طوال مرحلة تصوير الفيلم السينمائي “أنوال” دار نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي عن قصة هذا العمل ومدى احترامه للأحداث وكذا الشخوص التي ستؤدي أدوار البطولة به، وبعد الانتهاء من تصويره ينتظر الكثيرون التاريخ الذي سيعرض خلاله هذا العمل، من أجل التعرف عليه عن قريب، بعيدا عما تم الحديث أو الترويج له.
وحاورت جريدة “شفاف” محمد بوزاكو، مخرج هذا الفيلم، الذي يؤرخ لسيرة زعيم ثورة الريف عبد الكريم الخطابي خلال قيادته المقاومة في معركة “أنوال” أمام المستعمر الإسباني حينها، من أجل التعرف على انطباعاته حول هذا العمل بعد انتهاء تصويره، ورأيه في الأعمال الدرامية التاريخية والإنتاج السينمائي المغربي ككل، إضافة لتاريخ عرض “أنوال” بدور السينما، وغيرها من الأمور المرتبطة بالمجال الفني.
فيلم “أنوال” كان مرشحا أن ينطلق تصويره في 2019، هل تم تعديل السيناريو؟
نص هذا الفيلم لم يتغير أبدا، والتأخير في بدء تصوير هذا العمل الذي تجاوز 3 سنوات يعود لعدة أسباب، والتي تعد جائحة “كورونا” واحدا منها فقط، إضافة لأنه كان هناك إكراه قدوم الممثلين الإسبان للمغرب في وقت زمني محدد، والذين عددهم يصل لـ 20 ممثلا، من بينهم 10 كانت لهم أدوارا رئيسية في هذا العمل الفني.
وهؤلاء الممثلين الإسبان كانت أجندتهم مليئة بعدد من الأعمال الفنية، وإحضارهم في نفس الفترة وفي وقت ملائم للجميع من أجل انطلاق تصوير “أنوال” كان تحدي نجحت فيه المجموعة المشرفة على هذا الفيلم.
“أنوال” يؤرخ لمرحلة تاريخية، هل تمت مراجعة السيناريو من طرف الخبراء؟
فيلم “أنوال” يحكي عن مرحلة تاريخية تمتد من سنة 1906 إلى 1921، هي فترة معروفة لدى الجميع وليس بها أحداث عليها أي خلاف كبير، والخلاف جاء نتيجة التحول الذي وقع على عقلية عبد الكريم الخطابي عندما قرر تأسيس جمهوريته، أما قبل ذلك فالأمور كانت عادية، وكان هناك اتفاق تام حول مختلف الوقائع التي شهدتها منطقة الريف في تلك الظرفية الزمنية التي نسردها من خلال هذا العمل.
والكل يعرف حياة عبد الكريم الخطابي، حيث درس بداية في جامعة القرويين وبعدها عيِّن كمدرس للغة للجنود الإسبان، وبعدها عمل كصحفي، لينتقل لمنصب قاضي القضاة، لكن في خضم حراكه ونشاطه اعتقلته إسبانيا بعد نشره لمقالات يبدي فيها تعاطفه مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى.
ولما فرّ من السجن قرر أن يشكل مجموعة للمقاومة لمواجهة الاستعمار الإسباني، والتي خاضت مجموعة من المعارك والتي من بينها “سيدي إدريس” و”إغريبن” و”القامة” و”أنوال”، وهدا هو تاريخ المقاوم عبد الكريم الخطابي، وهذه الأحداث المعروفة لا يمكنها أن تستفز أي أحد.
بالإضافة إلى أن محمد النضراني؛ منتج وكاتب سيناريو هذا الفيلم، سبق له قبل 15 أو 20 عاما أن أصدر رسوما مصورة عن عبد الكريم الخطابي، وهو ما يبرز أنه منذ ذلك الوقت وهو يبحث ويعمل على تكوين المادة الأساسية لكتابة نص هذا الفيلم الدرامي التاريخي.
أثناء مرحلة التصوير كثُر الجدل عن هذا العمل، كيف رأيت الأمر؟
بالفعل كان جدل كبير يعقب كل صورة أو فيديو ينشر حول مجريات تصوير فيلم “أنوال”، مثلما هو الأمر مع تقرير القناة الأولى الذي ظهر فيه الممثل ربيع القاطي، والذي يلعب دور عبد الكريم الخطابي في هذا العمل، وهو يمثل دورا ارتجاليا لمشهد لا علاقة له بالفيلم، طالب به صحفي التلفزة الوطنية من أجل إدراجه في المادة الإعلامية التي ينجزها، وهو ما ظهر خلال بث القناة لهذا الربورتاج في نشرتها الإخبارية.
وللأسف هناك من يعمل بسوء نية ويسعى لتغليط الناس عن قصد، وله في ذلك غايات ومآرب أخرى ربما، إذ رأينا الكثيرين ممن كانوا يريدون أو يسعون للركوب على الموجة لأغراض مختلفة وفي مقدمتها ما هو سياسي.
من أجل تحقيق الحبكة الدرامية في هذا العمل، هل تم إحداث تغييرات على العمل؟
العمل في الفيلم السينمائي يعني أنه لا يمكن نقل الواقع بشكل حرفي كما هو، لكن في المقابل نحاول محاكاة الواقع، ولما نقول إنه يقربنا من قصة واقعية ما، فهذا لا يعني التحريف والتزوير للمحتوى الأصلي، بل قد يتم الاقتصار على إضافة شخصيات خيالية فقط لتأثيث عدد من المشاهد مع الحفاظ على العناصر الرئيسية للقصة، حتى يتم الوصول للحبكة الدرامية المطلوبة في أي عمل فني من هذا النوع.
ولكن بخصوص شخصية عبد الكريم الخطابي، فتم التطرق للأمور الواقعية التي عاشها بشكل مختصر، وأشير إلى أننا لم نسرد جميع تفاصيل حياة الخطابي في هذا العمل، كون أن عرض ذلك سيحتاج منا لـ 200 حلقة في إطار مسلسل، ما جعلنا نكتفي بإبراز أهم اللحظات التاريخية المهمة جدا التي عرفها مسار الرجل.
هل يمكن أن يتحول هذا الفيلم إلى مسلسل في قادم السنوات؟
الإمكانيات المادية هي العائق الكبير نحو تحقيق هذا الأمر، فمبلغ 485 مليون سنتيم التي توصلنا بها لإنتاج هذا العمل لم تكفي لتغطية جميع متطلبات هذا الفيلم، وهذا العمل ما كان ليخرج للوجود لولا تضحيات جميع المشاركين فيه من فريق تقني وممثلين وأشخاص آخرين ساهموا بأشياء عديدة كالملابس والإكسسوارات الخاصة بعدد من المشاهد وتوفير مناطق التصوير، وهؤلاء المضحين حبا للفن والساعين لحفظ تاريخ المملكة؛ هم أناس بسطاء لا انتماء لهم سياسي أو غير ذلك.
ولولا جهود هؤلاء الناس لما استطعنا الاستمرار وبصعوبة في استكمال هذا الفيلم وإخراجه للوجود، فما بالك بإنتاج مسلسل قد يتطلب إمكانيات أكبر بكثير مما تم العمل به في “أنوال”، وتمويل مالي كبير غير مسبوق في تاريخ الإنتاجات المغربية، لأن هذا المسلسل سيركز على تفاصيل حياة عبد الكريم الخطابي ويسلط الضوء أيضا على المقاومين الذين كانوا حوله.
هل يمكن أن نرى أعمالا أخرى لك عن أبطال ومقاومين آخرين؟
في هذا الفيلم كان الأساس هو القيام بأول عمل يخلد لمسار المقاوم الخطابي، وخصوصا الأحداث المهمة التي ميزت تاريخ هذا البطل، و”أنوال” يمكن القول إنه بداية للأعمال الدرامية التاريخية التي يحتاج الإنتاج الفني بالمغرب للعمل عليها، فهذا الفيلم سيكون حافزا للتطرق لحياة ومسار باقي المقاومين والمؤثرين في تاريخ المملكة.
وأشير هنا إلى أننا انتظرنا 100 سنة من أجل إنتاج عمل فني عن معركة أنوال للأسف، وهنا أتساءل عن السبب في عدم الاهتمام بالدراما التاريخية، وخصوصا منها تلك التي تتحدث عن أبطال تاريخيين كعبد الكريم الخطابي.
كيف ترى الإنتاج المغربي للأعمال الدرامية التاريخية؟
أدعو إلى الاهتمام بالأعمال الدرامية التاريخية، كون أن الشعب الذي ليس له تاريخ فلن يكون له تميز في الحاضر والمستقبل، الكل في وقت ما كان يربط التاريخ بالمواد المكتوبة، لكن اليوم لا أحد يقرأ الكتب، والغالبية العظمى تتوجه نحو البرامج والأفلام والمسلسلات، وهو ما يفرض علينا إنجاز وثائق تاريخية على شكل صور وفيديوهات وأفلام وغيرها لمواكبة التغيرات الحالية التي تعطي الأولوية لما هو مصور.
وتأريخ الأحداث المهمة في مسار المملكة يحتاج للعمل على إنجاز مواد مصورة تصير أرشيفا تاريخيا، يعرف الناشئة والأجيال المقبلة بتاريخ بلادهم، عبر إنتاج أفلام ومسلسلات تاريخية، عن شخصيات مثل عبد الكريم الخطابي، وموحا أوحمو الزياني، وأسماء أخرى عديدة، والتي تستحق نسبة لما أسدته للوطن أن يوثق مسارها الحافل بالإنجازات والتضحيات.
وما دام المغرب ينتج 20 فيلما في السنة، فإنه أمر إيجابي وخطوة مهمة، إلا أنه مع الأسف هناك استمرارية في إنتاج نوعية من الأفلام يبقى مستواها لا يرقى لما هو مطلوب، وأرى أنه حان الوقت لكي تقفز السينما المغربية قفزة نوعية من الكم إلى الكيف، من خلال إنتاج أفلام في المستوى التي بإمكانها منافسة أعمال عالمية، وذلك في ظل إمكانية توفير الدولة لدعم مقبول نسبيا للأعمال السينمائية.
كما يجب على المخرجين الاجتهاد من أجل صنع أعمال في المستوى، لأنه يظهر من خلال عدد من الإنتاجات أنه يلزم بعض العمل والصرامة والصدق في التعامل مع أموال الدعم التي تقدمها الدولة، من أجل إخراج أفلام ترقى لانتظارات الجميع.
ماذا عن تاريخ عرض الفيلم بدور السينما؟
حتى يخرج هذا الفيلم ويكون في المستوى، لا بد من أن يتم توضيب الحروب الخمسة التي تم تصويرها في هذا العمل، والتي كلفت جهدا ومالا ووقتا، وهي تحتاج لإضافة التأثيرات اللازمة عليها من أصوات للتفجيرات والأسلحة، إلى جانب القيام بتنسيق عالي مع التقنيين المسؤولين على المونتاج الذين لهم كفاءة ومؤهلات مهمة في هذا المجال، وقد نرى “أنوال” في دور العرض بالسينما المغربية بعد سنة أو سنة ونصف على الأكثر.