دشن ستافان دي ميستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بقضية الصحراء المغربية، تزامنا مع عقد الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، مشاورات مع الأطراف الأربعة في هذا الملف، وذلك قبل تقديمه لإحاطته السنوية بخصوص هذا النزاع نهاية شهر أكتوبر الجاري لمجلس الأمن الدولي، حيث التقى بكل من وزير خارجية المملكة المغربية ناصر بوريطة، ووزير خارجية موريتانيا محمد سالم ولد مرزوق، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، وذلك في انتظار قيامه خلال الأيام القادمة بزيارة لمخيمات تندوف من أجل لقاء قادة جبهة البوليساريو.
♦ برنامج مجلس الأمن
أعلنت الأمم المتحدة أن مجلس الأمن الدولي سينظر في نزاع الصحراء المغربية عبر 3 جلسات عمل ولقاءات ستعقد أيام الخميس 10 والأربعاء 16 والأربعاء 30 أكتوبر الجاري، حيث ستخصص الجلسة الأولى (10 أكتوبر) إلى عرض المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لنزاع الصحراء المغربية، إحاطته السنوية حول النزاع أمام أنظار الأعضاء الدوليين، ونتائج وتطورات جهوده الأممية في سبيل إحياء العملية السياسية، وما يرتبط بمشاوراته مع الأطراف الرئيسية بهذا الملف.
وأبرزت الأمم المتحدة من خلال استعراضها لوثيقة برنامج عمل مجلس الأمن خلال أكتوبر الجاري، أن ثاني الجلسات ستهم الاجتماع التقني الذي سيقدم خلاله ألكسندر إيفانكو، رئيس بعثة “المينورسو” المشاكل والمعيقات التي يواجهها أفراد بعثة “المينورسو” من طرف الدول المساهمة بقوات حفظ السلام المنتشرة شرق وغرب الجدار الرملي العازل.
وأضافت أن الجلسة الأخيرة ستتعلق باعتماد القرار النهائي في 30 أكتوبر الحالي؛ والمتمثل في الإقرار أو عدم تجديد الولاية الانتدابية لبعثة المينورسو الأممية لمدة سنة كاملة، وهو ما سيعتمد في تحديده على التقرير السنوي حول الوضع المتعلق بالنزاع الإقليمي الذي سيوزعه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، مطلع الشهر الجاري على الأعضاء الـ 15، والإحاطات المقدمة من طرف المسؤولين الأمميين دي ميستورا وإيفانكو.
♦ دلالات تحركات دي ميستورا
أبرز محمد سالم عبد الفتاح، الباحث المهتم بقضية الصحراء والمحلل السياسي، ورئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن تحركات المبعوث الأممي دي ميستورا تأتي في سياق التحضير لتقديم تقريره السنوي للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص هذه القضية، وأيضا عرض إحاطته على أنظار المجلس الأمن الدولي، والكشف لهاتين الجهتين عن مستجدات هذا الملف.
وقال سالم عبد الفتاح، إن اجتماعات ولقاءات دي ميستورا بوزراء خارجية المغرب والجزائر وموريتانيا وقادة البوليساريو تأتي في سياق استجلاء مواقف هذه الأطراف الرئيسية في هذا النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، ومدى التزام هذا الرباعي بمضامين قرارات مجلس الأمن.
وأردف أن المسؤول الأممي خلال لقائه بوزير الخارجية بوريطة اطلع بلا شك على دعم المملكة المغربية لجهود الوساطة الحثيثة التي تبذلها وتقودها الأمم المتحدة، وذلك إلى جانب الوقوف على الدعم الكبير الذي تقدمه الرباط للعمل الميداني لبعثة “المينورسو” المتعلقة بمراقبة هذه المؤسسة الأممية لوقف إطلاق النار وحفظ السلام بالمنطقة.
ولفت إلى أن دي ميستورا استجلى بشكل واضح خلال حديثه مع المسؤولين بالدبلوماسية المغربية منسوب الزخم الذي تراكمه الرباط فيما يتعلق بالأمن والاستقرار والتنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة خلال السنوات الاخيرة.
وأضاف أنه في الجانب المقابل، سيطلع المسؤول الأممي على الخطاب المتشنج التصعيدي الذي يعكف عليه خصوم المملكة، ولاسيما الخروقات الممنهجة لاتفاق وقف إطلاق النار، إلى جانب العراقيل التي يفرضها أعداء المغرب على البعثة الميدانية الأممية لحفظ السلام بالمنطقة (المينورسو)، من خلال رفض منحها تراخيص إجراء الدوريات الاعتيادية والزيارة لعدد من الأماكن وكذا عرقلة القوافل اللوجستية الخاصة بالمواقع المتقدمة لعمل البعثة في المناطق العازلة شرق الجدار الرملي.
وتابع أنه سيصل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في قضية الصحراء هذه المرة إلى تندوف حاملا همّ الوضع الإنساني المتدهور بهذه الجغرافيا، وسيجدد مطالبه بتفعيل بعض التوصيات التي جاء بها مجلس الأمن الدولي، وفي مقدمتها ضرورة إحصاء ساكنة هذه المخيمات، والقطع مع النهب الممنهج للمساعدات الأممية والدولية للقاطنين بهذه المنطقة، وضمان وصولها إلى مستحقيها.
واستطرد أن هذه الزيارة ستكون مصحوبة بالاهتمام والقلق اللذان لطالما أبداهما المسؤول الأممي في تقريره بخصوص الوضع الأمني المتدهور في مناطق جنوب غرب الجزائر بمخيمات تندوف، وارتباط ذلك ببؤر التوتر في بلدان الساحل والصحراء وظواهر الجريمة المنظمة في هذه الأمكنة بالقارة الإفريقية، مشيرا إلى أنه لطالما أشار دي ميستورا لتصاعد المخاطر الأمنية في مناطق تواجد البوليساريو.
♦ دور الاعتراف الفرنسي
اعتبر محمد سالم عبد الفتاح أنه لفرنسا دور بارز على مستويين الإقليمي والدولي، وتحديدا في المنطقة المغاربية حيث تعتبر أهم المستثمرين بها، وكذلك لأدوارها التاريخية بها استحضارًا لكونها المستعمر السابق لجل دول المغرب العربي؛ وخاصة الأطراف الرئيسية للنزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، وتحديدا المغرب والجزائر وموريتانيا، حيث تمتلك باريس مجموعة من أدوات الضغط في المنطقة.
وأشار إلى أن أبرز مصادر الضغط لدى فرنسا ترتبط بالقوة الناعمة، ولاسيما ما يتعلق بمجال الاستثمار، وكذا حضورها الثقافي والعلاقات التاريخية والإنسانية لها مع بلدان المنطقة، لافتا إلى أن لها دور مهم على مستوى تدبير الوساطة الأممية، باعتبار أن لها عضوية دائمة في مجلس الأمن تضمن لها حق النقض (الفيتو) وبالتالي معارضة أو رفض تمرير أي قرار.
وتابع أن لباريس كذلك تأثير بالغ في قرارات دول القارة الأوروبية؛ باعتبار أنها أحد أهم القوى الدولية داخل منظومة الاتحاد الأوروبي، لاسيما في ظل دورها الفاعل داخل هياكل هذه الأخيرة، مشددا على أن موقف فرنسا بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه سيكون له أثر واضح في تعاطي المجتمع الدولي ومجلس الأمن ومفوضية السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي مع قضية الصحراء المغربية.
♦ القرارات الأممية المرتقبة
يشير محمد سالم عبد الفتاح إلى أنه من المرتقب أن تتعزز الرؤية الأممية بعد اطلاع المسؤولين والأجهزة الوصية بها على تقرير المبعوث الأممي لقضية الصحراء المغربية بالواقعية والعقلانية التي بات ينتهجها مجلس الأمن الدولي خلال السنوات الأخيرة، والتي تكرست أساسا بعد عام 2007، الذي تقدم المغرب خلاله بمبادرة الحكم الذاتي.
وأوضح الباحث المهتم بقضية الصحراء والمحلل السياسي، أن مجلس الأمن الدولي بات يتعامل منذ 2018 مع واقع سيادة المملكة المغربية على أقاليمه الجنوبية، ويشيد بمبادرة الحكم الذاتي ويصفها بأنها ذات جدية ومصداقية كأساس جيد للمفاوضات حول إيجاد حل نهائي لهذا النزاع المفتعل.
وتابع أنه إلى جانب ذلك أصبح يتبنى مجلس الأمن آلية الطاولات المستديرة لإطلاق العملية السياسية وبدء حوار مباشر بمشاركة الأطراف الرباعية الرئيسية في هذا الملف، وفي مقدمتها الجزائر التي تعد طرفا رئيسيا في هذا النزاع المفتعل، مشيرا إلى أن اسم الجزائر يذكر نفس عدد مرات استحضار اسم المغرب في تقارير المجلس، حيث توجه لها بشكل صريح الدعوة من أجل الانخراط الجدي والفعال في الطاولات المستديرة للحوار.
وأبرز أن مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة يشيدان بخطاب العقلانية والرزانة للمملكة فيما يتعلق بهذا النزاع المفتعل، والإحالة بشكل خاص على الخطابات الملكية التي يؤكد فيها الملك محمد السادس في كل مناسبة على سياسة اليد الممدودة لأعداء الوحدة الترابية، لافتا إلى أن هذه الإشارات ستتكرر خلال القرار المرتقب للمجلس بعد تلقيه الإحاطة المذكورة من طرف دي ميستورا.
ولفت إلى أن مجلس الأمن سيجدد أيضا قلقه وتنديده لا محالة بالتصعيد العبثي السياسي الذي يعكف عليه خصوم المملكة المغربية في هذا الجانب، والعراقيل التي تقوم بها هذه الأطراف لعرقلة عمل بعثة “المينورسو” في المنطقة العازلة، واستحضار أسباب التأخر الحاصل في عدم توافق الأطراف الرئيسية في هذا الملف على إيجاد حل نهائي لهذا النزاع المفتعل، والذي تساهم فيه الجزائر عمدا بسبب تغيبها عن طاولات الحوار.