تفجرت مؤخراً فضيحة من العيار الثقيل بالمديرية الإقليمية للتعليم في آسفي، حيث كشفت تقارير إعلامية محلية عن معطيات تتعلق باختلالات إدارية تتعلق بأساتذة أشباح يستفيدون من المال العام دون الحضور لمقرات عملهم، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط التعليمية والحقوقية بالمدينة.
القضية التي اعتُبرت “فضيحة بكل المقاييس”، وفق الأوساط الحقوقية والتعليمة، سلطت الضوء على استفادة بعض الأساتذة من المال العام دون تقديم أي خدمة، وسط غياب واضح للرقابة والمساءلة.
ومن بين الخروقات التي أُثيرت، استفادة زوجة مسؤول إقليمي من وضعية “موظفة شبح” عبر التفرغ النقابي، بينما تفرغت لإدارة مركز خاص يُعنى بالتنمية الذاتية والكوتشينغ، ما أثار استياء النقابة والفاعلين الحقوقيين بالإقليم.
وقد أحدثت هذه القضية انقسامات داخل المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم، العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل، بين تيار يطالب بالتصعيد ضد المديرية الإقليمية عبر إصدار بلاغ يكشف تفاصيل هذه الاختلالات للرأي العام، وتيار آخر يفضل التريث وانتظار لقاء المدير الإقليمي محمد الحطاب لمعالجة الوضع.
كما أن اللقاء الذي اقترحه المدير الإقليمي أثار المزيد من الجدل، بعدما رفضت النقابة انعقاده بعد انتهاء التوقيت الإداري الرسمي، معتبرة أنه “محاولة للتملص من المسؤولية”، وأصرت على إجراء اللقاء داخل ساعات العمل لضمان الشفافية.
وأمام اللغط الذي خلقته هذه القضية، تطرح أسئلة ملحة حول دور الأجهزة الرقابية والوزارة الوصية، في وقت يعاني فيه الإقليم من خصاص كبير في الأطر التعليمية، مما يستوجب تحركاً حازماً لضمان الشفافية ومحاسبة المتورطين.
♦الموظفون الأشباح.. خلل بنيوي في قطاع التعليم بآسفي
وصف عبد الرحيم حنامي، رئيس الفرع المحلي بآسفي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب وعضو المكتب التنفيذي للجمعية، قضية الموظفين الأشباح التي تفجرت مؤخراً بمديرية التعليم في آسفي بأنها “كارثة بكل المقاييس” و”تسيب لا مثيل له”.
وفي تصريح لجريدة “شفاف”، أكد حنامي أن هذه القضية تسلط الضوء على خلل بنيوي في تدبير القطاع التعليمي بالإقليم، حيث يتم استنزاف المال العام دون تقديم أي خدمة، في وقت يواجه فيه النظام التعليمي خصاصاً حاداً في الأطر التعليمية.
واعتبر حنامي أن هذه الظاهرة تعود إلى النفوذ الشخصي أو العائلي الذي يتمتع به هؤلاء الموظفون الأشباح، ما يضمن لهم الحماية من المساءلة والمحاسبة، مشيراً إلى أن الجهات الوصية على القطاع تتحمل مسؤولية مباشرة في هذا التسيب.
وتسائل الفاعل الحقوقي، كيف يمكن تفسير صمت المديرية الإقليمية للتعليم والأكاديمية الجهوية بمراكش وحتى الوزارة الوصية على القطاع أمام هذا الخرق؟، خصوصا أن الضحية هنا هو التلميذ أو الطالب الذي يُحرم من حقه في تعليم ذي جودة بسبب غياب الأطر التي يُفترض أنها موجودة ولكنها في الواقع غائبة.
وأكد رئيس الفرع المحلي بآسفي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أن تلك الواقعة كشفت تقصير الجهات الرقابية التابعة للوزارة الوصية في أداء دورها، حيث لم يتم التحرك إلا بعد أن فضح أحد الموقع هذه القضية، لتبادر الوزارة بعد ذلك إلى إرسال لجنة للتقصي دون أن تُصدر أي بيان رسمي يوضح للرأي العام تفاصيل هذه الفضيحة والإجراءات التي سيتم اتخاذها لمعالجتها.
وتسائل حنامي: أين كانت هذه الأجهزة الرقابية طوال الفترة الماضية؟ ولماذا لم تتحرك إلا بعد أن تم الكشف عن القضية من طرف الصحافة؟، مبرزا أن هذا الوضع يعكس غياب الحزم والشفافية في تدبير القطاع.
اتهامات للمديرية الإقليمية للتعليم بآسفي بالتخبط والعشوائية وممارسة خروقات في صفقات المطعمة
♦مطالب بالمحاسبة
وأبان حنامي أن الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، باعتبارها إطاراً حقوقياً، ستطالب بتطبيق كافة الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة في هذا الملف، مشدداً على ضرورة محاسبة كل من تورط في التلاعب بالمال العام أو الإضرار بحق المواطنين في التعليم.
وتابع قالا: “لا يمكن السكوت عن هذا الوضع. المال العام ليس ملكاً شخصياً لأي أحد، وحق المواطنين في التعليم هو ركيزة أساسية للتنمية، وأي تهاون في هذا الجانب يعني تدمير مستقبل الأجيال القادمة.”
وأشار المتحدث، إلى أن الجمعية سبق لها أن أصدرت تقارير مفصلة حول العديد من الاختلالات في قطاع التعليم بآسفي، بما في ذلك بيانات تنديدية ومراسلات موجهة إلى الأكاديمية الجهوية بمراكش ووزارة التعليم بالرباط.
وأضاف: ” أن تقارير الجمعية لم تكتفي بالإشارة إلى قضية الموظفين الأشباح فقط، بل سلطت الضوء أيضاً على خروقات أخرى، من بينها تلك المرتبطة بالكلية متعددة التخصصات بآسفي. ورغم ذلك، لا زلنا ننتظر أي تفاعل جاد من الجهات المعنية.”
ولفت حنامي إلى أن الجمعية لاحظت بطئاً كبيراً في تدخل الجهات المسؤولة، وهو أمر يدعو للاستغراب، خاصة أن هذه الخروقات ليست جديدة وتم التحذير منها مراراً. مردفا أن “بطء التفاعل هذا يجعلنا نتساءل عن مدى الجدية في محاربة الفساد والاختلالات التي تنخر القطاع.” ومشددا على أنه يجب أن تكون هناك إرادة سياسية واضحة لوضع حد لهذه التجاوزات.
♦تفعيل آليات الرقابة
وفي سياق متصل، دعا حنامي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة لمعالجة هذا الوضع، مشيراً إلى أن أي تأخر في التصدي لهذه الظاهرة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة.
وأكد أن الحل لا يقتصر فقط على محاسبة الموظفين الأشباح، بل يجب أن يشمل أيضاً تعزيز آليات الرقابة وإصلاح هيكلة القطاع التعليمي لضمان الشفافية والمساءلة.
وقال: “لا يمكن أن نحقق إصلاحاً حقيقياً للمنظومة التعليمية دون وضع آليات صارمة لمراقبة الموارد البشرية ومحاسبة المسؤولين عن الاختلالات.”
وأضاف الفاعل الحقوقي، أن هذه القضية ليست مجرد مسألة إدارية أو مالية، بل هي قضية حقوقية بامتياز. حيث أن الحق في التعليم هو حق دستوري، وأي انتهاك له يعني انتهاكاً لحقوق الإنسان.
ووفق قول المتحدث، فإن الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان لن نتوقف عن متابعة هذا الملف حتى يتم محاسبة جميع المتورطين فيه وضمان عدم تكرار هذه الظاهرة.
وأنهى حنامي تصريحه بالتأكيد على أن إصلاح قطاع التعليم في آسفي، وفي المغرب بشكل عام، يتطلب رؤية شاملة وإجراءات عملية واضحة. قائلا: لا يمكن أن نتحدث عن التنمية أو العدالة الاجتماعية في ظل استمرار مثل هذه الاختلالات. ومبرزا أن المسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع الحكومة، الوزارة الوصية، الهيئات الرقابية، والمجتمع المدني. ومؤكدا أنه إذا لم يتحد الجميع لمعالجة هذا الوضع، فإن هذا يدل على خيانة للأجيال القادمة وتقويض لمستقبل الوطن.