يسود تفاؤل واسع في الأوساط الفلاحية والمهنية بخصوص موسم زيت الزيتون الحالي، إذ تشير التوقعات إلى قفزة قياسية في حجم الإنتاج قد تصل إلى 200 ألف طن، مقارنة بـ90 ألف طن فقط خلال الموسم الماضي الذي اتسم بالجفاف وتراجع المحصول بشكل حاد، وهذه الطفرة التي تعزى إلى تحسن الظروف المناخية ودخول مساحات جديدة من أشجار الزيتون مرحلة النضج، تعزز الآمال في وفرة غير مسبوقة قادرة على إعادة التوازن إلى السوق الوطنية وتخفيف العبء المالي عن الأسر المغربية، التي عانت لسنوات من أسعار فاقت في بعض المناطق 120 درهمًا للتر الواحد.
ولكن هذه الوفرة الاستثنائية تثير في الآن ذاته تساؤلات حول انعكاساتها المباشرة على الأسعار الداخلية، ومدى استدامة هذا الانخفاض المنتظر في ظل تقلبات الأسواق العالمية وسياسات الاستيراد، ويطرح الوضع الراهن أيضًا علامات استفهام بشأن قدرة المغرب على الاستفادة من الفائض المتوقع لتعزيز موقعه التصديري في السوق الأمريكية والأوروبية، ومدى جاهزية الفاعلين الحكوميين والمهنيين لضبط السوق وضمان استفادة المستهلك والفلاح معًا من هذه الدينامية الجديدة.
❖ عوامل مناخية
يشير رياض وحتيتا، الخبير الزراعي والمستشار الفلاحي، إلى أن موسم الزيتون لهذه السنة جاء استثنائيًا مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية التي تأثرت بشكل واضح بالتغيرات المناخية.
وأوضح وحتيتا أن ما عاشته أشجار الزيتون لم يكن فقط نتيجة الجفاف، بل يرتبط بسلسلة من الظواهر المناخية المتصلة بارتفاع درجات الحرارة، أو العكس بانخفاضها المفاجئ، إضافة إلى اختلالات في التساقطات المطرية خلال الفترات الحساسة من دورة نمو الشجرة.
وأبرز أن هذه السنة شهدت ظروفًا مناخية ملائمة، حيث مرّت أشجار الزيتون من مرحلة السبات الشتوي في دجنبر ويناير وفبراير دون تقلبات حرارية حادة كما حدث في المواسم الماضية.
وأضاف أن هذا الاستقرار في درجات الحرارة مكّن الأشجار من الحفاظ على توازنها الطبيعي استعدادًا لمرحلة الإزهار، ما انعكس بشكل إيجابي على جودة وكمية الإنتاج المنتظر.
واستطرد أن التساقطات المطرية التي عرفتها البلاد في شهري فبراير ومارس ساهمت بشكل كبير في إنعاش الأراضي الفلاحية ومنح الأشجار قدرة أكبر على مقاومة المناخ.
وأشار الخبير الزراعي والمستشار الفلاحي إلى أنه بذلك، تمكنت الأزهار من الثبات وعدم السقوط والتعرض للتلف، وهو العامل الأساسي الذي يحدد لاحقًا وفرة حبات الزيتون وجودة المحصول.
❖ توقعات الإنتاج
بناء على هذه الظروف المناخية المواتية، يتوقع وحتيتا أن يسجل المغرب إنتاجًا قياسيًا يتجاوز بكثير إنتاج الموسم الماضي؛ فبينما لم يتخطى الإنتاج الوطني 90 ألف طن في سنة 2024، تشير المعطيات إلى إمكانية بلوغ 200 ألف طن هذا العام، وهو ما يمثل قفزة نوعية في تاريخ القطاع.
ويشدد الخبير على أن هذه الزيادة ليست ظرفية فقط، بل تأتي أيضًا نتيجة دخول مساحات واسعة من أشجار الزيتون، التي تمت زراعتها في سنوات سابقة، مرحلة النضج والإنتاج.
وأبرز أن حوالي 250 ألف هكتار من المغروسات الجديدة أصبحت جاهزة لتعزيز العرض الوطني، مما يمنح القطاع دعامة إضافية لزيادة الإنتاج واستقرار مردوديته.
وفي السياق ذاته؛ يحذر وحتيتا من أن الأرقام الحالية تبقى توقعات أولية، إذ إن تحديد الحصيلة النهائية للإنتاج لا يمكن الجزم بها إلا بعد انتهاء ذروة الموسم؛ خاصة وأن القطاع يبقى عرضة لتقلبات غير متوقعة قد تؤثر في نهاية المطاف على حجم الإنتاج الفعلي.
❖ معادلة الأسعار
فيما يخص الأسعار، يشير المستشار الفلاحي إلى أن السوق الوطنية تتحكم فيها قاعدة العرض والطلب، مما يجعل أي حديث عن رقم محدد في الوقت الحالي سابقًا لأوانه.
وأردف أن المعامل والمعاصر لم تدخل بعد مرحلة شراء الزيتون بكثافة، كما أن التصدير الخارجي لم ينطلق بشكل فعلي، وهو ما قد يغير المعطيات بشكل مفاجئ.
ولفت إلى أن الأسعار قد تعرف تراجعًا ملموسًا مقارنة بالموسم الماضي الذي وصل فيه لتر الزيت إلى 120 درهمًا، إلا أن استقرار هذه الأسعار رهين بمدى عقلنة عملية التوزيع وضبط السوق الداخلي.
وشدد على أنه في حال غياب هذه الآليات، فإن أي زيادة في وتيرة التصدير أو أي اختلال في قنوات التوزيع قد يؤدي إلى انقلاب المعادلة وارتفاع الأسعارمجددًا.
وأضاف وحتيتا أن ثقافة الاستهلاك عند الأسر المغربية، -حيث يقوم المواطن عادة بشراء كميات تكفي لعدة أشهر دفعة واحدة-، تؤثر بدورها على السوق، إذ يؤدي هذا السلوك أحيانًا إلى ارتفاع الطلب المفاجئ في فترات معينة، وهو ما يرفع الأسعار بشكل غير متوقع حتى في ظل وفرة الإنتاج.
❖ التوزيع والعقلنة
من أبرز توصيات وحتيتا؛ ضرورة إدخال زيت الزيتون إلى الأسواق الكبرى المنظمة، باعتبارها الوسيلة المثلى لضمان عقلنة التوزيع والتحكم في سلسلة التسويق.
وأوضح الخبير الزراعي والمستشار الفلاحي، أن هذه الخطوة تسمح بتعزيز الشفافية من خلال تتبع مسار المنتوج (la traçabilité)، بدءًا من المعاصر المرخصة وصولاً إلى المستهلك النهائي.
غلاء أسعار زيت الزيتون.. أسباب متباينة ومطالب بحلول ناجعة لمواجهة الزيادات المتكررة
وشدد على أن اعتماد الأسواق الكبرى كقناة رئيسية للتوزيع من شأنه حماية المستهلك من الغش والممارسات غير القانونية لبعض الموزعين الذين يطرحون منتجات مجهولة المصدر في الأحياء الشعبية.
وأردف أن دخول المنتج عبر معاصر مرخصة ومراقبة صحيًا يضمن سلامة الزيت وجودته، ويتيح للدولة الحصول على إحصاءات دقيقة حول الكميات المنتجة والموزعة.
وأشار إلى أن التوزيع عبر هذه القنوات الحديثة يسمح أيضًا بضبط الأسعار بشكل أفضل، لأن السوق المنظمة تتيح معرفة حجم العرض والطلب بشكل لحظي، بعكس الوضع الحالي حيث يتم التداول في جزء كبير من المنتج خارج أي نظام إحصائي أو مراقبة فعلية.
❖ تحديات التصدير
يتطرق وحتيتا كذلك إلى جانب التصدير باعتباره أحد العوامل الحاسمة في استقرار السوق، مبرزًا أن المغرب يصدر زيت الزيتون إلى أسواق دولية مهمة، مثل الولايات المتحدة وإسبانيا والبرتغال وفرنسا.
وأبرز الخبير الزراعي والمستشار الفلاحي أن غياب “كوطا” محددة للتصدير قد يؤدي أحيانًا إلى تحويل كميات كبيرة نحو الخارج على حساب السوق الداخلية.
وحذر من أن هذه الوضعية قد تؤدي في أي لحظة إلى نقص في العرض المحلي وارتفاع الأسعار داخليًا؛ خاصة إذا لم تتدخل الحكومة لتنظيم العملية بما يضمن التوازن بين حاجيات المستهلك المغربي ومتطلبات التصدير.
وأكد أن الأسواق الدولية تعترف بجودة الزيتون المغربي، لكن ضمان استدامة هذا الاعتراف يتطلب توحيد الجهود بين الدولة والمهنيين لتعزيز القدرة التنافسية للمنتج المحلي ومواكبة المعايير الصارمة التي تفرضها هذه الأسواق.
❖ رؤية مستقبلية
يرى وحتيتا أن الطريق نحو استقرار قطاع الزيتون في المغرب يمر عبر رؤية استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الحلقات المتداخلة، من الإنتاج والتوزيع إلى التصدير.
واعتبر أن هذه الرؤية يجب أن تركز على ثلاثة محاور رئيسية؛ تتجلى في دعم الفلاحين لمواجهة التغيرات المناخية، وعقلنة التوزيع الداخلي، وتعزيز الصادرات بشكل منظم ومتدرج.
بين رهانات الأمن الغذائي وتحديات الاستدامة.. هل يكفي الإحصاء ودعم الدولة لإنقاذ القطيع الوطني؟
وأوصى بضرورة إشراك التعاونيات المحلية بشكل أكبر في عملية التوزيع، بما يسمح بخلق قيمة مضافة محلية وضمان استفادة الفلاحين الصغار من الوفرة الإنتاجية، بدل أن تذهب أرباحها الكبرى إلى الوسطاء والموزعين غير المنظمين.
وشدد على أن هذه السنة تشكل فرصة تاريخية للمغرب لإحداث تحول نوعي في قطاع الزيتون، غير أن استثمار هذه الفرصة يتطلب قرارات جريئة وتنسيقًا وثيقًا بين مختلف الفاعلين، وإلا فإن مخاطر العودة إلى دوامة تقلب الأسعار ستظل قائمة.

