خلق تعيين محمد سعد برادة على رأس وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة خلفا لشكيب بنموسى حالة من الجدل بين الأطر التربوية والتعليمية بالنظر لبروفيل الوزير الجديد القادم من عالم المال والأعمال والذي يفتقد لخلفية أكاديمية تؤهله لشغل المنصب .
ومنذ تعيينه بديلا لبنموسى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالأسئلة حول قدرة الوزير على حل مشاكل قطاع التعليم في ظل افتقاده للخبرة والدراية الكافية لتسيير مرفق حساس وحيوي في الدولة .
وفي هذا السياق حاورت جريدة “شفاف” الخبير التربوي ورئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم، عبد الناصر ناجي، وسائلته عن تطلعاته وتوقعاته من تعيين محمد سعد برادة على رأس قطاع التربية الوطنية.
س: هل يمكن لرجل أعمال أن ينجح في تسيير وزارة بحجم وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؟
ج: أولا، ليست هذه المرة الأولى التي يدبر فيها رجل أعمال قطاع التربية الوطنية، إذ سبقه في ذلك رشيد بلمختار، الذي كان يسير شركة مغربية للاستثمار في ميدان تكنولوجيا المعلومات، لكن الفرق بينهما هو أن بلمختار كان يدرس في المدرسة المحمدية للمهندسين وشركته كانت لها صلة بمجال التربية والتكوين.
مبدئيا، لا شيء يمنع رجل أعمال من النجاح في تسيير القطاع العام إذا كان فعلا ناجحا في تدبير القطاع الخاص، غير أن الانتقال من تدبير القطاع الخاص إلى تدبير القطاع العام ليس بالأمر الهين خاصة في قطاع معقد يعاني من اختلالات كثيرة وتواجهه تحديات كبرى مثل قطاع التعليم.
كما يجب ألا ننسى أن الحكومة كانت تراهن على شخصية شكيب بنموسى وكفاءته في إحداث تحول في المنظومة التربوية يُمكن من خلالها وضع قطار إصلاح التعليم على سكته الصحيحة، وهو إلى جانب خبرته في تدبير القطاع العام بما في ذلك خبرته الحكومية الطويلة كان أيضا ملما بأساسيات التدبير في القطاع الخاص بحكم تجربته في هذا المجال.
وتعيين برادة مكان بنموسى يعني أن هذا الأخير لم يحقق توقعات رئيس الحكومة، وبما أن هذا الأخير صرح بأن الهدف الأساسي من التعديل الحكومي هو تسريع وتيرة العمل الحكومي ومنحه نفسا سياسيا جديدا. هذا رغم أن تصريحات أخنوش للصحافة كانت تؤكد على نجاح الإصلاح الذي يقوده بنموسى وربما اللحظة الوحيدة التي شهدت بعض عدم الرضا على أدائه هي لحظة تدبير النظام الأساسي لرجال ونساء التعليم والتي تميزت بحراك تعليمي امتد لأكثر من ثلاثة أشهر.
إذا كان هذا هو سبب استبدال بنموسى ببرادة، وليس الحاجة إلى خبرة الرجل في المندوبية السامية للتخطيط، فالسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو هل رجل الأعمال الذي لم يألف العيش في سياق نقابي بالزخم الذي تعرفه وزارة التربية الوطنية سيكون قادرا على تدبير المفاوضات بنجاح في إطار الحوار الاجتماعي في ظل استمرار بعض الملفات العالقة بعد الاتفاق على النظام الأساسي لموظفي التعليم.
س: هل تعتقدون أن الرجل يمتلك دراية مسبقة بمشاكل التعليم وقضاياه البيداغوجية؟
ج: الجواب المباشر هو لا، لأنه لم يشتغل قط حسب سيرته الذاتية في أي مجال له صلة بالتعليم، ويبدو أنه لم يكن أبدا يشغل باله حتى كمستثمر وإلا ظهر ذلك في طبيعة استثماراته التي ظلت بعيدة عن ميدان التربية والتكوين خلافا لمستثمرين كثر طرقوا هذا الباب من خلال إحداث مدارس خاصة.
طبعا، يمكنه الاستعانة في ديوانه بخبرات متخصصة لكن ذلك لن يغني الرجل عن تكوين خبرته الخاصة بمنظومة التربية والتكوين وتكون بالقدر الكافي الذي يمكنه من اتخاذ القرارات الصائبة، وإلا أصبح الخبراء من يقودون الوزارة وليس الوزير بما أنهم أكثر منه معرفة بالميدان.
من جهة أخرى، هناك احتمال أن تغيير بنموسى بخبرة أخرى جاء بناء على أن تقييما من مستوى أعلى من الحكومة بين وجود اختلالات كبرى شابت إصلاح التعليم في الثلاث سنوات الأخيرة، التي انزاحت بالوزير السابق عن التوجهات التي جاء بها القانون الإطار 51.17.
كما أستبعد شخصيا هذه الفرضية، لأن التخلي عن القانون الإطار يظل اختيارا حكوميا غير مرتبط بالأشخاص، والدليل على ذلك هو أن رئيس الحكومة لم يعقد مثلا أي اجتماع يتعلق باللجنة الوطنية لتتبع إصلاح التعليم التي يرأسها، كما أن الحكومة لم تتداول في مجالسها أي نص تشريعي مرتبط بمنظومة التربية والتكوين منذ بداية الولاية الحكومية الحالية.
س: هل منطق التدبير الناجح في القطاع الخاص يمكن أن ينطبق على القطاع العام في حالة السيد برادة؟
ج: إن منطق التدبير الناجح في القطاع الخاص لا ينجح بالضرورة في القطاع العام ودليلنا على ذلك أن موجة التدبير العمومي الجديد المستوحى من القطاع الخاص التي اجتاحت القطاع العام في أغلب الدول الغربية منذ نصف قرن لم تنجح في تطوير المنظومات التربوية بالمستوى الذي كان متوقعا، بل زادت من تعميق الهوة بين التعليم العمومي والتعليم الخاص نظرا لاصطدامها بإرث ثقافي متجذر في الذهنيات السائدة لا يمكن تغييره بمنطق رجل الأعمال المستعجل للنجاح ولو كان سطحيا.
كما أنه من الطبيعي أن يكون المدبر القادم من القطاع الخاص يعتقد أن منظومة القطاع العام فاشلة بالمطلق مما يدفع بشكل ولو لا إرادي إلى القطع مع كل أساليب التدبير المعتمدة في القطاع العام بما في ذلك تلك التي أثبتت فعاليتها. ومن المحتمل أيضا أن يحابي القطاع الخاص في القرارات التي يتخذها الشيء الذي قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على المدرسة العمومية.
س: ما هو سقف توقعاتكم ورهاناتكم على الوزير الجديد؟
ج: أولا، من المتوقع أن يكون الوزير الجديد وزير تصريف أعمال بمعنى أنه لن يتعب نفسه في إجراء أي تعديل على خارطة الطريق التي وضعها سلفه بل سيكتفي بتطبيقها باعتماد الأدوات المنهجية نفسها التي وضعها بنموسى، وذلك لعدة اعتبارات أهمها أن الوزير الجديد حسب سيرته الذاتية هو رجل أعمال لا تربطه أية صلة بالتعليم ولا يمكنه مهما كانت كفاءته أن يلم بتعقيدات قطاع ضخم ومركب مثل قطاع التربية الوطنية إلا بعد مرور فترة زمنية غير يسيرة، علما أننا على بعد أقل من سنتين من الانتخابات القادمة.
ثانيا، لأن الحكومة تدعي أنها تطبق مخرجات النموذج التنموي الجديد ومن باب الوفاء لمهندسه الذي ليس سوى الوزير السابق أن يستمر الوزير الجديد على نفس النهج.
ثالثا، لأن مسار القانون الإطار شاق وطويل ولا تقطف ثماره إلا على المدى البعيد الذي يتجاوز العمر الحكومي الشيء الذي لا يسمح بوضع استراتيجية جديدة.
س: هل يمكن أت ينجح الوزير الجديد في إطار فرضية الاستمرارية هذه؟
ج: بما أنه مهندس له نفس المسار التكويني لبنموسى فلا أعتقد أنه سيخفق في مهمة الحفاظ على الوضع القائم الذي أرساه سلفه خاصة إذا نقل إليه في إطار التضامن الحزبي الخبرة التي راكمها في قطاع التربية الوطنية خلال ثلاث سنوات.
س: ماهي الأوراش الآنية التي تتطلب تجاوبا سريعا معها داخل وزارة التربية الوطنية؟
ج: إذا ثبت صحة الفرضية التي أشرت إليها والتي تقضي بتبني منطق الاستمرارية من قبل الوزير الجديد فإن التركيز سينصب على تعميم مدارس الريادة في الأفق الذي رسمه الوزير السابق.
وهذا يعني توفير الموارد المالية والبشرية الضرورية لإنجاح هذا الورش وبالخصوص ضمان الانخراط القوي للمدرسين والمدرسات في ظل تبني أسلوب الانخراط المشروط بالتحفيز المالي المقدر بعشرة آلاف درهم التي تمنح مرة واحدة للمعنيين مما قد يطرح سؤال استمرارية الانخراط بعد غياب التحفيز.
س: هل خبرة الوزير الجديد في القطاع الخاص يمكن أن تنعكس إيجابيا على تطوير البنية التحتية للمؤسسات التعليمية؟
ج: قد يساعده موقعه المتميز كرجل أعمال في إقناع المقاولات في إطار الوفاء بمسؤوليتها الاجتماعية بالانخراط في دعم المدرسة العمومية المغربية خاصة فيما يتعلق بتأهيلها المادي ومدها بالتجهيزات الضرورية.
لا ننسى كذلك أن القانون الإطار أحدث صندوقا خاصا بتمويل المنظومة التربوية أصبحت له خانة خاصة في قانون المالية لكنه منذ ثلاث سنوات لم تعد ترصد له مداخيل وهذه ربما فرصة مواتية لتشجيع القطاع الخاص على دفع حصته لهذا الصندوق مساهمة منه في الرفع من جودة المنظومة التربوية المغربية.