في حوار مع “شفاف”.. الذهبي: ضغط الأبناك ساهم في تعرض المقاولات للإفلاس وعلى الحكومة إحياء البرنامج الملكي “انطلاقة”

0
تشارك
12
الآراء

توالت التقارير الوطنية والدولية التي تشير إلى تعرض عديد المقاولات المغربية خلال هذه السنة للإفلاس، حيث أبرز مكتب “أنفوريسك”، المتخصص في المعلومات المالية والقانونية للشركات، تسجيل 3830 حالة إفلاس في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بزيادة 28 % مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، كما كشف تقرير دولي لشركة التأمين “أليانز تريد”، عن أن نحو 13 ألف شركة مغربية تواجه خطر الإفلاس خلال عام 2023، وذلك بزيادة 5 % عن سنة 2022، الذي شهد إفلاس نحو 12 ألف شركة.

وكون أن ما يفوق 98 % من هذه الشركات المعرضة أو المهددة بالإفلاس تنتمي للمقاولات الصغيرة والصغيرة جدا، حاورت جريدة “شفاف”، محمد الذهبي، الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن، لمعرفة الأسباب الكامنة وراء ما يقع، والحلول الممكنة لتقوية وتدعيم المقاولة المغربية التي تنتمي لهذه الفئة في مواجهة الإكراهات المطروحة، وللإجابة على باقي التساؤلات المرتبطة بهذا الموضوع.

-ما أسباب تسارع تعرض المقاولات للإفلاس؟

 قبل جائحة “كورونا” كانت مبادرات ملكية مشجعة، خصوصا بالنسبة للمقاولات المتوسطة والصغرى والصغرى جدا، مثلما يتعلق الأمر ببرنامج “انطلاقة”، وكانت انطلاقة رائعة واكبها الجميع، لكن الوباء أوقف كل ذلك وأثر في هذه العملية.

والجائحة أثرت خصوصا على مجموعة من المقاولات التي يرتبط مجال نشاطها بالمواد التي شهدت ارتفاعا في سعرها، والتي كانت تأتي من الصين ودول أخرى، ومن بعد الخروج من مرحلة “كورونا” وقعنا في الإشكاليات التي يعرفها العالم اليوم مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي كانت لها انعكاسات سلبية على ارتفاع أسعار المواد الأولية وتكلفة النقل.

-ما العوامل المؤثرة في تعرض هذه المقاولات للإفلاس؟

 من العوامل الأخرى التي ساهمت في تعرض هذه المقاولات للإفلاس؛ هي أن مجال عمل عدد منها مرتبط بالمواد الأولية المستوردة من الخارج، حيث أصبحت المقاولات غير قادرة على استيراد هذه المواد بسبب ارتفاع أسعارها، ومن بين الأمثلة على ذلك مقاولة النجارة، التي أصبحت غير قادرة على منافسة الشركات الأجنبية المتواجدة بالمغرب، التي توفر المنتجات الخشبية وغيرها بأثمنة جد رخيصة. 

-كيف ترى الإجراءات الحكومية في هذا الإطار؟

 بالنسبة لما هو محلي، فإن نرى أن الإجراءات الحكومية تفتقد في جانب منها لسياسات جبائية وضريبية مشجعة للمقاولات الصغرى والجد صغرى والناشئة، حيث أن العائق الكبير أمام هذه الفئة الأخيرة هو النظام الضريبي والجبائي بالمغرب.

 وللأسف المقاولات الصغرى والجد الصغرى والناشئة، لا تجد تحفيزا وتشجيعا لها من خلال مواكبتها ومنحها مجموعة من الإعفاءات الجبائية والضريبية، التي من الممكن أن تسمح لها بالانتعاش، وهو ما يجعل هذه الفئة من المقاولة المغربية مهددة دائما بالإفلاس، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن قانون مالية سنة 2023 رفع من قيمة الضرائب على المقاولات من هذا الحجم من 10 % إلى 15 %.

 ومن العراقيل المطروحة أمام هذه المقاولات؛ نجد صعوبة الولوج للقروض، حيث لا وجود على أرض الواقع للشعارات الجميلة من طرف الأبناك التي تعلن من خلالها على المساهمة في مساعدة هذه الشركات الصغرى والصغرى جدا على تطوير ذاتها، وعلى العكس فالمؤسسات البنكية تساهم في الضغط على هذه الفئة، وهو ما يقود في الأخير إلى إفلاسها، وهي مسألة لمسناها بشكل كبير.

 ومن الأمثلة على ما سبق، نجد أن مقاولة النقل السياحي بالرغم من الإجراءات الحكومية المبذولة للمحافظة عليها وعدم تعرضها للإفلاس، تعرضت لضغط كبير من طرف المؤسسات المانحة للقروض، حيث أنها مباشرة بعد جائحة “كورونا”، تم حجز مجموعة من سيارات النقل السياحي بسبب التأخر في أداء المستحقات المترتبة عن القروض البنكية.

 وصدرت في حق أصحاب هذه المقاولات مجموعة من المتابعات القضائية، والذين لم يتم منحهم أي مهلة أو إعادة جدولة هذه الديون من طرف المؤسسات المانحة للقروض، وبعد معارك ونضال المهنيين، تدخلت الحكومة لتفرض على الأبناك منح آجالات للمقاولات من أجل أداء ما عليهم، لكن هذه الخطوة جاءت بعد تعرض فئة عريضة من مقاولات النقل للإفلاس.

 وفي المرحلة الانتقالية الممتدة من الخروج من جائحة “كورونا” إلى الآن، لم يقدم أي دعم مباشر للمقاولات الصغرى والصغرى جدا، التي كانت الأكثر تضررا خلال تلك الفترة، والذي لا يرتبط بالجانب المادي، بل يتعلق في أساسه بما هو معنوي، من خلال تسهيل عملية أداء القروض، وعمل الدولة ومؤسساتها على أداء ما في ذمتها لصالح هذه المقاولات، حيث نجد أن عددا من هذه الأخيرة لا تزال دائنة لمؤسسات عمومية بمبالغ مهمة منذ 2019.

كيف ترى التوقعات المعلن عنها بخصوص تعرض عدد كبير من المقاولات للإفلاس هذه السنة؟

 المقاولات المتوسطة والصغرى والصغرى جدا أثرت عليها “كورونا”، لكن عدم مواكبة الحكومة لها بعد ذلك كان له تأثير فعلي ومباشر فيما تتعرض له اليوم، حيث لم نرى برامج حقيقية لإنعاش المقاولات واستعادتها لعافيتها.

 ومن بين المتأثرين في ذلك، المقاولات المختصة في الصناعات الغذائية بشكل كبير، وهو ما قد يبدو أن له تأثير بشكل أو آخر بارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي تعرفه بلادنا حاليا.

في ظل أزمة الأسعار، كيف تتعامل مقاولات الصناعة الغذائية مع الأمر؟

 لما نتحدث عن المقاولات من هذه الفئة، الناشطة في مجال الصناعة الغذائية، يجب أولا أن نتساءل عن أين هي المواد الأولية ومدى كفايتها، مثل القمح والزيت والسكر؟ ورغم قولنا إننا دولة فلاحية، فإننا نقوم باستيراد كل هاته المواد من الخارج.

 ومقاولات اللحوم الحمراء من النماذج التي تعيش اليوم أزمة، بالرغم من أنه كان بالإمكان من خلال أمرين، المساهمة في حل هذا المشكل، ألا وهما الاستغناء عن شهادتي الذبح والمنشأ، وهو ما سيجعل المستوردين يستقدمون أعدادا كبيرة من قطعان المواشي، وتحقيق اكتفاءً ذاتي من هذا المنتج، وتخفيض أسعاره على المستوى المحلي.

 والجارة الإسبانية تتوفر بها مجموعة من سلالات المواشي الأوروبية وبأثمنة أقل من المواشي ذات الأصل الإسباني، والتي تستوفي جميع المعايير الصحية وهي ذات جودة عالية، غير أن شرط المنشأ يحول دون استيرادها، لأن هذه الشهادة تفرض أن يتم استيراد الأبقار والأغنام التي تنتمي لسلالات البلد الذي سيتم جلبها منه فقط، فإن كنت ستسورد أبقارا من ألمانيا يجب أن تكون ألمانية المنشأ مثلا.

 ومطالبة المستورد بضرورة الإدلاء بشهادة الذبح يفرض عليه حصر عملية البيع داخل مجازر المدن الكبرى، وعدم التعامل مع باقي المدن، وهذا ما سيساهم في تفاوت ثمن اللحوم ما بين المدن المغربية.

ويمكن إسقاط هذا المثال على بقية المجالات، لذلك من المفروض على الحكومة تبسيط الإجراءات أمام المقاولات، واتخاذ تدابير مشجعة وواقعية، وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

-من المسؤول عن تعرض هذه المقاولات للإفلاس؟

 أتساءل بدوري اليوم عن الجهة التي جعلت برنامج “انطلاقة” لا ينجح في الرهان الكبير على الانتعاش الاقتصادي للمقاولات المغربية ما بعد الأزمة، هل المؤسسات البنكية التي لم تواكب العملية، أم القطاعات الحكومية التي لم تقدم المساعدات اللازمة للشركات المتوسطة والصغرى والصغرى جدا؟

 ولذلك يجب ربط المسؤولية بالمحاسبة في هذا الإطار، إذ أن المقاولات الصغيرة جدا والشباب حاملي المشاريع وغيرهم، والذين قدموا ملفات مشاريعم لهذا البرنامج هم بالآلاف، لا يعرف منهم من استفاد ومن لم يستفد وأسباب ذلك من “انطلاقة”، والذي جاء بمجموعة من التدابير الرامية إلى تجاوز الصعوبات التي تعيق ولوج هذه الفئات المستهدفة تحديدا إلى التمويل.

واليوم يجب التوقف عن وضع برنامج تلو الآخر، دون وضع استراتيجية واضحة، وتقييم للبرامج السابقة ومدى فعاليتها، وعدم المواصلة في تنزيل مثيلاتها التي تشبه سابقاتها في كل شيء، باستثناء تغيير الأسماء فقط، وتجنب الاستمرار في مخططات أثبتت عدم فعاليتها ونجاعتها في هذا الإطار. 

-ما الحلول الممكنة؟

 برنامج “انطلاقة”، الذي أطلقه الملك محمد السادس في فبراير 2020، جاء بمجموعة من الأمور، التي تعد دعامة أساسية للنهوض بالمقاولات الصغرى والصغرى جدا والمقاول الذاتي، لكن للأسف لم تواكبه القطاعات الحكومية الوصية بالشكل المطلوب.

واليوم الكل مطالب بإحياء هذا البرنامج عبر إجراءات واقعية، وليس من خلال الشعارات التي يرفعها المسؤولون بالقطاعات الوصية، والتي لا نرى لها أي تطبيق فيما بعد على أرض الواقع.

وإلى جانب ذلك، يجب وضع آجال معقولة للأداءات المترتبة على الديون التي تقع على عاتق هذه المقاولات، كما أن من اللازم على الإدارات والمؤسسات العمومية تأدية ما عليها من ديون لصالح هذه الفئة (المقاولات المتوسطة والصغرى والصغرى جدا).