حقق فيلم “نايضة: كبرها تصغار” نجاحًا كبيرًا على منصة “يوتيوب”، حيث تجاوز سقف 13 مليون مشاهدة خلال 6 أيام فقط، إذ أن هذا العمل الدرامي الذي يحمل توقيع الممثل والمخرج سعيد الناصري؛ جمع بين الكوميديا والدراما لطرح قضايا اجتماعية وسياسية ملحة، ما جعله يحظى باهتمام واسع من الجمهور المغربي، والذي تدور أحداثه حول شخصية سعيد وأصدقائه الذين يقررون اتخاذ خطوات جريئة للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية، مما يضعهم في مواجهة مباشرة مع الحكومة.
وفي هذا الحوار، تحدثت جريدة “شفاف” مع سعيد الناصري عن تفاصيل هذا العمل الفني الذي أثار جدلًا واسعًا، وأسلوبه في معالجة قضايا المجتمع من خلال السينما، وما يرتبط بذلك من علاقته بالفيلم “الكباب والإرهاب” الذي لعب فيه الممثل عادل إمام دور البطولة في 1992، وحول الرسائل التي سعى إلى إيصالها، والجهات المعنية تحديدا بهذا الأمر.
♦ هل كنت تتوقع هذا النجاح الكبير، خاصة مع التحديات التي تواجه الأعمال المغربية على المنصات الرقمية؟
بصراحة، النجاح الكبير على المنصات الرقمية كان مفاجئًا بالنسبة لي، ولم أتوقع أنه سيصل إلى ملايين المشاهدات في ظرف ساعات وبعضها في أيام على منصة “يوتيوب”، وهو ما يدل على أن هذا العمل قاس فئات وشرائح كبيرة من المغاربة، وهو ما شكل بالنسبة لي صدمة جميلة جدًا.
وعلى فكرة الفيلم حقق نجاحًا قبل ذلك في القاعات السينمائية، حيث نال إعجاب الحاضرين والصحفيين خلال العروض الأولى، كما أننا عقدنا ندوة صحفية حول الفيلم أربع مرات بعد إطلاقه في السينما بداية هذا العام، لكن بالنظر إلى قلة القاعات السينمائية، لم نكن نتوقع هذا الانتشار الواسع له على “يوتيوب”.
وكنا ندرك أن الفيلم يحمل بوادر نجاح بسبب التقييمات الإيجابية التي تلقيناها خلال العروض السينمائية، ومع ذلك الأرقام التي حققها الفيلم على المنصات الرقمية تجاوزت كل توقعاتي، وهذا النجاح يؤكد أن الجمهور المغربي موجود، وينتظر فقط المحتوى الجيد.
♦ كيف خطرت لك فكرة معالجة موضوع اجتماعي وسياسي حساس بهذه الطريقة الكوميدية؟
الفكرة جاءت من رغبتي في تقديم عمل يعكس واقعنا اليومي، ولاسيما ما يرتبط بالمعاناة اليومية لفئات عديدة من المغاربة، وخصوصا ما يتعلق بالظروف الصعبة التي لا تزال تعيشها الفئات الهشة والمحرومة في بلادنا، لاسيما بالأحياء الشعبية أو الصفيحية أو بهوامش المدن.
والأفكار لدي كانت تتبلور شيئًا فشيئًا من خلال متابعة الأحداث اليومية واستلهام القصص الواقعية من الناس الذين كنت ألتقيهم وأصادفهم في طريقي، وهو ما دفعني وحفزني في الأخير على الاشتغال بجدية كبيرة لتقديم محتوى صادق من هذا النوع.
وعلى فكرة كنت أسعى لبداية تنفيذ إنتاجه منذ فترة طويلة، بعد أن كان السيناريو المتعلق به مكتملا في 2014، لكني لم أحصل على الدعم اللازم من أجل ذلك، حيث تقدمت للمركز السينمائي المغربي بطلب في هذا الجانب، لكني لم أحصل على أي شيء للأسف، ما دفعني للاعتماد على نفسي من أجل إنتاجه فيما بعد.
♦ هل كنت تخشى تجاوز ما يُعرف بالخطوط الحمراء في السينما المغربية؟
حسب دستورنا، الخطوط الحمراء واضحة وتقتصر على المقدسات، وبخلاف ذلك، نحن كفنانين لدينا حرية التعبير عن القضايا التي تهم المواطن، والفيلم لا يتناول حكومة بعينها أو شخصيات محددة، بل يركز على أداء بعض المسؤولين الذين لم يقوموا بواجباتهم.
والفيلم الذي قدمناه لا يتناول أي شيء خارق أو يتجاوز الحدود، حيث أن الفكرة تتعلق ببعض المسؤولين الذين لم يؤدوا واجباتهم ولم يقوموا بالخدمة المطلوبة منهم، ولا يتعلق بالحكومة الحالية، كونه مكتوب منذ عام 2014، عندما قُدم للحصول على الدعم، ولم يتم قبوله، وربما كان السبب هو الاشتباه في وجود طابع سياسي له.
وبكل وضوح، هناك خطوط حمراء معروفة وهي الله والوطن والملك، إلى جانب المقدسات التي لا يمكن المساس بها، كما أن الدستور يحدد الأمور التي يمكن الحديث عنها والمواضيع التي يجب الابتعاد عنها، وعلى سبيل المثال لا يجوز الخوض في الحياة الشخصية للأفراد أو الحديث عن عائلاتهم أو أطفالهم، ومع ذلك يمكن محاسبة الشخص على أفعاله كسياسي، وهذا أمر مقبول ومشروع.
♦ هناك من يشير إلى تشابه فيلم “نايضة” مع فيلم “الإرهاب والكباب” المصري، كيف ترد على هذه الانتقادات؟
أرى أن التشابه بين الأفكار أمر طبيعي في السينما العالمية، لكن التناول يختلف تمامًا، ففيلم “الإرهاب والكباب” يتناول قصة بطلها الممثل عادل إمام الذي يطالب بحاجات شخصية داخل إدارة حكومية، بينما فيلم “نايضة” يتحدث عن قضية جماعية تمس مصير شعب بأكمله.
ونحن تناولنا مشاكل السكن وتواصل الشعب مع المسؤولين بشكل شامل، كما أن طريقة الإخراج والتمثيل، وحتى الهدف من العمل مختلفة تمامًا عن “الإرهاب والكباب”، فالسينما تتكرر فيها مواضيع معينة مثل الحب والعلاقات الأسرية، لكن ما يميز الأعمال هو زاوية التناول والأسلوب.
وأود أن أوضح أن فكرة فيلم “الإرهاب والكباب” مستوحاة بدورها من أفكار أمريكية، وأشير هنا مثلاً لفيلم “Dog Day Afternoon” الأمريكي الذي لعب فيه النجم العالمي آل باتشينو دور البطولة، حيث دار هذا العمل الصادر في 1975 حول قصة شخص يقرر أن يسرق بنك، وأن يأخذ رهائن لتمويل ثمن عملية جراحية لعشيقته، وهو ما جذب انتباه وسائل اﻹعلام إليه.
وفيلم عادل إمام كان يتناول قصة بسيطة؛ ترتبط برجل يذهب إلى إدارة حكومية لقضاء مصلحة شخصية ويجد نفسه في إطار مجموعة من الأحداث الدرامية التي تتخللها مشاهد كوميدية، أما فيلمنا فهو يتناول قضية أكبر بكثير تتعلق بمصير شعب بأكمله يعيش في ظروف قاسية داخل أحياء عشوائية.
وقصة “نايضة” تدور حول تقديم ملفات ومطالب حيوية إلى المسؤولين الحكوميين، وهذه المطالب تعبر عن معاناة مجتمعية حقيقية، وليس مجرد طلبات شخصية كما في فيلم “الإرهاب والكباب”.
وأيضًا، طريقة الإخراج وأسلوب التشخيص في فيلمنا مختلفة تمامًا عن فيلم عادل إمام، حيث أن فيلمنا يتميز بحوارات جادة ومحترمة تخلو من السب أو الشتم أو التجاوزات، ونحن لا نتحدث عن أشخاص معينين بل عن قضايا اجتماعية عامة بطريقة حوارية حضارية.
على الجانب الآخر، ففيلم “الإرهاب والكباب” رغم شعبيته، كان إنتاجه متواضعًا جدًا؛ سواءً من حيث الأداء أو التشخيص أو الإخراج، بينما في فيلمنا كان هناك تركيز على تقديم رسالة واضحة وبأسلوب احترافي.
وأما بخصوص المشاهد التي تجمع الشخصيات مع المسؤولين، ففي فيلمنا المسؤول الحكومي يواجه المتظاهرين مباشرة ويستمع لمطالبهم دون وساطة، مما يعكس نوعًا من الأمل الذي يحمله أي مواطن بأنه إذا قابل مسؤولًا كبيرًا يستطيع التعبير عن مشاكله بوضوح.
♦ الفيلم أثار انقسامًا بين منتقدين ومدافعين، فهناك من يرى فيه انعكاسًا صادقًا لمعاناة المواطن المغربي، وآخرون يهاجمونه، كيف ترى هذا التباين في الآراء؟
هذا الانقسام طبيعي جدًا، ويعكس حيوية النقاش حول هذا الفيلم، الذي استطاع خلق نوعا من التساؤلات والحديث بين المغاربة عما تناوله من أمور ووقائع اجتماعية واقتصادية تلمسهم عن قرب وبشكل يومي في معيشهم اليومي، وكما هو معروف من الصعب أن نجد إجماعا على أي شخص أو عمل أو شيء في هذه الحياة.
ومن جهة أخرى، هناك جمهور قدّر الصدق في طرح قضايا تهم المواطن المغربي، أما الفئة الأخرى التي انتقدت العمل فالأسباب قد تكون فنية أو شخصية، والاختلاف في الآراء دليل على أن الفيلم ترك أثرًا وحرك المياه الراكدة، وبالنسبة لي أعتبر أن تحقيق النقاش حول أي عمل فني هو بحد ذاته نجاح كبير.
وفي الختام، أود أن أشير إلى أن بعض الانتقادات الموجهة لفيلمنا قد تكون ذات دوافع مغرضة أو غير موضوعية، لكننا نرحب بأي نقاش بناء حول القضايا التي تناولناها.