أعلن محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون، أن عدد السجناء في المغرب تجاوز 105,000 سجين حتى نهاية أكتوبر، بزيادة تقدر بـ 2000 سجين مقارنة بالعام الماضي. وذلك خلال تقديمه لمشروع الميزانية الفرعية بالبرلمان.
وحذر التامك من الاتجاه التصاعدي للساكنة السجنية، والذي يتطلب إجراءات عاجلة للتخفيف من الضغط على المؤسسات السجنية.
وأشار التامك إلى أهمية قانون العقوبات البديلة، الذي تم اعتماده مؤخراً، كخطوة إصلاحية تهدف إلى تخفيف الأعباء على السجون وتعزيز إدماج المحكوم عليهم. ومع ذلك، أكد على أن تحقيق أهداف هذا القانون ليس تلقائياً ويتطلب تضافر جهود جميع المعنيين.
كما أكد على ضرورة توفير الموارد البشرية والمادية اللازمة لتنفيذ هذا القانون، مشدداً على أن نجاح هذه الإصلاحات يعتمد على وعي المجتمع بجدوى هذه التدابير وضرورة تهيئة الظروف الملائمة للتطبيق الفعّال.
ودعا التامك إلى التزام الجميع بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم لضمان تحقيق الأهداف المنشودة في قطاع السجون.
♦ظاهرة الاكتضاض
أكد عبد اللطيف رفوع، رئيس المرصد المغربي للسجون، أن ظاهرة الاكتظاظ في السجون المغربية التي تحدث عنها رئس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، ليست مشكلة جديدة، بل إنها تتفاقم بشكل مستمر نتيجة اعتماد سياسة جنائية مفرطة في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي.
وأوضح رئيس المرصد المغربي للسجون، في تصريح لجريدة “شفاف”؛ أن تقارير المرصد سبق لها أن حذرت من هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن نسبة المعتقلين الاحتياطيين تتجاوز 39%، وهي نسبة مرتفعة للغاية، ما يدل على تزايد الاعتماد على الاعتقال الاحتياطي كإجراء احترازي، وهو أمر مثير للقلق وفق المتحدث.
وأشار رفوع إلى أن “عدد الوافدين على السجون المغربية تجاوز 100 ألف سجين، ومن المتوقع أن يصل إلى 120 ألف قريبًا، وهذا العدد المرتفع له تأثيرات سلبية كبيرة على المؤسسات السجنية، حيث لا يؤثر فقط على المساحة المتاحة داخل السجون، بل أيضًا على جودة البرامج التأهيلية المقدمة للسجناء، وكذلك على توفير التغذية والرعاية الصحية المناسبة لهم وفقًا للمعايير الدولية، مثل تلك المنصوص عليها في وثيقة نيلسون مانديلا.”
وأكد رفوع، أن الاكتظاظ يؤثر بشكل مباشر على جودة البرامج التأهيلية، والتي تُعتبر جزءًا أساسيًا من مساعي إعادة الإدماج الاجتماعي للسجناء، مشددًا على أن “زيادة عدد السجناء تحول دون تقديم برامج فعالة وشاملة، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى التأهيل والإصلاح الذي يجب أن يحصل عليه السجناء داخل المؤسسات السجنية”.
المرصد المغربي للسجون يرسم صورة قاتمة عن الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية
♦دعوة إلى مراجعة شاملة للسياسة الجنائية
وبحسب رفوع، فإن الوضع الحالي يستدعي إعادة النظر في السياسة الجنائية المعتمدة، وذلك من خلال مراجعة شاملة للقوانين المتعلقة ببعض الجرائم البسيطة، مثل إصدار الشيكات بدون رصيد أو إهمال الأسرة، والعمل على رفع الصبغة التجريمية عن هذه الجرائم.
وبيّن رفوع أن “من الضروري أن نبحث عن بدائل للعقوبات السالبة للحرية، خصوصًا في الجرائم البسيطة، لأن هذه العقوبات لا تؤدي غالبًا إلى تحقيق التأهيل المطلوب، وتزيد من أعداد السجناء بشكل يصعب تحمله”.
وأضاف رفوع: “لقد طالب المرصد مرارًا بضرورة تفعيل العقوبات البديلة كحل لتخفيف الضغط على السجون، ولكن في ظل الصيغة الحالية لهذه العقوبات، لا يمكن أن تكون الحل الأمثل، بل نحتاج إلى حلول أوسع وأكثر شمولًا تستجيب لتحديات الوضع الحالي”.
وأكد رفوع أن المرصد المغربي للسجون يدعو إلى حوار مجتمعي شامل حول أوضاع السجون، يشارك فيه المجتمع المدني، ووزارة العدل، والسلطات القضائية، والنيابة العامة، وذلك للتوصل إلى حلول عملية ومشتركة للأزمة الحالية.
وقال: “تشخيص وضعية السجون في المغرب واضح لدى جميع الأطراف، لكن المطلوب الآن هو الجلوس إلى طاولة حوار جادة للخروج بحلول فعالة تدعم الإصلاح الشامل للسياسة الجنائية”.
في حوار مع “شفاف” .. رئيس المرصد المغربي للسجون يشخص ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية ويطرح الحل
♦الاكتفاء ببناء سجون جديدة ليس الحل
واعتبر رفوع أن الدعوات التي ذهبت نحو بناء مؤسسات سجنية جديدة لن تحل أزمة الاكتظاظ من جذورها،
وقال: “إضافة مزيد من السجون قد يكون حلًا مؤقتًا، ولكنه لا يعالج الأسباب الحقيقية للاكتظاظ، ولن يقلل من عدد السجناء بشكل مستدام.
وأضاف أن الحل يكمن في تغيير السياسة العقابية بشكل جذري، وتطبيق العقوبات التي تتماشى مع التوجهات الحديثة في العدالة، والتي تركز على التأهيل والإصلاح أكثر من العقاب فقط”.
نقص الموارد البشرية وحقوق موظفي السجون
أوضح رفوع أن المؤسسات السجنية في المغرب تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية، إذ يعمل حوالي 11 ألف موظف فقط في السجون المغربية، ما بين حراس أمن وإداريين وموظفي ضبط.
وأشار إلى أن “هذا العدد لا يغطي الاحتياجات المتزايدة للمؤسسات السجنية، ويضع ضغطًا كبيرًا على الموظفين، الذين يعملون لساعات طويلة، ويتعرضون في بعض الأحيان للاعتداءات اللفظية والجسدية، خاصة من المسجونين الذين يعانون من أمراض نفسية أو ميول للعنف”.
وأضاف رفوع أن هناك حاجة ماسة لنقل السجناء المصابين بأمراض نفسية إلى مستشفيات متخصصة، مؤكدًا أن “المؤسسات السجنية ليست مهيأة للتعامل مع حالات السجناء الذين يعانون من اضطرابات نفسية، واستمرار بقاء هؤلاء السجناء داخل السجون يزيد من حدة التوتر ويضاعف المخاطر على موظفي السجون”.
الشرقاوي: التامك أصبح بمثابة متحدث نصف رسمي للحكومة وتصريحه حمل انتقادا ناعما لحكومة بايدن
♦دعوة لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للموظفين
وأشار رفوع إلى أن موظفي السجون يواجهون تحديات كبيرة في العمل، خاصة في ظل بيئة مغلقة وعالية الضغط، مشددًا على ضرورة عرض الموظفين على أطباء نفسيين بانتظام للمساعدة في استعادة توازنهم النفسي.
وأوضح أن “الموظف الذي يعمل في بيئة السجون المغلقة يشعر في كثير من الأحيان وكأنه يعيش داخل السجن نفسه، لذلك يجب توفير الدعم النفسي لهم لضمان استمرارية تقديمهم لخدمات ذات جودة”.
ودعا كذلك إلى تعويض هؤلاء الموظفين نظرا للمخاطر التي يواجهونها وساعات العمل الطويلة.
♦حوار مجتمعي شامل وضرورة إصلاح عاجل
اختتم رفوع تصريحه بالتأكيد على أن المرصد المغربي للسجون يطالب بحوار مجتمعي شامل يشارك فيه جميع الجهات المعنية، من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني، للوصول إلى حلول مستدامة تتعلق بتطوير السياسة الجنائية، وتحسين ظروف المؤسسات السجنية والموارد البشرية فيها.
وأكد على أن “إصلاح السياسة الجنائية لا يجب أن يقتصر على إصلاح بعض المواد، بل الوضع يحتاج إلى مراجعة شاملة للسياسات الجنائية والعقابية في المغرب”