في خضم دينامية دولية متسارعة بشأن ملف الصحراء المغربية، شكّل اللقاء رفيع المستوى الذي جمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الأمريكي ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، محطة مفصلية في تعزيز الدعم الأمريكي الصريح لمغربية الصحراء، حيث لم يكن لقاء واشنطن مجرد إجراء دبلوماسي اعتيادي، بل حمل في طياته تأكيدًا صريحًا على الموقف الأمريكي الثابت، الذي يعتبر ألاَ حل خارج السيادة المغربية، وأن مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد القابل للتنفيذ، وهذا التطور يأتي أيامًا قليلة قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن المغلقة، ما يضفي على الموقف الأمريكي بُعدًا استراتيجيًا، ليس فقط في توقيته، بل في مضمونه السياسي والدبلوماسي أيضًا.
وإذا كان تأكيد واشنطن على الحكم الذاتي يُعيد رسم خريطة الاصطفاف الدولي حول النزاع، فهناك تساؤلات عديدة حول اعتبار ذلك مؤشّرًا على تحوّل منتظر في مواقف قوى كبرى أخرى داخل مجلس الأمن، وعن انعكاس هذا الخط التصاعدي في الدعم الأمريكي على مضمون الإحاطة المرتقبة للمبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، ومن جهة أخرى، يبرز هذا الاعتراف المتجدد تحديًا جديدًا على الأطراف المناوئة، في وقت يتسع فيه نطاق التأييد الإقليمي والدولي للمقترح المغربي.
Secretary Rubio’s Meeting with Moroccan Foreign Minister Bouritahttps://t.co/d3dOPWOvrE
— U.S. State Dept – Near Eastern Affairs (@StateDept_NEA) April 8, 2025
♦ عدّ تنازلي دبلوماسي
يشير بلال التليدي، الباحث والمحلل السياسي، إلى أننا الآن على بعد خمسة أيام فقط من الجلسة المغلقة لمجلس الأمن الدولي المرتقبة يوم 14 أبريل الجاري، موضحا أن هذه المرحلة تعد من أكثر الفترات كثافة على مستوى الحركية الدبلوماسية.
وقال التليدي في تصريح لجريدة “شفاف”، إن ما يجري خلال هذه الأيام القليلة قد يُسهم بشكل كبير في صياغة التقرير النهائي للأمين العام للأمم المتحدة، وكذا في بلورة مشروع القرار الأممي الجديد حول الصحراء المغربية.
أمريكا تجدد تأكيد اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه ودعمها لمخطط الحكم الذاتي
وأردف أنه في هذا السياق، سعت الجزائر إلى استثمار مقال نُشر في مجلة “فورين أفيرز- Foeign Affairs” (الشؤون الخارجية) الأمريكية، حاولت فيه كاتبته -التي اشتغلت سابقًا ضمن “مجموعة الأزمات” وعاشت لفترة في الجزائر- الإيحاء بأن التقسيم بات خيارًا مطروحًا على طاولة النقاش الأممي والأمريكي.
وتابع أن الواقع السياسي والدبلوماسي جاء بعكس هذا الطرح، خاصة في ظل الجولة الأخيرة للمبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، والتي لم تؤكد هذه المزاعم، بل دفعت بجبهة “البوليساريو” إلى انتقاده علانية، في مؤشر على تآكل المراهنة على تحوير مسار التسوية.
♦ عزلة جزائرية متفاقمة
يرى بلال التليدي أن إحدى الإشارات البالغة الدلالة في المرحلة الأخيرة، تتمثل في القرار المشترك لدول الساحل (النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي) في مواجهة سلوك الجزائر العدواني، لا سيما ما تعلق بإسقاط طائرة مسيّرة داخل المجال الجوي المالي، موضحا أن هذا التحرك يعكس تحولاً جذريًا في المزاج الإقليمي، إذ لم تعد الجزائر قادرة على تأمين حلفاء حتى في جوارها المباشر جنوبًا.
وأبرز أن الموقف الروسي زاد من عمق العزلة الجزائرية، بعدما عبرت موسكو عن استعدادها لدعم دول الساحل الثلاث، بل وتبنيها خطابًا حازمًا تجاه من يفتقدون لقرارات سيادية مستقلة، في إشارة مبطنة إلى الجزائر.
التقارب الجزائري-الفرنسي والأزمة مع ثلاثي الساحل.. قراءة استراتيجية في ظل النفوذ المغربي المتزايد
وأوضح أن هذا الموقف يعزز ما سبق أن لمح إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حين انتقد الدول التي سايرت الضغوط الغربية في ملفات الطاقة، ولاسيما الجزائر التي كانت لوقت قريب حليفًا تقليديا لموسكو، معتبرًا الدبلوماسي الروسي أن ذلك يتعارض مع منطق الاستقلالية في القرار.
♦ رسائل واشنطن الواضحة
اعتبر بلال التليدي أن زيارة وزير الخارجية المغربي إلى واشنطن، وما أعقبها من تصريحات قوية وواضحة على لسان ماركو روبيو، أكدت أن الولايات المتحدة في عهد ترامب، ثابتة في موقفها من قضية الصحراء، وأن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تظل الخيار الوحيد الجدي والواقعي.
وأكد على أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أعادت الروح إلى مجمل المبادرات التي لم تسعف نهاية ولاية ترامب في استكمالها، ووضعت الشراكة المغربية الأمريكية على سكة جديدة من التعاون العملي والتقارب الاستراتيجي.
وأردف أن واشنطن لم تكتفِ بالتعبير السياسي، بل أبدت استعدادًا لتفعيل الموقف عبر الضغط على الأطراف للانخراط في المفاوضات، على قاعدة المقترح المغربي، مع التأكيد على أن الحل يجب أن يكون تحت السيادة المغربية الكاملة، وداخل إطار الحكم الذاتي الموسع.
♦ اصطفاف دولي في صالح المغرب
بالحديث عن القوى المؤثرة في مجلس الأمن، يوضح بلال التليدي أن بريطانيا، من خلال تصريحات وزير خارجيتها، باتت أقرب إلى إعلان دعم صريح للمقترح المغربي، لتلتحق بموقفي كل من فرنسا وإسبانيا.
وأضاف الكاتب والباحث السياسي أن روسيا، التي كانت في السابق تمثل مصدر قلق، فقد ابتعدت عن المحور الجزائري، نتيجة تغييرات استراتيجية واقتصادية وسياسية، وشرعت في الاقتراب أكثر من الرباط، مستفيدة من الموقع المغربي في إفريقيا ومن حياده الإيجابي.
ولفت إلى أن الصين، التي تجد نفسها في مواجهة تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، فهي بحاجة إلى توسيع قاعدة شركائها الاقتصاديين في الجنوب، ولا ترى بديلاً عن المغرب كمنصة رئيسية للانفتاح على القارة الإفريقية.
وشدد على أن مواقف الدول الكبرى داخل مجلس الأمن تتجه اليوم أكثر من أي وقت مضى لدعم الموقف المغربي، ولو بطرق مختلفة وغير مباشرة، لكن في النهاية النتيجة واحدة، ألا وهي عزلة متزايدة للجزائر، واصطفاف متنامٍ لصالح الرباط.
وأشار إلى أن الشراكة المغربية الأمريكية لم تعد تقتصر على التعاون العسكري أو السياسي، بل دخلت مرحلة جديدة ترتبط بتأمين الموارد والمعادن الإستراتيجية، خصوصًا بعد اكتشاف احتياطي ضخم من القصدير قرب مكناس، والذي يُعد من المعادن الحيوية في صناعة الرقائق الإلكترونية.
ونبه إلى هذا المعطى، يحمل بُعدًا استراتيجيًا هامًا، لأن الولايات المتحدة اليوم تبحث عن شركاء يملكون موارد نادرة، وهو ما يعزز الموقع التفاوضي للمغرب، ويفتح أمامه آفاقًا جديدة في علاقته مع القوى الكبرى، خاصة في ظل تحول الخريطة الاقتصادية العالمية.
وأكد أن المؤشرات كلها تسير نحو تسريع الحسم في ملف الصحراء المغربية، موضحا أنه سياسيًا وأمميًا لم يعد هناك أي فاعل دولي كبير يعارض بشكل صريح المقترح المغربي.
وذكر أنه في المقابل، فالعزلة الجزائرية تتوسع، والمبادرات التي تقودها الرباط تحظى بدعم دولي متزايد، قائلا إننا ربما نحن على أبواب نهاية قريبة لهذا الملف، مبرزا أن النهاية ستحمل معها تكريسًا للسيادة المغربية، ودفعة قوية للدبلوماسية المغربية في عالم إقليمي متقلب.

