عبر ت خلال المرحلة الأخيرة مجموعة من القوى العظمى عن دعمها للوحدة الترابية للمملكة، مغيرة بذلك توجهها أو موقفها الذي كانت تكتنفه الضبابية، ومشيرة بشكل مباشر أو بصيغة ضمنية إلى تأييدها للمقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي، كحل فعال ونهائي للصراع المفتعل حول الصحراء المغربية.
ومن أهم المواقف والتحركات الدولية الأخيرة، التي تشير للوقوف في الصف المؤيد لحفاظ المملكة على وحدتها الترابية، نجد روسيا والصين التي عززتا علاقتهما أكثر في الآونة الأخيرة مع المملكة، وهو ما برز من تغير مواقف هذين البلدين وغيرهما بخصوص دعمهما الضمني في عدد من المواقف للحفاظ على وحدة الأراضي المغربية، فيما يطرح تساؤل عريض عن مستقبل العلاقة مع فرنسا في ظل الأزمة الواقعة اليوم بين الرباط وباريس.
ومن أجل معرفة مستجدات تطور العلاقات بين المغرب والقوى العالمية العظمى ومستقبلها، وتأثير ذلك على قضية الصحراء المغربية، حاورت جريدة “شفاف” عبد الرحمن مكاوي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ديجون بفرنسا، والخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية.
تعد روسيا أبرز حليف للجزائر، ما تفسير تحركاتها الأخيرة الإيجابية تجاه المغرب؟
الخطاب الروسي يميل للحياد خاصة بعد مواقف النظام العسكري الجزائري وميله للغرب خاصة فرنسا، ما جعل الروس يلاحظون أن هناك تغيرات بمواقف النظام الجزائري، وهو ما دفعهم للحياد في الملفات التي تهم المغرب والجزائر معا، ورأينا في هذا الجانب امتناع روسيا بمجلس الأمن الدولي التصويت ضد قرار تمديد بعثة “المينورسو” لعام إضافي في مهامها بالصحراء المغربية
وهذا القرار يبقى إيجابيا بالنسبة لقضية الصحراء المغربية، والذي يظهر أن روسيا صارت بلدا محايدا، من خلال عدم استعمالها لحق “الفيتو” أو التصويت ضد القضايا السابقة أو المستجدة المتعلقة بهذا الملف في مجلس الأمن.
وروسيا تتجه لدعم مقترح الحكم الذاتي كحل لملف الصحراء المغربية، لأن هي بنفسها تسعى لفرض الحكم الذاتي بعدد من المناطق كدونباس شرق وجنوب أوكرانيا، كون أنه غالبا ستتوقف الحرب بحل وسطي، يمنح هذه الأقاليم هذه الصيغة المستقلة في الحكم عن كييف، عملا باتفاقية مينسك الموقعة سنة 2014.
وطرح الحكم الذاتي الذي عرضته روسيا ولا تزال كحل للأزمة القائمة بينها وبين أوكرانيا، يجعلها تدعم نفس المقترح الذي تقدمت به المغرب سنة 2007، في سبيل إنهاء هذا الملف الذي عمر طويلا وأثر على تطور منطقة المغرب العربي.
هل يمكن أن تفعل روسيا بالرغم من علاقتها مع الجزائر؛ دعمها لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية؟
قرار دعم مقترح الحكم الذاتي كحل لملف الصحراء المغربية غالبا ما سيفعل من طرف روسيا، خاصة وأن النظام العسكري الجزائري يخاف من العقوبات التي تلوح بها أمريكا فيما يخص الصفقات التي تبرمها الجزائر مع موسكو، وتحديدا على مستوى صفقات التسلح، وهو ما جعل الجزائر تقترب تدريجيا من البلدان الغربية، وهو ما أتاح للروس فرصة إدراك أن الجنرالات الجزائرية لها خطاب ومواقف مزدوجة وأنه لا يمكن الوثوق بهم.
وروسيا تعمل اليوم على الاستثمار في علاقاتها المستقبلية مع المغرب، نظرا لثقتهم في المواقف الدبلوماسية للمملكة، وأيضا لطموحهم في العمل والشراكة الناجعة والفعالة مع الرباط.
كيف ترى تعامل الصين مع قضية الوحدة الوطنية؟
الصين تعاني من مشاكل عديدة مع عدد من أقاليمها والجهات المنتسبة ترابيا لها، وفي مقدمتها مشكلة تايوان التي تريد الاستقلال عنها بشكل تام، وهو ما جعل بكين تساند دائما أطروحة الحكم الذاتي المطروح على الأمم المتحدة من طرف المغرب منذ 2007، والذي كان يحظى بمساندة الصين منذ ذلك الوقت، بالرغم من استثماراتها الكثيرة بالجزائر.
والصين كانت دائما تقاسم المغرب مشكلة وحدته الترابية، كونها تعيش نفس الأمر مع تايوان، وبالتالي لا يمكنها أن تسير ضد مواقفها فيما يخص وحدته الترابية.
هل من الممكن أن تغير فرنسا موقفها الداعم للمغرب فيما يخص ملف الصحراء؟
فرنسا منذ استرجاع المغرب لوحدته الترابية سنة 1975 كانت هي الحليف التقليدي للرباط فيما يخص وحدته الترابية، والغموض الذي برز في الفترة الأخير لن يغير موقف باريس التاريخي الداعم للمملكة في قضية صحرائها.
ولا أعتقد أن فرنسا ستغير موقفها من قضية الوحدة الترابية، إذ أنه منذ استرجاع المملكة لأقاليمها الجنوبية واكبتها ودعمتها باريس في جميع المحافل الدولية، وخاصة على مستوى مجلس الأمن، إذ ساندت مختلف مقترحات المغرب، وخصوصا طرح الحكم الذاتي كحل يحافظ على سيادة الرباط على أقاليمها الجنوبية.
وأعتقد أن الأمر لا يتعلق بأزمة أو توتر في العلاقات المغربية – الفرنسية، وأن ذلك مجرد سوء تفاهم كبير، وهي أمور كانت تحدث منذ عهد الرئيس شارل ديغول في ستينات القرن الماضي، والذي كان يحل دائما بتدخل العقلاء من الجانبين.