعتها وإلى الاعتراف بمغربية الصحراء على غرار الدول الذكية والبركماتية مثل إسبانيا وأمريكا، وعليه عدم استقبال السفير الفرنسي فيه شيء من الرد على السلوكيات العدائية الممنهجة للسلطات الفرنسية تجاه المغرب.
وبما أن ماكرون، وفق بلال التليدي، اختار أن يوجه سياسة بلاه الخارجية نحو الجزائر، رغم مطالبة العديد من السياسيين للأخير بالوضوح وأن يظهر الهدف من التقارب الفرنسي الجزائري وهل هو مرتبط بملف الطاقة، إلا أن الرئيس الفرنسي كان دائما ما يرفض ربط العلاقات السالفة الذكر بملف الطاقة بل بالوجود الفرنسي أو بالرؤية الفرنسية في الجزائر أو في منطقة الساحل والصحراء.
ومنذ اختيار الرئيس الفرنسي للجزائر، حسب المتحدث ذاته، وهو يعيش النكسات، وأولها التوتر التي شاب العلقات الفرنسية الجزائرية نفسها، خصوصا أن عسكر الجزائر ليس لهم رؤية سياسية محددة ويتمسكون بورقة الذاكرة من أجل فعل لاشيء، وهذا ما أكده عدد من رؤساء فرنسا ومن بينهم الرئيس السابق ساكوزي الذي عرج على هذا الأمر في مذكرته.
كما أن فرنسا اليوم، حسب المحلل السياسي، نجدها فقدت نفوذها في منطقة الساحل والصحراء بسبب صراعها مع المغرب وآخرها في دولة النيجر بعد خسارتها لحليفيها التقليدي على بانغو الذي تم الانقلاب عليه من طرف الجيش، وهذا الأمر جعلها تسحب سفيرها والعمل على سحب قواتها العسكرية كذلك نهاية العام تحت الضغط.
•حصيلة التوتر الفرنسي المغربي في أفريقيا
ويقول بلال التليدي أنه إذا ما أردنا أن نقيم ما حصلت عليه فرنسا من خلال مناكفتها للمغرب خلال السنتين الماضيتين فسنجد أنها لم تحقق أي شيء مما خططت له ما عدا قبول النيجر للمبادرة الجزائرية التي يرى فيها الانقلابيون في نيامي فرصة من أجل التخفيف من الضغط الدولي عليهم.
كما أن تقييم أثار العلاقة بين الجزائر وفرنسا من الناحية الاستثمارية والاقتصادية في الجزائر، يوضح الباحث في المجال السياسي، على أن فرنسا لم تحقق أي شيء لأن البنية الاستثمارية في الجزائر تقليدية جدا ومنغلقة ولاتقبل بدخول فرنسا واستحواذها على جزء من النفوذ، من جهة أخرى عدد من الشركات الفرنسية أصبحت تفقد استثماراتها في المغرب وتفقد صفقات كبيرة كانت في السابق تحظى بها.
•الصحراء المغربية منظار العلاقات الخارجية للمملكة
وأمام الهجمات الشرسة التي تقوم بها فرنسا تجاه المغرب، يبرز المتحدث ذاته، أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وأن المملكة لا تريد من فرنسا أن تكون ضبابية بخصوص موقفها في ملف الصحراء المغربية، حيث عاهل البلاد وضع الصحراء المغربية كمنظار في علاقة البلاد الخارجية.
وتابع، إذا فرنسا اليوم لم تدعم بشكل واضح مغربية الصحراء فإن علاقتنا معها ستبقى متوترة، موضحا أن المغرب لم يعد في مرحلة التسعينيات التي كان يرى أن الحياد في مصلحته، حيث الرباط كانت تستفيد من الناحية السياسية من باريس حينما كانت تدعم المملكة في مجلس الأمن، والأخيرة تستفيد من الناحية الاقتصادية.
وبالتالي، وفق المحلل السياسي، فالمغرب لم يعد يعترف بالمنطق التقليدي ولا يتبناه، وأصبح يطالب بأن تكون المواقف السياسية واضحة بخصوص ملف الصحراء المغربية، لكي يكون لباريس أو لغيرها الحق في الفرص الاقتصادية في المغرب وفي أفريقيا، وعدم الوضوح سيجعل فرنسا وغيرها منبوذة في المغرب وفي أفريقيا كذلك.
واستطرد بلال التليدي، أن فرنسا كان بإمكانها أن تحصن نفوذها الاقتصادية والاستثمارية في المغرب وكذلك في منطقة الساحل جنوب الصحراء، لو أن باريس حسنت من علاقتها مع الرباط واعترفت بمغربية الصحراء، مع العلم أن المراقبون الدوليون يؤكدون على أن المملكة لم تخسر نفوذها في أفريقيا رغم الانقلابات الحاصلة في أفريقيا، فيما فرنسا وإلى حدود اليوم لازالت تتكبد عناء سياستها الاستعمارية في أفريقيا.
وأضاف أن الرئيس المنقلب عليه في الغابون، علي بونغو يعتبر صديق للعائلة الملكية في المغرب لأكثر من نصف قرن، وبالتالي الانقلاب عليه كان يتوقع أن يشكل زلزالا بالنسبة للمغرب، ومع ذلك رأينا موقف الخارجية المغربية الرزين الذي طالبت فيه الأمة الغابونية بأن يكون لديها الحكمة في التعامل مع هذه الفترة الانتقالية.
كما أن علاقات المغرب السياسية الجيدة مع جميع الأطراف، حسب المتحدث ذاته، أمنت له مصالحه في أفريقيا، مبرزا أن العكس ما يحدث مع فرنسا، حيث بدا الجميع ينفرها ويحاولون طردها من أفريقيا.
ورغم كل الأحدث والوقائع السالفة الذكر، يقول المحلل السياسي، إن فرنسا اليوم تفهم أن إصلاح مشاكلها مرتبط بإصلاح علاقتها مع المغرب، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عنيد وليس سياسيا أو بالأحرى مراهق سياسي ولا يعرف معنى مصلحة بلاده، وهذا الأمر خفض شعبية الأخير لدى الناخب الفرنسي بنسبة كبيرة وجر عليه انتقادات من مختلف الأطياف السياسية في فرنسا.