في خطوة استراتيجية تهدف إلى إنقاذ القطيع الوطني وضمان استدامة الإنتاج الحيواني، أصدرت وزارتا الداخلية والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات دورية مشتركة تمنع ذبح إناث الأغنام والماعز على المستوى الوطني حتى نهاية مارس 2026، حيث يأتي هذا القرار استجابةً للتحديات التي فرضتها سنوات الجفاف وتراجع أعداد القطيع بنسبة وصلت إلى 38%، إلى جانب ارتفاع تكاليف الأعلاف وأسعار الماشية، مما دفع بعض المربين إلى اللجوء لذبح الإناث في محاولة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية.
وتركز الدورية المذكورة على ضرورة التنسيق بين السلطات المحلية والجهات المختصة لضمان التطبيق الصارم لهذا القرار، مع استثناء بعض الحالات الضرورية مثل الإناث غير المنتجة أو تلك المستوردة لأغراض التسمين، كما أكدت الوزارتان أهمية التوعية المجتمعية، خصوصًا بين المهنيين في قطاع اللحوم الحمراء، لضمان نجاح هذه المبادرة الوطنية الرامية إلى إعادة هيكلة القطيع الوطني وتجاوز العجز الحالي بحلول نهاية مارس 2026.
وزارتا الفلاحة والداخلية تمنعان ذبح إناث الأغنام والماعز إلى نهاية مارس المقبل من عام 2026
♦ أهمية القرار
اعتبر عبد الحق البوتشيشي، المستشار الفلاحي المعتمد من طرف وزارة الفلاحة، أن قرار منع ذبح إناث الأغنام والماعز هو خطوة استراتيجية لاستعادة التوازن في أعداد القطيع الوطني، الذي شهد تراجعًا مقلقًا بنسبة تصل إلى 38% مقارنة بما كان عليه سابقًا، حيث تراوح العدد في المرحلة الماضية بين 7 إلى 8 ملايين رأس.
وأبرز البوتشيشي أن الإحصائيات الأخيرة التي قدمتها وزارة الفلاحة أظهرت هذا النقص الحاد الناتج عن عوامل عدة، منها الجفاف وضعف التدبير، مشددا على أن استمرار ذبح الإناث، خصوصًا النعاج والخروفات، يُعد تهديدًا مباشرًا للمخزون الاستراتيجي للقطيع، مما قد يؤدي إلى كارثة حقيقية في المستقبل.
تراجع القطيع الوطني للماشية بـ38%.. هل يمكن أن يؤثر انخفاض أعداد المواشي على إحياء شعيرة عيد الأضحى؟
وأوضح المستشار الفلاحي المعتمد من طرف وزارة الفلاحة، أن أسعار الأعلاف وأسواق الماشية أصبحت عالية جدًا، مما يدفع لذبح الإناث، حيث يتم بيعها بأسعار منخفضة مقارنة بالأكباش الذكور، ومع ذلك تشكل تكلفة اللحوم الغنمية عبئًا كبيرًا على المستهلك.
وشدد الخبير في المجال الفلاحي على أن القرار كان ضروريًا، وقد تم طرحه ودعمه مسبقًا من قبلهم كمتخصصين في القطاع، بهدف منع ذبح الإناث الصغيرة للحفاظ على هذا المورد الحيوي للأمن الغذائي الوطني.
وأكد على أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية المخزون الوطني وتعزيز استدامته، لأن استمرار الوضع السابق كان يعني الاتجاه نحو أزمة حقيقية قد تؤثر سلبًا على الأمن الغذائي الوطني، موضحا أن المبادرة تستند إلى مقاربة شمولية تعترف بأن الحفاظ على الإناث هو أساس التكاثر الطبيعي واستمرارية القطيع.
عيد الأضحى.. بين تأثير الاستيراد على الأسعار وتلاعبات “الشناقة”
ولفت إلى أن هذا القرار يعكس التزام وزارة الفلاحة بإعادة بناء القطاع الوطني لتربية الأغنام والماعز وفق رؤية مستدامة، مشددا على أن نجاح هذه الخطوة يتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية، من الدولة إلى المربين والجمعيات المهنية.
ونبه المستشار الفلاحي إلى أن قطاع تربية المواشي يمر بمرحلة حرجة، وما زال الطريق أمامه طويلًا لتجاوز هذه الأزمة التي يشهدها اليوم، مبرزا أنه بالإرادة والعمل المشترك يمكن تحقيق التوازن المطلوب وضمان استدامة الأمن الغذائي الوطني.
♦ التحديات والحلول
يشير عبد الحق البوتشيشي إلى أنه على أرض الواقع، هناك تحديات كبيرة تواجه تطبيق قرار منع ذبح إناث المواشي، والتي يبقى أبرزها الذبح السري الذي ما زال ينتشر في بعض المناطق، إذ يتطلب هذا الأمر رقابة صارمة لمحاربته.
وأردف أنه بالإضافة إلى ذلك، يجب مواكبة الكسابة خلال هذه الفترة، لأن العديد منهم يعتمدون على بيع الإناث لتغطية مصاريفهم اليومية، لافتا إلى أن الحلول تشمل تقديم دعم إضافي للمربين التقليديين وتشجيع وحدات التهجين الاصطناعي للأغنام والماعز لتحسين الإنتاجية.
وأوصى بضرورة تفعيل برامج دعم متكاملة تشمل الأعلاف والبرامج التغذوية الحديثة، إلى جانب تحسين السلالات المحلية من خلال دعم عمليات التهجين، وزيادة الوعي لدى الكسابة بأهمية الحفاظ على الإناث لتوفير ولادات مستدامة.
القرار الملكي بعدم ذبح أضحية عيد الأضحى.. هل تسهم الخطوة في إعادة بناء القطيع الوطني؟
وأشار المستشار الفلاحي المعتمد من طرف وزارة الفلاحة، إلى أنه على سبيل المثال، يمكن في هذا الجانب إدخال تقنيات جديدة وحديثة في المجال البيطري؛ تجعل النعاج قادرة على الولادة ثلاث مرات خلال سنتين بدلًا من مرة واحدة في العام.
وأكد على أنه يجب إعادة النظر في آليات الدعم المادي للكسابة، مثل تقديم دعم مباشر للأعلاف على غرار دعم غاز “البوتان”، وإعفائهم من الضرائب أو المساهمات الاجتماعية، لافتا إلى خوف بعضهم من الإدلاء بعدد رؤوس الأغنام التي يمتلكها خشية صعود المؤشر الاجتماعي والاقتصادي، الذي سيحدد إن كان سيستفيد من التغطية الصحية الإجبارية مجانا أم سيضطر لأداء واجبات الانخراط الشهرية في نظام “آمو”.
ولفت الخبير في المجال الفلاحي، إلى أن تربية المواشي لا يعد رأسمال ثابتا، حيث إن بروز إحدى الأمراض يمكن أن يؤدي لنفوق قطيع الماشية التي يمتلكها كسابٌ ما، مبرزا أنه يجب دعم هذه الفئة اجتماعيا واقتصاديا، باعتبار أن هذا القطاع يشكل جزء أساسي من الأمن الغذائي الوطني.
وتابع المتحدث ذاته، قائلا إن هذا القرار الذي جاء في وقته، إذا أُرفق بالإجراءات الداعمة اللازمة والمناسبة خلال المرحلتين الحالية والقادمة، سيكون بمثابة حجر الزاوية لإعادة بناء القطاع الوطني لتربية الأغنام والماعز وتحقيق الاستدامة المطلوبة.
وأكد على أن قرار منع ذبح إناث الأغنام والماعز هو خطوة أولى في مسار إعادة بناء قطاع تربية المواشي، ولكن إعادة البناء تتطلب رؤية شمولية ومخططات واضحة تشمل الحفاظ على السلالات المحلية؛ مثل الصردي وتمحضيت وبني كيل، من خلال برامج دعم جينية تحافظ على هذه الثروة الوطنية.
وأضاف أن الأمر يرتبط أيضا بتطوير الأسواق، لافتا إلى أنه يجب الفصل بين الأغنام الموجهة لمناسبات مثل عيد الأضحى وتلك المخصصة للأسواق اليومية والمجازر، لضمان تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، داعيا لمواكبة الكسابة من خلال فرق مستشارين فلاحيين معتمدين يتابعون المربين ويوفرون لهم الإرشاد اللازم حول طرق الإنتاج والتغذية الحديثة.