كشفت المندوبية السامية للتخطيط، اليوم الإثنين، عن أن ما بين الفصل الثالث من سنة 2023 ونفس الفصل من سنة 2024، شهد حجم البطالة بالمغرب ارتفاعا بـ58.000 شخص، نتيجة تصاعد هذا المؤشر بـ42.000 في الوسط الحضري و16.000 بالوسط القروي، ليبلغ عدد العاطلين 1.683.000 فرد بالمغرب، حيث انتقل معدل البطالة من 13,5% إلى 13,6% على المستوى الوطني، إذ تحول من 7% إلى 7.4% بالوسط القروي، واستقر بـ17% بالوسط الحضري، موضحة أن معدل البطالة مرتفع بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة (39.5%)، والنساء (20.8%)، والأشخاص الحاصلين على شهادة (19.8%)، وهو ما يثير تساؤلات عديدة عن وعود والتزامات الحكومة فيما يتعلق بتوفير مليون فرصة شغل، وحول الإجراءات اللازمة لمعالجة هذه الإشكالية المرتبطة بما هو اقتصادي واجتماعي.
♦ الأسباب والمسؤولية
اعتبر جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، أن المغرب يعيش واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث، والتي نتجت عن مجموعة من العوامل الخارجية مثل ارتفاع سعر البترول في الأسواق العالمية وتبعات أزمة “كورونا”، وكذا الأسباب الداخلية المتمثلة في توالي سنوات الجفاف ووقوع الكوارث الطبيعية التي شهدتها بلادنا، مثلما هو الأمر مع زلزال الحوز وفيضانات الجنوب الشرقي للمملكة.
وقال العسري في تصريح لجريدة “شفاف”، إن ما تعرفه بلادنا من غلاء لأسعار المواد الأساسية، وما نتج عن الحوار الاجتماعي من مخرجات تهم رفع الأجور، وتمويل ذلك من خلال الاستدانة من جهات دولية، يعد من أبرز تمثلات ومظاهر هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها حاليا المغرب، لافتا إلى أن ذلك سيتفاقم أكثر في قادم السنوات في ظل حاجة الدولة لسيولة مالية كبيرة لتمويل المشاريع الكبرى الخاصة بكأس العالم 2030.
وأوضح أن ارتفاع المديونية يكون له أثار سلبية عديدة على المواطن والوطن، مشيرا إلى أن أبرزها يتمثل في استغلال الطبقة البورجوازية لليد العاملة وارتفاع معدلات البطالة، بسبب تراجع نسب التشغيل، موضحا أن الدولة في السنوات الأخيرة رفعت يدها بشكل كبير عن التوظيف، ولم تشجع بالكيفية المطلوبة على الاستثمارات الخاصة التي توفر فرص عمل كثيرة، ما أدى إلى تواصل ارتفاع أرقام العاطلين ببلادنا.
ارتفاع أسعار العقار.. فما الأسباب وما دور الحكومة في توفير السكن بأثمنة مناسبة للمغاربة؟
وتابع أن وصول مؤشر البطالة إلى 13.6 % أو تجاوز ذلك لا يفاجئ أي أحد اليوم، باعتبار أن الوضعية الاقتصادية لبلادنا تبقى هشة للغاية، مبرزا أن المغرب يتجه للأسف نحو مرحلة تشبه ما وقع خلال اتباع الدولة لسياسة التقويم الهيكلية المملاة من طرف صندوق النقد الدولي بعد ارتفاع مديونية الرباط وعدم قدرتها على سدادها، ما أدى في ثمانينيات القرن الماضي إلى ارتفاع الأسعار وتزايد معدلات البطالة وانعدام فرص الشغل، لتدفع هذه الأمور إلى احتجاجات كبيرة بالشارع، مثلما وقع في 1981 بانتفاضة “كوميرا” بالدار البيضاء.
وشدد على أن ارتفاع معدل البطالة مؤشر آخر على عجز حكومة عزيز أخنوش على تنزيلها في أرض الواقع للشعار الذي رفعته تحت عنوان “الدولة الاجتماعية”، مبرزا أن جل إجراءات وقرارات الحكومة هي ضد هذا الشعار، مشيرا إلى أن اعتمادها على الاستدانة المتزامنة مع ارتفاع أعداد العاطلين، ترهن سياسية الوطن وتفقده سيادة قراره وتجعله خاضع لتوجهات المؤسسات المالية الدولية المانحة للقروض، ما يدخل البلاد في دوامة من المشاكل العويصة.
وأبرز الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، أن المستفيد الوحيد من هذه الأزمة الاقتصادية ومشكل البطالة هم رجال الأعمال و”الباطرونا” الذين يتحكمون بالمشهد الاقتصادي في المغرب، حيث يوفر لهم ذلك اليد العاملة الرخيصة، إذ تبحث الناس بدرجة أولى في ظل ذلك على الشغل دون الإكتراث بالأجر أو نسبة التعويضات عن عملها، موضحا أنه تزداد أرباحها واستفادتها المالية، باعتبارها الوكيلة ببلادنا للشركات المالية الكبرى التي تقدم القروض للدول.
المغرب يتذيل ترتيب مؤشر التنمية البشرية بشمال إفريقيا.. أين يكمن الخلل وما هو الحل؟
ونبه إلى أن واحدًا من المخاطر الكبرى التي تواجه المغرب اليوم هو تواصل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب على الخصوص، موضحا أن المؤشر الخطير لهذا الأمر هو ما تمثل في إقدام المئات من الأشخاص في مقتبل العمر على محاولة الهجرة والعبور نحو سبتة في 15 شتنبر الماضي أو ما سمي بـ”ليلة الهروب الكبير”، مشيرا إلى أن ذلك مَثل إشارة حمراء وخطيرة للدولة فيما يتعلق بانعدام الثقة لدى هذه الفئة العمرية تجاه المسؤولين المدبرين لشؤون بلدنا.
ولفت إلى أن التوجهات والسياسات الحكومية؛ وضمنها ما يرتبط بقوانين المالية المتعاقبة المستنسخة تبقى ضعيفة، ولم ترقى بعد للمستوى الانتقالي الثوري الذي بالإمكان من خلاله تجاوز الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، محذرا من أن تؤدي كل هذه التراكمات ومعه الاحتقان الاجتماعي المتصاعد إلى انفجار الوضع ووصول الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، لافتا إلى أن ذلك يمكن أن يقع للأسف في أي وقت مع استمرار الحكومة الحالية على نهجها.
♦ “الحل سياسي”
يشير جمال العسري على أن الحكومة غير قادرة على الوصول لحلول مبتكرة لمعالجة الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية، والابتعاد عن الارتكان للاستدانة وطب قروض من المؤسسات المالية الدولية، وذلك مقابل فوائد كبرى عليها والخضوع لإملاءات من طرف الدائنين، التي تثقل كاهل المغرب وترهن مستقبل أجياله القادمة بالغموض وبما تفرضه هذه الجهات المانحة لهاته القروض من شروط مجحفة تفقد البلاد لسيادة قرارها.
وأردف أن حل هذه الأزمات لا يرتبط بما هو اقتصادي محض، بل يتعلق في الأساس بالقرار السياسي بدرجة أولى، والمتمثل في إرادة الدولة السياسية من أجل تغيير هذا الواقع، مبرزا أنه منذ حصولنا على الاستقلال وبعد مرور زهاء 68 سنة لا زلنا نسير على نفس النهج السياسي الليبرالي والارتكاز على القوى الغربية، معتبرا أن هذا الأمر جعل المغرب يخرج من أزمة ليدخل في أخرى جديدة.
الحكومة تخطط لزيادة معدل النمو إلى 4.6 % في 2025.. فهل يجد هذا الرقم صدا له على أرض الواقع؟
وتابع أن خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البرلمان المغربي مؤخرا، أكد على الحضور القوي للشركات الفرنسية في مجموعة من القطاعات الحيوية ببلادنا، فيما المؤسسات العمومية والشركات الوطنية لا تزال غير قادرة على ولوج المجالات الصناعية الكبرى وعدم استمرار اعتمادها في ذلك على الجهات الأجنبية، لافتا إلى أن هذه الأخيرة لا يهمها في النهاية غير الربح الخاص والشخصي، وليس تدعيم الصناعات المهمة وتأهيل اليد العاملة المحلية وإحداث بنية تحتية قوية تصمد لعقود طويلة بدل بضع سنوات قليلة.
وشدد الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، على أن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى على تغيير سياساتها وتوجهاتها التي ثبت بالملموس خلال السنوات الثلاث الماضي أنها فاشلة، وذلك عبر العودة بقوة إلى القطاعات الاجتماعية الحيوية كالصحة والتعليم وعدم السماح باستمرار تسليعها وبيعها، والاشتغال على تشجيع الاستثمار الخالق لفرص عمل حقيقية وحل أزمات السكن والبطالة وارتفاع الأسعار.