تسود حالة من الامتعاض والغضب لدى عدد من البحارة الناشطين ببعض الموانئ المغربية، نتيجة ما يعتبرونه عدم احترام وتفعيل نظام القرعة والتناوب الخاص بقوارب الصيد الساحلي صنف السردين، وذلك بعد إقرار الجهات المسؤولة عن القطاع لنفس لوائح الموسم الماضي، وأيضا بسبب استمرار عدم تفعيل تعميم قرار الصناديق البلاستيكية الموحدة.
♦ مشكلة القرعة والتناوب
أبرز هشام توزينت، الكاتب العام للكونفدرالية الوطنية للصيد البحري بالمغرب، والمنسق الوطني للبحارة، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن هناك حالة من الغليان داخل صفوف الصيادين بسبب استمرار العديد من الاختلالات بها، مثلما هو الأمر مع عدم احترام القرعة والتناوب في مينائي الداخلة وبوجدور، وكذا عدم تنزيل الورش الملكي الخاص بتعميم الصناديق البلاستيكية الموحدة.
وأضاف الكاتب العام للكونفدرالية الوطنية للصيد البحري بالمغرب، أن مشكلة التناوب عادت للواجهة مجددا بعد أن جرى الاحتفاظ بنفس لائحة مراكب الصيد الساحلي صنف السردين التي تضم حوالي 75 مركبا بالداخلة، دون أي تغيير أو تعديلات جوهرية فيها للموسم الثاني على التوالي.
وأبرز أنه منذ انطلاق عملية التناوب في سنة 2011، -والتي يفتح باب التقدم لها خلال الفترة الممتدة ما بين دجنبر ويناير من كل موسم-، لا يتم سوى تغيير عدد بسيط من المراكب التي لا تتعدى 7 على الأكثر، والتي تعود في الغالب لنفس المجهزين أو أصحاب المراكب التي ستغادر مصيدة السردين في إطار هذا النظام.
وأوضح أن التناوب في الأصل يجب أن يهمّ في ميناء الداخلة مثلا تغيير جميع المراكب التي اشتغلت الموسم الماضي، مشيرا إلى أن هذا النظام معمول به على الأوراق فقط ولا وجود له على أرض الواقع، مبرزا أن غايته كانت توزيع حصص الصيد على السفن وفقًا لجدول زمني محدد، حيث يتم تحديد ترتيب المراكب المشاركة في الصيد باستخدام القرعة أو التناوب.
وتابع أن هناك إقصاء ممنهج من طرف المسؤولين على القطاع لعدد من المهنيين، مشددا على أن من حق المراكب المسجلة في مختلف المدن المغربية كطانطان والعيون وغيرها المشاركة في القرعة ونظام التناوب المعمول به في الداخلة وبوجدور.
ولفت إلى أن بوجدور بدورها تعيش هذه الإشكالية، لافتا إلى أن القرعة بهذا الميناء تذهب لصالح المصانع الناشطة في صناعات سمك السردين، حيث هي من تتكلف باختيار المراكب التي يزيد عددها عن 120 قاربا للاشتغال معها في هذه المصيدة، موضحا أن في هذا الأمر تكون عمليات سمسرة تستفيد منها بعض الأطراف، فيما يكون الضحية دائما المهنيين.
واستطرد أن هناك من يضطر من الربابنة لتأدية مبالغ مالية كبيرة للاشتغال في مصيدة السردين ببوجدور، والتي تصل أحيانا لما يناهز 12 مليون سنتيم أو أكثر، مشيرا إلى أن استمرار هذه الأمور يعكس تمسك وزارة الفلاحة والصيد البحري والمسؤولين فيها بالخطط القائمة وترجيحها لاستمرار النهج الحالي السلبي وغير المرضي بالنسبة للمهنيين.
ولفت المنسق الوطني للبحارة، إلى أن التخبط والاختلالات التي تشوب عمليتي القرعة والتناوب تتحمل مسؤوليتها وزارة الفلاحة والصيد البحري والجهات التابعة لها التي تشرف على القطاع، بسبب عدم تحركها بشكل سريع وناجع لمعالجة الإشكاليات المطروحة، وذلك بالرغم من نداءات ومراسلات المهنيين المتكررة في هذا الجانب.
وأردف أن نظام القرعة أو التناوب وفق ما جاء به عند خروجه، يعتمد على عدة عوامل من شأنها خدمة القطاع والمهنيين، بما في ذلك تحديد حجم ونوع السفن الصيد، والكميات المتاحة من الموارد السمكية، والقوانين واللوائح البيئية وتلك المتعلقة بالصيد محليا ودوليا.
وأوضح المتحدث ذاته، أن هدف هذه العملية في الأصل هو توفير فرص متساوية لجميع الصيادين وضمان استدامة الموارد السمكية، بالإضافة إلى التوزيع العادل للأرباح بين المهنيين، ما سيعود بالنفع والفائدة الاقتصادية لصناعة الصيد البحرية ككل بطريقة عادلة بين المشاركين فيها.
♦ أزمة الصناديق الموحدة
يشير هشام توزينت إلى أنه لا يتم تعميم المشروع الملكي الخاص بالصناديق البلاستيكية الموحدة، مبرزا أن الجهات المسؤولة إما أنها لا توفر هاته الصناديق لمراكب الصيد أو أنها لا تسهر على إلزام بعض الأطراف للعمل بها، وإلى عدم لجوء بعض المجهزين لصناديق أخرى خاصة بهم ضمانا لذهاب المنتجات المصطادة لهم وتجنب توجهها نحو المزايدة بسوق البيع الأول (الدلالة).
وأضاف الكاتب العام للكونفدرالية الوطنية للصيد البحري بالمغرب، أنه إلى جانب بعض المجهزين هناك أطراف أحرى تمتلك صناديق خاصة بها أيضا تعمل وتضغط بقوة من أجل عدم تفعيل وتعميم الصناديق البلاستيكية الموحدة على جميع وكافة أصناف قوارب الصيد البحري.
ولفت إلى أن من شأن توفير هاته الصناديق لجميع قوارب الصيد؛ الحفاظ على جودة المنتجات البحرية وضمان أن تكون هناك شفافية بالنسبة للتجار، وكذا خلال عملية بيع البحارة لمصطاداتهم بأثمنة مناسبة؛ عوض الخضوع للأمر الواقع الذي يفرضه أصحاب الصناديق الخاصة اليوم على المهنيين.
واعتبر أن الصناديق البلاستيكية الموحدة أداة فعالة في مكافحة التهريب والتجارة غير المشروعة، إلى جانب إسهامها في تطوير إدارة الموارد البحرية وحماية البيئة البحرية، وتعزيز الشفافية والمساءلة في القطاع، وتحسين ظروف العمل والحياة للصيادين والعمال المياومين والمعاش والضمان الاجتماعي الخاص بهاته الفئات.
واستطرد أن تنفيذ الصناديق الموحدة يواجه بالفعل تحديات منها التكاليف المالية والتشريعات، إلا أنه يتيح فرصة لتعزيز التعاون بين السلطات والصناعة وتحسين إدارة الموارد البحرية ببلادنا، وبإمكانه في حالة تفعيله بالشكل المطلوب المساهمة في تطوير الاقتصاد الأزرق الذي أشار له الملك محمد السادس في أكثر من خطاب.
وتساءل عن الأسباب الكامنة حول عدم تفعيل برنامج الصناديق البلاستيكية على كافة الموانئ والسفن الصيد المغربية، بعدما كلف الدولة أزيد من 230 مليون درهم على المستوى الوطني، من خلال تجهيز 18 وحدة لتدبير الصناديق، وتوفير 3.5 مليون صندوق واقتناء 24 آلة للغسل، والعمل على تأهيل الموارد البشرية اللازمة لهذا المشروع.
♦ المقترحات المطروحة لتجاوز الإشكاليات
دعا هشام توزينت لضرورة أن يسمح لجميع المراكب الصيد الساحلي صنف السردين في العمل بميناء بوجدور، وعدم ترك الأمر في يد المصانع لتحديد الجهات التي تريد، موضحا أن هذا الأمر يضرب بعرض الحائط مبدأ توزيع الفرص بشكل عادل بين الصيادين وضمان استدامة الموارد البحرية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المحلي.
وشدد على ضرورة تدخل زكية الدريوش، الكاتبة العامة للصيد البحري، بشكل شخصي في هذا الأمر من أجل حل الإشكاليات المرتبطة بالقرعة والتناوب و”الكوطا” المعمول بها بالنسبة لمراكب الصيد أو المصانع المرتبطة بسمك السردين، وكذا استفادة جميع الصيادين من الصناديق البلاستيكية الموحدة للحفاظ على جودة الأسماك وتثمينها، وعدم خضوع البحارة إلى ابتزاز أو ضغط أي طرف.
وأبرز أن قطاع الصيد البحري من أهم القطاعات الاقتصادية التي تساهم بشكل كبير في توفير الغذاء وتعزيز الاقتصاد الوطني، إلا أنه يواجه تحديات بيئية واقتصادية كبيرة، منها التهريب والتجارة غير المشروعة وتدهور البيئة البحرية، داعيا لفتح تحقيق حول مآل ومصير الورش الملكي الخاص باستخدام صناديق الصيد البلاستيكية الموحدة، معتبرا أن ذلك يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز استدامة قطاع الصيد البحري ببلادنا.
وطالب بتنظيم وتنفيذ نظام التناوب بالتعاون بين السلطات والنقابات المهنية وأصحاب السفن وخبراء البيئة والصيادين، بهدف ضمان تفعيله بشكل عادل وفقًا لمتطلبات الصيد المستدام والتشريعات البحرية المحلية والدولية، وبشكل يوفر فرص العمل للصيادين بطريقة عادلة ومتوازنة.
وأكد على ضرورة الشفافية فيما يخص إجراء القرعة ومنح التراخيص سواء للمراكب أو المصانع، مبرزا أن ممثلي غرف الصيد البحري والوزارة الوصية ممثلة في المكتب الوطني للصيد، عليهما العمل على أن تكون الفرص متساوية نحو دخول جميع المراكب من مختلف المناطق للمصايد الموجودة في السواحل الجنوبية للمملكة.