في حوار مع “شفاف” خبير في المياه الجوفية: الفلاحة الموجهة للتصدير وراء استنزاف الفرشة المائية في المغرب

0
تشارك
75
الآراء

تشهد المياه الجوفية بالمغرب تراجعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة استغلالها بشكل مفرط، في وقت تعرف فيه المملكة أكبر عجز على مستوى الواردات المائية خلال القرن الأخير.

وحسب معطيات قدمتها وزارة التجهيز والماء، فالاستغلال المفرط للفرشة المائية أدى إلى انخفاض مستوى الماء في الآبار بين ثلاثة وسبعة أمتار خلال السنة الماضية.

وينطوي تراجع الفرشة المائية على خطر كبير، على اعتبار أن السياسة التي يعتمدها المغرب في تدبير الماء، تقوم على توفير المياه الجوفية وتفادي استغلالها إلا عند تراجع الموارد المائية السطحية بشكل كبير، ما يعني أن تراجعها يعكس ارتفاع خطورة الإجهاد المائي الذي وصلت إليه البلاد.

وعلاقة بالموضوع حاورت جريدة “شفاف” الدكتور ازحيمي محمد العالم الهيدروجيولوجي( علم المياه الجوفية)، بخصوص المياه الجوفية والإجهاد الذي تعرضت له وخطورة ذلك على الوضع المائي في البلاد.

ما المقصود بالمياه الجوفية، والفرق بينها وبين المياه السطحية؟

المياه الجوفية تتكون من التساقطات وذوبان الثلوج والأمطار التي تتسرب عبر مسامات التربة النافذة إذ تسمح للمياه بأن تتسرب إلى باطن الأرض.

ومياه التساقطات يمكن لها أن تتسرب كذلك إلى باطن الأرض عبر الفراغات وشقوق الصخور على اعتبار أن هناك شروخ جيولوجية معينة، بالإضافة إلى أشكال جيولوجية أخرى يمكن للمياه أن تتسرب من داخلها إلى باطن الأرض ليتم تخزينها وفي الأخير تسلك طرق ومجاري وتتكون أيضا من بحيرات تحت سطح الأرض مثل البحيرة المتواجدة في نواحي مدينة أكادير، إذ تسمى هذه الأشكال التضارسية بالأشكال الكارستية الموجودة تحت الأرض المتعلقة دائما بالمياه الجوفي.

والماء المخزن يسلك طرق معقدة جدا داخل الأرض ليجد طريقه إلى مناطق من الجبال إلى السهول ثم إلى الهضاب وبعدها إلى المناطق البعيدة، وفي بعض الأحيان هذه المياه تخرج إلى السطح، مثال العيون الكبيرة في المغرب المتمثلة في عيون أم الربيع وعيون سابو، والأخيرين جريانهما في الأصل يعتمد على المياه الجوفية ووفق شروط جيولوجية معينة وجدت مخرجها إلى السطح وكونت بعد ذلك أنهار وأودية.

وعليه فنهر أم الربيع أو سبو في الأصل يأتيان من خلال مجموعة من الينابيع الجوفية التي تصب عبر طول هذه الأودية أو الأنهار لتٌكون بعد ذلك مجرى كبير.

أما عن الفرق بين المياه السطحية والجوفية، فالأخيرة تعطينا مياه سطحية وأنهار وبحيرات سطحية، والعلاقة بينهما وطيدة، إذ ووجود الأولى رهين بالثانية والعكس صحيح.

وبما أن مياه الأنهار التي في أغلبها سطحية لا بد من ضمان صبيب أدني كي يستطيع النهر العيش والسيران في الوادي ليصل في الأخير إلى البحر أو المحيط وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة التبخر لتتشكل على شكل غيوم وسحوب ثم تعود مجددا إلى القمم والسهول والهضاب مرة أخرى لتكتمل دورة حياة المياه ثم تعاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

هل صحيح أن المياه الجوفية في المملكة قابلة للنضوب؟

بدوري كمختص في المياه الجوفية، أأكد أنها غير قابلة للنضوب، لأن هذا يتنافى مع قوانين الطبيعة التي وضعها الله سبحانه وتعالى لضمان مختلف أشكال الحياة فوق الكرة الأرضية.

إذن المياه تدخل في سلسلة دورة الماء، إذ كل سنة تتجدد هذه الدورة في كل وقت وحين، وقد سبق وتحدثت في السؤال السابق على أن المياه التي تأتي من البحر عبر تبخر المياه العذبة التي تصب فيه على شكل أمطار وثلوج وبرد تتسرب دائما إلى باطن الأرض.

وهذا الشكل من التغذية يتم كل سنة مع حدوث تغيرات، بمعنى قد تكون السنة ماطرة جدا أو أقل من ناحية التساقطات، وبهذا فالدورة المناخية تتبدل من وقت إلى آخر، وإذا حكمنا على المياه الجوفية بالنضوب فهذا يتنافى مع دورة حياة المياه المعروفة علميا.

وعوض الحديث عن النضوب، فالصحيح هنا هو الاستنزاف، وبهذا ندخل في مجال التصرف البشري، ومفهوم الاستنزاف يرتبط بالأنشطة البشرية، وتدخل فيها السياسات العمومية والمخططات، والصحيح أن المياه الجوفية تتعرض للاستنزاف الجائر شأنها شأن الموارد المتواجدة على الأرض سطحا وباطنا.

وبذلك فالمياه الجوفية أنواع ومنها من لم يكتشف إلى حدود الآن بالنسبية للعلم البشري، كما أنه لم يستطع حاليا الوصول إلى شكلها أو قياس حجمها في باطن الأرض.

ولمعرفة مدى وعمق المياه الجوفية نعتمد على علم المياه الجوفية، وهذا العلم شأنه شأن العلوم المرتبطة بعلوم الاستكشاف المتعلقة بتنقيب البيترول والغاز والموارد المعدنية.

والأساس في هذا العلم أن يكون الإنسان ذا تكوين أساسي في مجال معرفة التكوينات الجيولوجية، بمعنى أنه يكون مثلا ذا تكوين في مجال علوم الأرض، على اعتبار أن المبدأ الأساسي في هذا العلم هو أن الماء مرتبط بنوع من أنواع الصخور “الحجر”.

وحاليا يستعان بالتكنولوجيا الجد متطورة لتحديد العمق وكذا المجاري المائية، وبهذا فالجانب المعرفي أساسي بالإضافة إلى الجانب التكنولوجي، إذ يمكن من خلالهما الصول إلى المياه الجوفية.

ولمعرفة الخزانات الكبرى يمكن الانتقال إلى تكنولوجيا متقدمة جدا عبر الاستعانة بالأقمار الاصطناعية بمعنى آخر بما يسمى بالاستشعار الفضائي الذي يمَكن من تحديد السلم من أجل التأسيس لحضارات ومدن كبرى.

كيف تقيمون سياسة الحكومة في مجال المياه والفلاحة، و ألا ترون أنها فشلت  تحقيق الأمن المائي والغذائي للمغاربة؟

بالنسبة لي كل السياسات لها إجابياتها وسلبياتها، إذ في الميدان رأينا المخططات الفلاحية رفعت من المستوى الاجتماعي للفئات الهشة في المناطق النائية، بالإضافة إلى الرفع من المستوى المعيشي، أي في الجانب السوسيو اقتصادي تغيرت الأمور.

وإذا أراد المغرب النهوض بالجانب الاجتماعي والاقتصادي فله كل الحق في ذلك على أن لايكون على حساب ملف المياه، والمياه المتواجدة في باطن الأرض يجب أن توجه لأغراض تأمين الأمن الغذائي والمائي للإنسان.

وما استٌغل بشكل من الأشكال هو تحويل الفلاحة المعيشية إلى الفلاحة العصرية الموجهة للتصدير التي استغلت في بعض المستويات وتم تحويل اتجاه استغلال المياه الداخلية إلى الخارجي عبر التصدير.

ودخول مؤسسات كبرى في مجال الفلاحة واستغلال ضيعات فلاحية كبرى، وتوجه منتوجها إلى التصدير، أدى إلى المساس بملف المياه في المغرب.

ويمكن لمس الفشل كذلك في السياسات العمومية التي اتخذتها الحكومة في ملف الأمن المائي والغذائي، في تحويل بعض الزراعات التي كانت تزرع في مناطق رطبة إلى مناطق شبه جافة أو جافة والتي تحتاج إلى المياه، بالإضافة أن هذه المنطق تعرف تساقطات قليلة.

وتوجه الفاعلين الاقتصاديين إلى المناطق التي تعرف شحا في التساقطات المطرية بالإضافة إلى المياه الجوفية، مثل النموذج في الجنوب الشرقي والشرق وفي الجنوب، عبر زراعات مستهلكة للمياه بشكل كبير بالإضافة إلى المساحة الكبيرة المخصصة لها، هؤلاء الأشخاص أخذوا على عاتقهم هاته المشارع الكبرى ولكن للأسف أساسها هو على حساب المياه الجوفية.

وتحقيق الأمن المائي إلى درجة ما، المغرب في مأمن ولم نصل لمرحلة القول أنه يتم المس بالأمن المائي، إلا في بعض المناطق النائية في المملكة.

فيما يخص الأمن الغذائي بطبيعة الحال فإننا لايمكننا أن نحققه بدون وجود المياه، إذ ربما الدولة ذهب في ذلك عبر مجموعة من الحلول من خلال فتح عدد من الملفات ومن بينها ملف تحلية مياه البحر المتمثلة في  مشاريع الداخلة وأكادير ، إذ لابد من الاتجاه في هذا الطريق لأن مياه البحر سيتم توجيهها إلى السقي وفي الوقت نفسه  سيعمل هذا المشروع على تخفيف ضغط الاستهلاك على المياه الأخرى التقليدية التي نعرفها.

لماذا تعيش بعض المناطق أزمة الماء رغم أنها تتوفر على موارد مائية؟

من خلال تتبعنا نجد أن هناك مناطق في المملكة ما من مرة يخرج سكانها للتظاهر ويشتكون من أزمة الماء ونحن نعرف كأخصائيين أن هذه المناطق لايمكن لها بالبت أن يكون لديها مشكل الماء مثلا الأطلس المتوسط هذه المناطق من الأماكن الغنية بالماء وساكنتها تعاني أزمة ماء.

ويعود السبب كذلك إلى تعدد المؤسسات المتدخلة في ميدان الماء، بالإضافة إلى مركزية القرار في بعض الأحيان والارتجالية، ثم تبني مفاهيم خاطئة لهذا العلم، بالإضافة إلى رصد ميزانيات للدراسة المتمثل في التقنيات غير كافية خصوصا أن المغرب لازال متمسكا ببعض التقنيات التي تجاوزها الزمن.

نعم، هناك مجهودات تقوم بها الدولة عبر أجهزتها لكن ما يسخر لإنجاز الدراسات بطبيعة الحال لا يأتي بنتائج لأنه لا زلنا نراوح في مكاننا في حين أن التكنولوجيا الدقيقة بإمكانها ان تحل المشكل على سبيل المثال يمكن أن ترصد ميزانيات التنقيب واستكشاف الماء في منطقة عبر تسخير أجهزة جد متطورة للكشف عن الماء، وفي حالة عدم وجود المياه إذن هناك ضياع لحقوق المياه الخاصة بالساكنة.

ماهي الحلول العلمية التي بإمكانها معالجة شح المياه في المغرب؟

مشكل شح المياه في المغرب لابد من أن يتم معالجته بمنطق العلم والبحث عن حلول في هذا الاتجاه عبر التكنولوجيا المتوفرة في هذا المجال.

والمغرب اليوم يتوفر على مياه جوفية ومياه سطحية رغم قلتها، لكن يتطلب الأمر الاجتهاد لإيجاد حلول علمية منطقية وبالخصوص في مجال السقي رغم التصور الذي يعرفه إلا أن هناك هدر للمياه.

وعلى المغرب أن ينتقل إلى البحث العلمي عبر مواكبة الدول التي سبقتنا في هذا الميدان، إذ الاعتماد على الشكل التكنولوجي المتقدم يعني الحفاظ على المياه وكذا عدم تعريضها للضياع.

لابد من تطوير أشكال البحث العلمي وفتح الباب أمام المتخصصين في هذا المجال، عبر تقديم كافة الوسائل اللوجيستيكية الموجهة إلى المعرفة الحقة للمقدورات المائية التي يتوفر عليها المغرب.