مع انطلاقة السنة الثالثة من ولاية الحكومة الحالية، وبداية الدخول السياسي الجديد الذي دشنه المجلس الحكومي أمس الخميس، وأبرز خلاله رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن حكومته ستواصل خلال سنة 2024 العمل على توطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية، وتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، مع تعزيز استدامة المالية العمومية، لكن بعض الأصوات والفرقاء السياسيين يعتبرون أن الحكومة لم تفي بما سبق من وعود، متسائلين عن كيفية التزامها بما قاله رئيسها في تصريحه الأخير.
من بين تلك الأصوات تبرز فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، والتي اعتبرت في حوارها مع جريدة “شفاف”، أن حصيلة الحكومة خلال مدة تقارب السنتين تعد محدودة للغاية، وأن سياستها في معالجة عديد الإشكاليات كانت فاشلة، مشيرة إلى أن توجهاتها خالفت وعاكست مفهوم وشعار الدولة الاجتماعية الذي ترفعه في كل لحظة وحين، وأنها تكرس يوما بعد آخر جهودها لخدمة القطاع الخاص و”اللوبيات” وأصحاب المصالح على حساب باقي المواطنين.
•ما رأيك في الحصيلة الحكومية لحدود الساعة؟
الحصيلة الحكومية تجلت في بضعة مشاريع قوانين تمت المصادقة عليها واتفاقيات، ولا يهم الجانب الكمي، بل يجب النظر لها من الناحية النوعية، والتي يبرز من خلالها أن الحكومة سرعت الوتيرة فيما يخص بعض المشاريع وخصوصا المتعلقة بقطاع الصحة، والتي سبق لي أن قمت فيها بمداخلات، والتي همت إحداث وكالات للأدوية والدم والهيئة العليا للصحة وهيئة الصيادلة، التي لا تخرج على القانون الإطار رقم 22-06 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية.
وهذا القانون الإطار كان لنا فيه كحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي رأي ونقاش، وهو ما اتضح لنا بعد عرض مشاريع القوانين المرتبطة بذلك على البرلمان، حيث اعتبرناه أنه يساهم في التوجه بنا نحو تسليع الصحة وإفراغها من مضمونها وأدوارها من خلال خوصصة هذا القطاع، والحكومة خلافا لما كانت تدعيه وترفعه من شعارات تخص الدولة الاجتماعية، فإنها تعتبر أن هذا القطاع يعد مكلفا بالنسبة لها، شأنه في ذلك شأن التعليم.
والدولة أصبحت اليوم لا تستثمر في هذا المجال، بالرغم من أن الصحة هي حق إنساني وكوني، ويجب عليها أن تكون هي الضامن لهذا الحق، وبالتالي كان رهانها على القطاع الخاص في هذا الجانب، لتأتي كل هذه القوانين التي تم تمريرها بالبرلمان لسحب البساط من تحت أقدام الخدمة العمومية وتلقي به إلى القطاع الخاص.
ولما نرى ما جاء به القانون الإطار والقوانين المتعلقة بإحداث وكالات المجموعات الصحية الترابية والهيئة العليا للصحة؛ يظهر جليا أن الأمر يتعلق بتخلي تدريجي وممنهج على الصلاحيات والمهام التي كانت تقوم بها وزارة الصحة، لأنه لما تصبح لدينا وكالات متعددة في 12 جهة وهيئة عليا تطلع بصلاحية ليس فقط فيما يخص الرقابة، بل أيضا ما يهم التسيير والحكامة وغير ذلك، وهي الاختصاصات الموكولة حاليا لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
واليوم وزارة الصحة تتنازل عن اختصاصاتها لصالح الهيئة العليا للصحة، وقد تكتفي مستقبلا بالرقابة فقط، بالرغم من أنها مسؤولة على القطاع، وأنه من المفروض فيها التمتع وامتلاك آليات التنفيذ والتتبع والتصور الشامل لهذه السياسة الصحية، ويظهر على أن جميع هاته الأدوار ستتخلى عنها في القريب.
ونعلم أن القطاع الخاص يسعى دائما للربح، من خلال المصحات والأدوية وغيرها من الأمور، ولن يقدم أي خدمة مجانية، وهو ما يؤكد تسليع الصحة والانسحاب التدريجي للدولة من الخدمة العمومية، والمشاريع المذكورة هي الأبرز في حصيلة الحكومة خلال أزيد من سنتين من تدبيرها لشؤون البلاد.
•لماذا تعتبرين أن سياسة الحكومة تتنافى مع ركائز الدولة الاجتماعية؟
الحكومة بسياساتها تتجه نحو خدمة “لوبيات” وهو ما يتناقض ويتنافى مع شعارات وتوجهات الدولة الاجتماعية، ولا يخدم مصلحة المواطن، وخير مثال أن 85 % من تعويضات صناديق التأمين تتوجه للقطاع الخاص، وذلك على حساب القطاع العام، وهو ما سيرتفع فيما هو قادم، لأنه لا يوجد استثمار في المستشفى العمومي.
وعوض أن يتم الاستثمار في المستشفيات العمومية وأن تدخل تلك الأموال لصناديق التأمين العمومي، نجد أنها تتجه للقطاع الخاص، حيث يجد المرتفقين أنفسهم أمام انتظار مواعيد طويلة أو وجود أعطال في الأجهزة الطبية كـ “السكانير”، بحيث يضطرون للذهاب إلى المصحات الخاصة من أجل تلقي العلاجات.
واليوم مع التغطية الصحية وغيرها من الأمور المرتبطة بالحماية الاجتماعية سيُدفع المواطنين بشكل كامل للتوجه نحو القطاع الخاص، وهو ما يكشف بالملموس أن الحكومة تخدم “الباطرونا” و”اللوبيات” وأصحاب المصالح، وهذا ما يظهر جليا من خلال مشاريع القوانين والبرامج التي تمررها.
•اعتبرتي “الحكومة فاشلة”، لماذا؟
موجة الغلاء غير المسبوق والتدابير التي تم اتخاذها طيلة المرحلة الماضية لم تخدم مصلحة المواطنين، حيث فشلت الحكومة بشكل ذريع في التعامل مع هذه الأزمة وجعلت المغاربة يكتوون بلهيب الأسعار، حيث لم تقم بالإجراءات والتدابير اللازمة من أجل التخفيف من ذلك.
والإجراءات التي أقدمت عليها، مثل استيراد الأبقار والأغنام وغيرها، لم تحقق الأهداف المعلن عنها بشأن التخفيف من حدة الغلاء وتوفير الحاجيات الضرورية للمغاربة، حيث تبين فيما بعد أن أسعار اللحوم والأغنام خلال عيد الأضحى ظلت مرتفعة، والدعم المخصص في هذا الجانب ذهب في غير محله، حيث عِوض أن يستفيد منه الفلاحين الصغار والبسطاء والناس الغير القادرين على اقتناء الأضحية، منحته إلى المستوردين الذي يسعون وراء الربح ولا يقدمون أي خدمة للمواطن.
وفي هذا الإطار، الحكومة ساعدت المستوردين للأغنام من خلال منحها إياهم لمبلغ 500 درهم عن كل رأس، ما سمح لهم من تحقيق أرباح مهمة، وعلى عكس ذلك لم يستفد المواطن شيئا من هذا الإجراء، ليكون هذا الأخير (المواطن) هو الضحية ويكتوي بنار الغلاء لوحده.
فيما يتعلق بالسياسة المائية، يظهر أن الحكومة لا تمتلك أي تصور ناجع، ولم تقم في هذا الجانب بتقييم برنامج المخطط الأخضر، والذي رصدت له الملايير، لكن بالرغم من ذلك نجد أنفسنا لم نحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، لاسيما أن 80 % من الفرشة المائية تذهب للمجال الفلاحي.
وللأسف الحكومة مستمرة في نفس النهج والسير، من خلال سياسات غير مدروسة والتي لا تظهر لها أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، والاستهلاك الكثيف للمياه في ظل الأزمة التي تعرفها بلادنا منذ سنوات، يتم من طرف شركات وأراضي ومحميات ريعية وغير ذلك، وليس فيما يرتبط بالاستهلاك العادي للمواطن، ولا يعقل أن يتحمل هذا الأخير تكلفته، وذلك دون أي محاسبة أو مراقبة من الجهات المسؤولة.
وعوض أن يكون هناك تصور ناجع مبني على تقييم ودراسة، يظهر استمرار تخبط الحكومة في سياساتها الفاشلة، وهو ما يؤكده تواصل اعتماد الزراعات المستهلكة والمستنزفة للفرشة المائية التي لن تحقق للمغرب الاكتفاء الذاتي على مستوى الغذاء، حيث أن البطيخ والأفوكادو مثلا بعد إنتاجهما يتم تصديرهما، وهو ما يبرز توجه الحكومة نحو خدمة مصالح فئات معينة وليس تلبية حاجيات المواطن.
بخصوص الحوار الاجتماعي الذي دار حوله نقاش واسع، يظهر أن الحكومة تنصلت لحدود الساعة من الزيادة في الأجور وغيرها من الإجراءات المتفق عليها مع النقابات المهنية.
وتقارير المجلس الأعلى للحسابات تركن في الرفوف بدل تفعيل مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، حيث نجد أن هناك أشخاص متابعين أو محكومين بعقوبات سجنية، لكن لا يطالهم أي عقاب، وتراهم حاضرين ومتواجدين في جميع الأماكن دون أي تفعيل للأحكام الصادرة في حقهم، وهو ما معناه أن الحكومة ماضية في توجهها غير الناجع.
وكل ما ذكر يبرز أن الحكومة بعيدة كل البعد عن الشعارات التي تقوم برفعها، ويظهر جليا أنها فعلا لا تلتقط نبض الشارع ولا تسعى لتخفيف العبء عن المواطن.
•هل هناك تطور فيما يخص المساواة؟
المساواة غير حاضرة في أجندة الحكومة أو تصورها، حيث لما حضر رئيس الحكومة عزيز أخنوش لإحدى الجلسات الشهرية للأسئلة الشفوية حول السياسة العامة؛ تحدث عن تمكين المرأة بشكل معزول جدا، في الوقت التي تضع الأرقام المغرب في مراتب متأخرة في مؤشر الفجوة بين الجنسين.
وما يؤكد ذلك، أنه خلال مرحلة الحكومة الحالية ازدادت اليوم البطالة في صفوف النساء، يضاف إلى ذلك تفاقم ظاهرة العنف ومظاهر التمييز والأمية والفقر، وهي أمور يظهر أن الأغلبية الحكومية ليس لها تصور واضح من أجل معالجتها، والمساواة بالنسبة لها ما هي إلا خطاب لتلميع صورتها، وإبراز أن لها آليات للمواكبة والتتبع وتفعيل مبدأ المناصفة في كافة المجالات.
نحن بحاجة الآن لمراجعة القوانين المُمَأسِسة للتمييز وتعديل مدونة الأسرة، بشكل يستجيب لتطلعات النساء ويلائم ما جاءت به المواثيق الدولية في هذا الجانب، وأن تُستحضر فيها الاتفاقيات الخاصة بمكافحة ومحاربة التمييز التي صادق عليها المغرب، وتفعيل المقتضيات المرتبطة بهذا الموضوع والتي جاء بها الدستور، الذي مر على صدوره القرابة 12 عاما.
والهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، التي نص عليها دستور 2011 لم تخرج للوجود بعد، سواءً خلال مرحلة الحكومات السابقة أو الحالية، بالرغم من المطالب والدعوات الصادرة عن السياسيين والحقوقيين وغيرهما، ونفس الأسطوانة المشروخة تتكرر مع هذه الحكومة، كأن الأمر لا يتعلق ببرنامج ومشروع مجتمعي وتصور ينبغي تنزيله وتتبعه ومواكبته.
•ما دور المعارضة خلال المرحلة المقبلة؟
نحن اليوم أمام هدر لزمن مهم، حيث كان بالإمكان استغلاله في تفعيل ديمقراطية حقيقية ونقاش ديمقراطي حقيقي، والمعارضة باعتبارها مكونا مهما في المجال السياسي يجب أن تقف عند الاختلالات الموجودة وتمارس أدوارها الرقابية.
والحكومة تعاملت معها خلال الفترة الماضية وفق قاعدة “كم حاجة قضيناها بتركها”، حيث يجري الإنصات لنا، لكنها لا تأخذ في عين الاعتبار مجموعة من الملاحظات التي يتم مناقشتها داخل اللجان البرلمانية وأيضا لا يتم التجاوب مع التعديلات أو مقترحات قوانين التي يتم طرحها أو عرضها أيضا من قبل المعارضة في هذا الجانب.
وللأسف يستمر لحدود الآن تجاهل المعارضة، ولا يوجد أي تطور في مسألة اعتبار المعارضة قوة اقتراحية يمكنها أن تغني العمل السياسي ببلادنا، ويظهر جليا أن نفس المشهد ستستمر فيه الحكومة الحالية، والذي يكرس لـ “البؤس السياسي” صراحة، والضحية دائما هو الشعب المغربي، والذي يخذل كل مرة في الوعود والتطلعات التي تقطعها له الحكومات المتعاقبة.
وخير دليل على ما سبق، أن تطلعات الشباب وطموحاته اليوم، لا توجد إرادة حقيقية من طرف الحكومة لمواكبتها والمساهمة في تحقيق هذه الفئة لما تصبو إليه، حيث لا نرى أي انسجام بين الخطابات والممارسة الواقعية لها على أرضية الميدان.

