بعد تصريحات ستيفان جورنييه، وزيرة الخارجية الفرنسي، حول عمله بشكل شخصي بناءً على أوامر رئيس الجمهورية لإعادة علاقات بلاده إلى طبيعتها مع المملكة المغربية، عاد النقاش مجددا حول إمكانية عودة العلاقة بين باريس والرباط إلى سابق عهدها، وذلك في ظل استمرار إيمانويل ماكرون على رأس قصر “الإليزيه”، وعدم تقدم فرنسا بأي خطوة واضحة تجاه الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء.
وقال جورنييه في تصريح إعلامي إنه سيعمل شخصيا على تحقيق التقارب بين فرنسا والمغرب بعدما شهدت العلاقات توترا في السنوات الأخيرة، كاشفًا عن إجرائه عدة اتصالات مع مسؤولين مغاربة منذ تعيينه في 12 يناير الماضي، مشيرا إلى أن باريس كانت داعمة ولا زالت لخطة الحكم الذاتي المغربي، لافتا إلى أن الوقت حان للمضي قدما للتقريب بين البلدين.
♦ “المحدد للعلاقة بين باريس والرباط هو الصحراء المغربية”
يرى بلال التليدي، الكاتب والمحلل السياسي، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن العلاقات المغربية الفرنسية تعيش على إيقاع الأزمة منذ مدة طويلة، مبرزا أن المقاربة التي اعتمدتها باريس عبر وزيرة خارجيتها السابقة كاترين كولونا بحل بعض الإشكاليات الجزئية، والاعتقاد بأن مثل هاته الأمور ستدفع بمسار العلاقات إلى الأمام أثبتت فشلها.
وأوضح أن كولونا لما جاءت للمغرب وقالت إن ملف التأشيرات تم طيّه وتصديرها لكون الأزمة بين البلدين منحصرة في هذا الجانب فقط كانت خاطئة، موضحا أنه يجب على باريس إعادة النظر بشكل مطلق في هذه المقاربة، مشددا على أن الأمر الذي يحدد طبيعة العلاقة بين المملكة وفرنسا هو الموقف من الصحراء المغربية.
وأضاف الكاتب والمحلل السياسي أنه سبق للمملكة أن أعلنت بشكل صريح وواضح عن أن المصالح الاستراتيجية والاستثمارات الأجنبية التي ستتم بالبلاد أو معها ستقاس وسينظر لها فقط من خلال موقف الطرف أو البلد الآخر من قضية الصحراء المغربية.
وأشار إلى أن التوجه الفرنسي نحو بناء علاقة استراتيجية واستثنائية مع الجزائر، وبناءً على ذلك استفزاز وابتزاز والضغط على المغرب لكي يقبل بشروط باريس، يبقى فاشلا ولن يجدي نفعا مع الرباط، مبرزا أن اليوم هناك توجه وسياسة خارجية جديدة لدى “الإليزيه”، متمنيا أن تتجاوز هذه الأخيرة الأبعاد الشكلية بهذا الموضوع؛ أي أن تتجه بشكل مباشر لرأس المشكلة.
وأوضح أن الأمر الجيد في تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الجديد سيجورنيه هو أنه أشار لموقف بلاده من الصحراء المغربية، حينما قال إن باريس كانت دائما مع مقترح المغرب الخاص بالحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية، مضيفا أن المملكة لا تريد فقط التذكير بالتاريخ والنوستالجيا العابرة، بل تريد موقفا حاسما يدفع بهذه القضية إلى أن تصل لمرحلة الحسم النهائي.
وشدد على أن قضية الصحراء المغربية لا تحتاج إلا لبضع نقاط بسيطة لكي يتم حسمها بشكل نهائي، وذلك بعدما قامت مجموعة من الدول العظمى بإبراز موقفها الإيجابي بخصوص هذا الملف، مشيرا إلى أن عددًا من الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا أيدت المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد لهذا النزاع المفتعل.
وواصل أن المغرب لم يعد مكتفٍ في هذا الإطار بمواقف الدول الغربية، بل توجه نحو اللعب بالأوراق الثقيلة، من خلال تحركه نحو دول الساحل وجنوب الصحراء بإفريقيا، وإطلاق مبادرة المحيط الأطلسي، مشيرا إلى وجود حركة كبيرة بين الرباط وباقي العواصم الإفريقية، لافتا إلى أن آخرها كانت الزيارة الرسمية لرئيس وزراء النيجر علي محمد لمين زيني النيجيري إلى بلادنا.
المبادرة الأطلسية.. ما هي الأهداف والمكاسب وما سر غياب موريتانيا والسنغال عن اجتماع مراكش؟
وأبرز الكاتب والمحلل السياسي أن ملف الصحراء المغربية لم يعد يحتاج غير دفعات من بعض الأطراف، والتي من بينها فرنسا، من أجل إغلاق هذه القضية بشكل نهائي، لافتا إلى أن أي تلكؤ أو لعب بالأوراق من طرف باريس ضد المغرب سيزيد توتر العلاقات أكثر بين الجانبين.
واعتبر أن ترجيح فرنسا لاستمرار الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية على خاصرة الرباط، بأنه سيمكنها من تحقيق مكاسب فهي خاطئة، مبرزا أن هذا المنطق الكلاسيكي تجاوزه الزمن ولم يعد يجدي نفعا مع المملكة، التي تدرك أن علاقاتها بباريس قوية ومبنية على الاحترام والتقدير ومراعاة مصالح البلدين.
♦ علاقة الملك وماكرون بحل الأزمة
يشير بلال التليدي إلى أن الاعتقاد الذي يروج بأن الأزمة بين المغرب وفرنسا، مردها لوجود مشكلة شخصية بين الملك محمد السادس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأن بقاء هذا الأخير في الحكم سيؤدي إلى استمرار هذه الإشكالية وعدم حلها يبقى غير صحيح، لافتا إلى أن هذه الأطروحة خاطئة ولا تستوعب الطبيعة البراغماتية للسياسة الخارجية المغربية.
واستطرد المتحدث ذاته، أن أصحاب هذا الطرح لا يدركون أيضا طبيعة العقل السياسي للحكم في المغرب، مبرزا أن المملكة لا تُحكم القضايا وفق الاعتبارات المزاجية النفسية عندما يتعلق الأمر بملفات استراتيجية حاسمة، مشددا على أن جوهر المشكلة هو قضية الصحراء المغربية ولا شيء غير ذلك.
ولفت إلى أنه إذا اتجه أصحاب القرار في قصر “الإليزيه” للإعلان بشكل صريح عن تأييد المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد لهذا النزاع المفتعل وربط علاقات متوازنة مع الرباط، ودون اللعب على الحبلين من خلال الضغط عبر علاقات باريس السلبية مع الجزائر، فإن الأزمة بين البلدين ستحل ويتم طيّ مرحلة الخلاف القائم بشكل تام.
وأبرز أن فرنسا كانت تعتقد بتعزيز علاقاتها مع الجزائر وإبرام توافقات تثار حولها تساؤلات عديدة من أجل إفساد الرؤية الاستراتيجية المغربية وشن حملات ضد المغرب، ستتمكن من ليّ ذراع الرباط وتعديل موقفها لصالح باريس، مضيفا أن الموقف المغربي أصبح ثابتا في هذا الجانب؛ منذ خطاب الملك الذي تحدث فيه عن أن الصحراء المغربية هي المنظار الذي يرسم السياسة الخارجية للمملكة.
وأبرز أن موقف المغرب واضح فيما يتعلق بشروط تعزيز العلاقات من جديد وإنهاء كل أشكال التوتر مع فرنسا، والذي يؤكد على ضرورة إعلان الأخير عن موقفها الصريح والإيجابي بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، لافتا إلى أن أي ابتزاز أو ضغط أو شن حملات إعلامية لن يفيد باريس في شيء.
وأردف أن المملكة لا تعيش حالة عزلة لكي تضطر لمجاملة باريس أو الرضوخ لابتزازها وضغطها، مؤكدا أن المغرب في علاقات منفتحة على العالم، والتي تزداد تعمقا مع كل المحاور يوما بعد آخر سواءً في إفريقيا أو أوروبا أو آسيا أو كندا أو أمريكا، مشيرا إلى أن الرباط على عكس الجزائر التي تبحث عن أي خيار من أجل عودة علاقاتها مع إسبانيا مثلا.
وأشار إلى أن المغرب صعّد مع كل من ألمانيا وإسبانيا وبقي ثابتا في ذلك إلى غاية تحقيق مراده ورهانه من ذلك، معتبرا أن التصعيد مع فرنسا مستمر منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، مبرزا أن من خلال ملاحظاته كمتابع ومراقب للعلاقات بين البلدين، فإن المؤشرات تؤكد على أن الرباط لن تقدم أي تنازل لباريس.
وتابع المتحدث ذاته، أن فرنسا هي التي تبادر اليوم عبر التصريحات الأخيرة لوزير خارجيتها الجديد إلى مغازلة الموقف المغربي، لافتا إلى أنه في نفس الوقت عمل المسؤول عن الدبلوماسية الفرنسية على التمهيد لترتيب الأوراق من أجل طي صفحة الخلافات بين البلدين.
♦ الغايات الفرنسية
يوضح بلال التليدي أن فرنسا تجري تقييما بشكل دوري ومستمر لسياساتها الخارجية، مبرزا أنها فقدت الكثير في حديقتها الخلفية في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل جنوب الصحراء، لافتا إلى أنها في إطار ذلك تشتغل اليوم على إعادة النظر في دبلوماسيتها بالشكل الذي تُوقف به نزيف الابتعاد والتمرد على سياستها بإفريقيا
وأردف أن فرنسا حتى على مستوى قضايا الشرق الأوسط لم تسجل أي حضور قوي لها منذ سنوات عديدة، مبرزا أنه حتى المحاولة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون تجاه لبنان بعد واقعة انفجار مرفأ بيروت في 2020؛ كانت مجرد محاولة مجاملاتية أو فلكلورية لم ينتج عنها أي شيء على أرض الواقع.
سميرة سيطايل سفيرة جديدة للمغرب بفرنسا.. هل يحمل التعيين رسالة سياسية من الرباط لباريس؟
ولفت الكاتب والمحلل السياسي إلى أن من أبرز أوجه التراجع الفرنسي هو ما يحدث بملف العدوان على قطاع غزة، حيث أن باريس عرضت مقترحا سيتم النقاش حوله بين الأطراف التي ترعى الوساطة بين حركة “حماس” وإسرائيل، وهي قطر ومصر إلى جانب أمريكا، فيما هي اكتفت فقط بطرحه.
وأبرز أن فرنسا ترغب وتطمح حاليا في لعب دورها الكلاسيكي والتاريخي مجددا في كل من الشرق الأوسط وإفريقيا، مشددا على أن مفتاح عودة باريس إلى هاته المناطق لتحصين بعض مكتسباتها فيها، ولاسيما في الغرب الإفريقي والساحل جنوب الصحراء؛ يمر بالضرورة عبر إصلاح علاقتها بالمغرب.
وشدد على أن النباهة والذكاء اللذين يتميز بهما الحُكم المغربي تجعله دائما يزيح الاعتبارات النفسية والمزاجية ويعمل وفق ما هو استراتيجي، موضحا أن الرباط تبقى منفتحة على تطوير وتعزيز علاقاتها مع الجميع بما فيها فرنسا، شريطة سيادة الاحترام والمنفعة المتبادلة، وعدم الإضرار بمصالحها وقضاياها الحساسة؛ وفي مقدمتها ملف الصحراء المغربية.