ينذر انخفاض مخزون مياه سدود المغرب بأزمة عطش خلال الصائفة القادمة ، وذلك بسب تراجع نسبة الملء يوما بعد يوم لتدنو عن النسب المسجلة في السنة الماضية في تواريخ بعينها. لاسيما في ضل ارتفاع درجات الحرارة في البلاد.
وعلاقة بالموضوع حاورت جريدة “شفاف” المهندس الزراعي محمد بنعطا، رئيس فضاء التضامن والتعاون بالجهة الشرقية، والعضو المؤسس للتجمع البيئي لشمال المغرب في برنامج “كوكب الحي”، بخصوص تراجع حقينة السدود والمياه الجوفية وأثارها على المغرب.
هل صحيح أن المغرب معرض لأزمة عطش في الصيف القادم؟
اليوم خزينة السدود في المغرب أقل نسبة من السنة الماضية رغم التساقطات المطرية المتوسطة التي شهدناها في بداية العام والتي توقفت للأسف حاليا.
والمغرب في هذه الظرفية معرض لخطر كبير لاسيما أن الإشكال أصبح اثنين: زيادة على انخفاض حقينة السدود فالمملكة تعاني نقصا حادا في الموارد الجوفية، إذ تم استنزافها بشكل خطير وهذه القضية لها تأثير كبير على البلاد، لأنه لا قدر الله إذا لم يعرف المغرب تساقطات مطرية في الأيام المقبلة ففي فترة الصيف سيكون هناك نقص حاد في المياه الخاصة بالشرب.
وفي المملكة تم استنزاف الموارد المائية الاستراتيجية التي توجد في جوف باطن الأرض بطريقة غير معقلنة، وفي هذه الحالة المغرب مطالب بإعادة النظر في طريقة استعمال واستهلاك المياه الجوفية، لأن الماء المخزن في باطن الأرض هو من يجب أن نجده في مراحل الجفاف مثل الذي تشهده البلاد حاليا.
وسبق لوزير التجهيز والماء نزار بركة أن قال في تصريح له، أن أكثر من 90% من الآبار المتواجدة الآن في المغرب غير قانونية ولا يعرفون كميات المياه التي يستهلكونها في النوع الفلاحي، ما يتسبب بإجهاد خطير للفرشة المائية، وبالتالي على وزارة التجهيز والماء أن تتدخل بحلول فعلية لوقف حفر الآبار غير القانونية بالإضافة إلى الاستنزاف الكبير للموارد المائية.
الآن الحكومة تعمل على إنشاء محطات لتحلية مياه البحر لأنه في حالة عدم هطول الأمطار يمكن اللجوء إليها من أجل سد الخصاص في المياه الصالحة للشرب لكي يجد المغاربة ما يرمق عطشهم في الصائفة القادمة خصوصا في المدن الكبرى بالمملكة.
ما رأيك في تقنية التقطير التي اعتمدت عليها الحكومة في الفلاحة بالمغرب وشجعت الفلاح عليها؟
أعتقد أن تقنية التقطير التي اعتمدت عليها الحكومة في الفلاحة بالمغرب فشلت في تحقيق أهدافها المتوخاة منها، على اعتبار أنه كان ينتظر منها العمل على اقتصاد المياه، إذ على إثرها تم توسيع الأراضي المسقية التي تستعمل كميات أكثر من المياه التي كانت مخصصه للقطاع الفلاحي من قبل.
والسياسية العمومية التي جاءت بها وزارة الفلاحة يجب إعادة النظر فيها، إذ لايمكن في الحالة التي يعيشها المغرب من جفاف وقلة تساقطات مطرية مع استنزاف كبير للمياه الجوفية والتغيرات المناخية، التي تظهر أن سنوات الجفاف أصبحت تتكرر في المغرب خصوصا أن هذه الظاهرة كنا نراها مرة واحدة في كل 11 سنة.
واليوم حسب المهندس الزراعي، أصبحنا نعيش الجفاف سنة بعد سنة ووصلنا إلى 5 سنوات في 11 سنة الأخيرة وعليه فوتيرة سنوات الجفاف ارتفعت بشكل مخيف وخطير يتطلب التدخل السريع وإيجاد حلول جدرية للواقعة قبل حدوث الكارثة.
وعليه فالسياسة التي اتخذتها وزارة الفلاحة عبر توسيع الأراضي المسقية بالتقطير، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مادية وتقنية لتشجيع الفلاح في مسائل إنجاز الآبار، تعتبر سياسة خاطئة وبالتالي وجب إعادة النظر فيها.
هل بإمكاننا أن نعرف كمية المياه الجوفية التي تتوفر عليها المملكة مثل الآليات التي تسمح بمعرفة حقينة السدود؟
اليوم بإمكاننا أن نعرف حقينة ملء السدود في المملكة إذ تتوفر الجهات المعنية على طرق وتقنيات تمكنها من معرفة مستوى الماء فيها، وإدارتها تخبر بشكل دوري عن مستوى مياه السدود في المغرب عبر موقع الوزارة.
وعن المياه الجوفية بالمملكة فالإدارة المعنية لديها كافة التقنيات المتطورة لمراقبة الأمر، وما يغيب عنها هو التواصل وعدم تقديم نشرات إخبارية بخصوص ذلك، وعليه فالمتخصص والمواطن العادي يحد صعوبة في الوصول إلى المعلومة وتتبع الوضع مثل ما تقوم به الوزارة بالنسبة لسياسة السدود.
كما أن الجهات المختصة ليس لديها أي فكرة واضحة أو أي تتبع لمعرفة الإيجابيات والسلبيات لهذه التقينة، والإشكال أنه تم استنزاف المياه بسبب السياسة التي اتخذتها وزارة الفلاحة التي ستعصف بالمملكة إلى نتائج وخيمة في المستقبل القريب.
أمس المواطنون في الجنوب “سوس، الحوز، مراكش” عندما كانوا يبحثون عن الموارد المائية يجدونها على مستوى قريب من سطح الأرض أي ما يقارب 10 أو 20 مترا، واليوم فعملية البحث عن الماء تصل إلى 150 مترا في بعض المناطق والمياه غير متواجدة، وهذا هو الخطر الكبير وبالتالي فسياسة تقطير الماء لا منفعة منها ويجب إعادة النظر في الأرقام المتواجدة وفي وضعية الموارد المائية خصوصا مع التغيرات المناخية.
هل سياسة التقطير المعتمدة في الفلاحة بالنسبة لكم بنيت على معطيات دقيقة للحفاظ على الماء؟
وزارة الفلاحة قالت أن الاعتماد على سياسة التقطير في السقي الفلاحي سيحافظ على المياه وسيقلل الكميات المستهلكة، لكن في الحقيقة الذي نتج عنها هو توسيع الأراضي المسقية وهذا الأمر خطير جدا كونه لم يرتكز على معطيات سليمة.
وهذه المعطيات يجيب أن تكون هي من تتحكم في الموارد المسقية المتمثلة في كمية التساقطات مع العلم أنه في الستينيات كانت حصة الفرد من المياه تتمثل في 2500 إلى 2600 متر مكعب لكل مواطن، في حين أن هذا المعطى اليوم تراجع إلى أقل من 600 متر مكعب للفرد الواحد سنويا ومن هنا يظهر أن الموارد المائية تنضب مع الزمن والتغيرات المناخية، خصوصا التي نعيشها اليوم في المملكة.
وبالتالي فقضية المساعدة التي تقدمها الحكومة المتمثلة في إنجاز الآبار، بالإضافة إلى السياسات القطاعية التي أظهرت أنها غير منسجمة. مثلا هذه الآبار التي تم إنجازها بصفة غير قانونية أوصلت المغرب إلى مستوى خطير جدا، إذ استنزفت جميع مياهه الجوفية التي لديه.
ما هي المزروعات التي يجب اعتمادها في المناطق التي تعرف الجفاف والتصحر في المملكة؟
قبل عملية البحث عن المنتوجات التي بإمكانها مقاومة العطش والتصحر، يحب على المغرب معرفة كمية المياه الذي يتوفر عليه وعلى أساسها يختار المواد الفلاحية التي تتأقلم مع الوضع المائي وتتجاوب في نفس الوقت مع الأمن الغذائي للمغرب.
والمغاربة اليوم يحتاجون للقمح والسكر والزيت وغيرها من المواد التي تعتبر عندهم ضرورية، وبالتالي يجب تحقيق الأمن الغذائي في هذه المواد قبل التفكير في المواد التي يجب تصديرها إلى الخارج.
والذي هو أساسي على وزارة الفلاجة أن تعرف كمية المياه التي نتوفر عليها وكيفية استعمالها حسب القياس الخاص بها، خصوصا أن المغرب اليوم يعيش فترة جفاف خطيرة، وفي نفس الوقت نحقق أرقام قياسية في موارد التصدير وبهذا المنحى فنحن متوجهون نحو كارثة، إذ لا يعقل أن المملكة تعاني من قلة المياه وتقوم بتصدير فاكهة الفريز والبطيخ الأحمر وغيرها من المواد الفلاحية الأخرى.
ومن هنا فالإدارة المسؤولة على القطاع هي التي يجب عليها أن تقوم بتتبع هذه الموارد الجوفية، كما تقوم بذلك مع السدود، لمعرفة الكمية التي نتوفر عليها، والتي من خلالها ستتضح طريقة تدبير الموارد الجوفية وفق الحاجيات بمنطق العقلانية والحكامة.