بالرغم من إثارة مجموعة من الجهات سواء الرسمية مثلما هو الأمر مع المجلس الأعلى للحسابات أو غيرها كالفعاليات الحقوقية ببلادنا للوضعية المقلقة لمقالع الرمال منذ سنوات، فلا يزال مشكل استغلال هذه الأخيرة بطرق غير قانونية وبشكل مضر بالبيئة متواصلا وفق هاته الأطراف، ويتوسع يوما بعد آخر، وهو ما يدق ناقوس الخطر ويدفع للتساؤل حول الأسباب الكامنة وراء استمرار هذا الأمر.
♦ مجلس الحسابات يكشف المستور
كشف المجلس الأعلى للحسابات أواخر السنة الماضية، عن استمرار تفشي ظاهرة ريع استغلال مقالع الرمال وإضرار ذلك بالبيئة، مبرزا أن 79% من الرمال المستهلكة في المغرب يتم استخراجها بشكل غير قانوني؛ الأمر الذي يفقد خزينة الدولة مداخيل مالية مهمة سنويا، والتي تصل لما يناهز 166 مليون درهم، مبرزا أن من بين الرهانات الرئيسية في تدبير استغلال المقالع؛ وضع نظام محكم لتتبع الكميات المستخرجة، قصد ضبط المداخيل الضريبية واحترام الشروط البيئية للاستغلال.
وأشار المجلس في تقرير له، إلى أنه بالرغم من الأشواط التي قطعها المغرب في هذا القطاع بعد صدور القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع؛ إلا أنه ظل لسنين يراكم مجموعة من الإشكاليات، المتعلقة بتعدد المتدخلين، وسوء الاستغلال، عبر مجموعة من الممارسات غير القانونية التي تفتقر للتنافسية، لافتا إلى أن استمرار استغلال المقالع بشكل غير القانوني يشكل منافسة غير عادلة، تؤثر سلبا على تنافسية المقالع المرخصة، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الهدف من الضبط القانوني هو محاربة هذه الظاهرة.
ورصد أن عدد المقالع غير القانونية، حسب المعطيات المدلى بها من طرف المديريات الجهوية لوزارة التجهيز، و29 جماعة موضوع العينة المختارة؛ يقدر بـ194 مقلعا توجد %61 منها، بكل من جهة الدار البيضاء سطات، وجهة الرباط سلا القنيطرة، وجهة بني ملال خنيفرة، بنسب %26 و%21 و%14 على التوالي، لافتا إلى أن هناك عدة عوامل تساهم في استمرارية هذا النوع من المقالع، كعدم فعالية إجراءات المراقبة، والاستخراج غير المرخص لمواد المقالع لتنفيذ المشاريع، إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية للساكنة المحيطة في بعض العينات.
وتابع أن هذا القطاع يعد من بين القطاعات الوطنية الاقتصادية المهمة، نظرا لإمداده قطاعي البناء والأشغال العمومية بمواد البناء، ويشغل حوالي %10 من السكان النشطين، لافتا إلى أن المغرب يتوفر على 2920 مقلعا يغطي مساحة تقدر بـ35.611 هكتارا، وتدر مداخيل قدرت بـ3.6 ملايير درهم خلال الفترة 2016-2021؛ بالإضافة إلى أنه يتم استغلال 1.682 مقلعا، حسب معطيات السجل الوطني لجرد المقالع لسنة 2020.
وأوضح أن الإنتاج السنوي يقدر بحوالي 129 مليون متر مكعب، ويتكون الإنتاج بشكل أساسي من الحصى %35، والرمل %18، والتفنة %17، والطين %10، والرخام %1، مشيرا إلى أن نسبة مستغلي المقالع الذين صرحوا بالكميات السنوية المستخرجة للمديريات الإقليمية للتجهيز والماء؛ لا تتجاوز %43 خلال الفترة الممتدة ما بين 2018 و2021 الموالية لدخول القانون رقم 27.13 المنظم لاستغلال المقالع.
وأبرز أن تصريحات مستغلي المقالع لدى الجماعات تظل غير منتظمة وتفتقر للإثبات، حيث تبين أن %23 من الجماعات موضوع العينة، لا تتوصل بتصريحات جميع مستغلي المقالع بترابها، وأن %54 من التصريحات الواردة غير مرفقة بالمسوحات الطبوغرافية، موضحا أن ذلك يضاف لوجود مستودعات تخزين مواد البناء غير قانونية أو تفتقر للترخيص من طرف الجماعات، وكذا تيسير عملية تسويق مواد البناء المستخرجة بطرق غير مشروعة لاسيما الرمال، وذلك في غياب الضبط الكافي لمراقبة هذا القطاع.
وواصل أن %85 من هاته الجماعات لا تتوفر على وسائل وأدوات التحقق من مصداقية تصريحات مستغلي المقالع؛ أما بالنسبة لتجهيز المقالع بميزان “قبان”، فإن %48 من هذه الجماعات تؤكد عدم توفرها المقالع على تلك التجهيزات في نفوذها الترابي، لافتا إلى أنه لا يتم اللجوء باستمرار إلى مقارنة الكميات المصرح بها للجماعات، وتلك المصرح بها للمديريات الإقليمية للتجهيز والماء؛ في ظل غياب آليات رسمية لتبادل المعلومات حول الكميات المستخرجة بينهما؛ فيما لوحظ عدم استخدام التقنيات الحديثة للمسح الطبوغرافي، من أجل التحقق من الكميات المستخرجة.
وأكد غياب فعالية نظام تتبع الكميات المستخرجة، حيث تبين من خلال مقارنة كميات الرمال المصرح بها والكمية التقديرية للرمال المستهلكة، الموافقة للإنتاج الوطني من الإسمنت حسب بيانات الجمعية المهنية لشركات الإسمنت؛ وجود كميات مهمة غير مصرح بها، حيث بلغ المعدل السنوي لكميات الرمال غير المصرح بها نحو 9.5 ملايين متر مكعب، بين سنتي 2018 و2021، أي أربع سنوات بدون تصريح، ما يعادل %79 من كميات الرمال المستهلكة.
واعتبر أن هاته الممارسات تفوِّت على خزينة الدولة سنويا حوالي 166 مليون درهم من مداخيل الرسم الخاص المفروض على الرمال؛ أي ما يناهز أربعة أضعاف معدل الإيرادات السنوية الفعلية لهذا الرسم، والذي يبلغ 44 مليون درهم، مشيرا إلى أن الكميات غير المصرح بها، تتضمن نسبة من الرمال التي تبقى خارج نطاق تطبيق الرسم الخاص المفروض على الرمال، والذي لا يطبق إلا على رمال الكثبان الساحلية، ورمال الجرف، ورمال الوديان، ورمال التفتيت.
♦ من يتحمل المسؤولية؟
يرى إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن إشكالية نهب المقالع لا بد وأن تحيلنا إلى ما قامت به وزارة التجهيز والنقل في المغرب خلال مرحلة ما بعد 2011 بنشر لوائح تتضمن أشخاصا ذاتيين ومعنويين يستغلون 1885 مقلعا للرمال.
وقال السدراوي، إن هذا الإجراء قامت به حكومة العدالة والتنمية في إطار ما أسمته مكافحة الفساد، ليتضح بعد مرور السنوات أن الأمر مناورة سياسية فقط، والتي تحولت فيما بعد إلى تطبيع وتسريع مع الفساد بمقالع الرمال، مشيرا إلى أنه باعتباره ممثلا عن الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الانسان، فإنه يؤكد على أن عملية استغلال المقالع تمتد من شمال المغرب إلى جنوبه بما في ذلك شواطئ الصحراء المغربية.
وأردف أن “بعض الشخصيات المعروفة بانتمائها القبلي في الجنوب تقوم بالهيمنة على استغلال مساحات شاسعة من كثبان الرمال وتصدر بعضًا منها إلى الخارج، كما تتضمن لائحة أصحاب المقالع بعض الأسماء المنتمية إلى أحزاب سياسية وشركات معروفة تشتغل في ورشِِ كبرى للبناء، والتي تهيمن لوحدها على هذا المجال طيلة عقود من الزمن”.
وشدد رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان أن بعض مستغلي مقالع الرمال يعملون بدون رخص قانونية أو برخص انتهت صلاحيتها منذ مدة طويلة، كما أن الكثير منهم يستغلون هذه الثروة الطبيعية فوق القدر المسموح به قانونا، الذي ينبغي ألا يتجاوز 150 ألف متر مكعب سنويا.
وشدد على أن الحكومة تتحمل المسؤولية عن الخروقات البيئية المتسبب فيها المستغلين للشواطئ المغربية، وعن غياب المراقبة المسؤولة والصارمة التي يجب أن تقود لعدم تملص أصحاب المقالع من الضرائب، لافتًا إلى أن بعض المنتخبين يتحملون المسؤولية كذلك، موضحا أن “هؤلاء ( المنتخبين) يكونون أحيانا أطرافًا فاعلة في نهب المقالع”.
♦ الخطوات اللازمة لمعالجة الظاهرة
يشير إدريس السدراوي إلى أن الدولة المغربية في إطار الحملة المهمة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والقضائية ضد العديد من شبكات الفساد مطالبة باقتحام هذا الملف الخطير الذي يخفي خروقات لا حصر لها، مبرزا أن من واجبهم كمدافعين عن حقوق الانسان ومحاربة الفساد القيام أيضا بمزيد من المرافعة حول هذا الملف عبر الرصد والمتابعة والفضح وأيضا التوجه بشكايات للأجهزة القضائية.
وأضاف أن استغلال البعض لمقالع الرمال دون حيازة رخص قانونية وتجاوز القدر المسموح به قانونا، عائد بالأساس لغياب المراقبة والمحاسبة والإفلات من العقاب وتجدر الفساد والاستهتار بالقوانين والأنظمة، وعن غياب البعد البيئي وتعدد الشركاء في نهب مقالع الرمال بين المستغل والمتواطئ والمنفذ.
وأكد على أن المقالع لها تأثيرات بيئية خطيرة وعلى البنية التحتية وعلى الثروة السمكية بالأخص بكل من القنيطرة وآسفي والعرائش مقابل عدم وجود أي مساهمة في التنمية والتشغيل، وبالتالي فحل هذه الظاهرة والمشكلة يتجلى في التأميم في إطار برنامج شامل للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ وفي إطار سياسة لتسيير المقالع تتسم بالشفافية وتشديد العقوبات على كل من حاول التلاعب بتدبيرها من موظفي الدولة.
وشدد على أن الحلول سهلة إذا كانت هناك إرادة سياسية لمواجهة نهب خيرات البلاد، وفي مقدمتها تشديد المراقبة والمحاسبة على الإنتاج مع عدم التملص الضريبي، ومن جهة أخرى إيقاف كل التراخيص بصفة نهائية كخطوة تسبق تأميم كل المقالع لصالح الدولة واستغلال الأرباح في التنمية.
ولفت رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إلى أنه بعدما سبق لهم أن دقوا ناقوس الخطر حول مشكلة مقالع الرمال، وكذا حجم الفساد المستشري بها والذي أكدته فيما بعد التقارير الرسمية، فإنهم سيتجهون في المرحلة المقبلة نحو القضاء من أجل العمل على محاسبة كل من سولت له نفسه المساس بثروات الوطن.