اعتبر مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المنشق عن جبهة “البوليساريو” والمعارض السياسي لها، أن المسيرة الخضراء لم تكن فكرة جامدة، بل عملية تفاعلية معقدة أريد لها أن تحقق الاندماج والتناغم والتكامل بين كل مناطق ومكونات المغرب، لكن الشماليين لم يعانقوا فيها الجنوبيين كما كان هدف المسيرة.
وقال مصطفى سلمى في تدوينة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إنه بالكاد سمع بعضهم عن بعض، فلا المسيرة تقدمت نحو المناطق الحضرية القليلة وأماكن تجمعات البدو في الساقية الحمراء، ولا ناس الساقية الحمراء الذين ما زالت تحكمهم إسبانيا كانوا قادرين على قطع خطوة نحو الشمال.
وأضاف المتحدث ذاته، أنه منذ القدم وحتى يومنا هذا يطلق ناس الصحراء على سكان شمال الساقية الحمراء اسم “أشلوحة”، مشيرا إلى أنه لا فرق عندهم بين عربهم وأمازيغهم ولا يسمونهم مغاربة كما هو حالهم مع جيرانهم في الشرق والجنوب الذين يسمونهم بجنسياتهم جزائريين وموريتانيين، لافتا إلى أن “الشلح” ليست كلمة قدحية كما يخيل للبعض وإنما تمييز ثقافي في غياب الحدود التي جاءت مع الاستعمار وذهبت معه.
وتابع الحديث قائلا: إنه في مثل هذه الأيام من سنة 1975 كاد هذا التمييز الثقافي أن يتحول لنقطة قوة وتكامل كما هو الأصل قبل الاستعمار لولا الأيادي الخارجية التي عبثت بالمنطقة حديثة العهد بالاستقلال، وأن ما يطالب به المجتمع الدولي بعد قرابة نصف قرن من النزاع كاد أن يتحقق بفكرة عبقرية جادت بها قريحة الملك الراحل الحسن الثاني، وتحمس لها كل المغاربة بعربهم وأمازيغهم، وسمع صداها في كل أصقاع المعمورة عدا في الصحراء التي توقفت المسيرة عند تخومها الشمالية.
ويشدد الناشط الحقوقي والمعارض السياسي لجبهة “البوليساريو”، أن تأخر انسحاب الادارة والجيش الاسبانيين من الإقليم واتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975 التي بموجبها أعلنت إسبانيا عن تخليها عن إدارة الاقليم لكل من المغرب وموريتانيا، عطل روح المسيرة وإن تحقق هدف استرجاع أجزاء من الإقليم.
وأوضح المصدر ذاته، أن اتفاقية مدريد جاءت كنتيجة مباشرة للمسيرة وبموجبها تم تقسيم الإقليم بين المغرب وموريتانيا بالإضافة إلى التدخل الجزائري الداعم لجبهة “البوليساريو” أربك الساكنة الذين ما زالت تحكمهم إسبانيا، كونهم يرون الإسبان يحزمون أمتعتهم استعدادا للرحيل ولكنهم لا يدرون من سيحكمهم في الغد.
ولفت إلى أن الساكنة بالأقاليم الجنوبية تساءلت وقتها عمن سيحكمها، هل المغرب الذي منحته اتفاقية مدريد شمال الصحراء ودخلت أولى وحداته العسكرية منطقة “اجديرية” شمال شرق الإقليم في 31 أكتوبر 1975، أم موريتانيا التي بدأت تحشد قواتها على الحدود الجنوبية أم “البوليساريو” و”الجزائر” الذين يدعون للهجرة نحوهم في الشرق؟
وأبرز مصطفى سلمى أن توقف المسيرة الخضراء الحدث السلمي الحضاري عند تخوم الإقليم بسبب التعقيدات الجيو استراتيجية والأمنية في المنطقة واستعداد الجيوش لاستكمال ما بدأته خلق أزمة إنسانية في الصحراء ما زال أبناء الإقليم يعانون من تبعاتها حتى اليوم.
مستطردا القول: “فما أرادت المسيرة السلمية توحيده فرقته خوذات وأحذية العساكر الذين تحول الإقليم إلى ساحة وتنافسهم، فأصبح لزاما على كل صحراوي أن يستظل بعلم العسكر الذين يحكمونه ويردد شعاراتهم وأغانيهم صونا لحياته، فمنا من وجد نفسه مغربيا تحكمه ادارة عسكرية ومنا من وجد نفسه موريتانيا تحكمه ادارة عسكرية ومنا من هرب يروم النجاة حتى تتضح الصورة فوجد نفسه في الجزائر تحكمه إدارة عسكرية أخرى”.
وأشار أيضا إلى أن ذلك أدى إلى انقطاع الاتصال والتواصل بين الأم وابنها وبين الولد وعائلته في زمان ليس كزماننا اليوم، لا توجد فيه هواتف ولا وسائط تواصل، وأن حركة التنقل تمنعها الإدارات العسكرية لعلعة الرصاص على حدود الإدارات العسكرية، ليتأجل حلم المسيرة إلى حين.
ونبه الناشط الحقوقي الذي كان يشغل سابقا مهام قائد شرطة في جبهة “البوليساريو” قبل انشقاقه عنها، إلى أنه رغم وراثة وضع معقد أنتجته تعقيدات زمن البدايات منتصف سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه ما زال بالإمكان استكمال كامل أهداف المسيرة إن سعى الانسان الذي شارك فيها أول مرة وأخيه الذي كان هدفا من المسير، إلى إحياء روح ما انطلقت المسيرة من أجل تحقيقه باعتباره قدرهما وباعتبارهما أصحاب المصلحة، ولم يتركوا الأمر حصرا على السلط والحكومات والجنود.