مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يتجدد القلق الشعبي إزاء استمرار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء التي باتت تشكل عبئًا متزايدًا على القدرة الشرائية للأسر المغربية، حيث لامس سعر الكيلوغرام الواحد من لحوم الأبقار 130 درهمًا في العديد من الأسواق الوطنية، بينما تجاوز ثمن لحوم الأغنام سقف 150 درهمًا للكلغ.
وتعكس هذه الأرقام، ضغطًا اقتصاديًا ملحوظًا، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حيوية حول فعالية التدابير الحكومية التي تهدف إلى كبح جماح هذه الأسعار، وذلك مع إعادة إطلاق الحكومة لسلسلة إجراءات استثنائية للعام الثالث على التوالي، مثل الإعفاء المؤقت من ضريبة القيمة المضافة وتعليق ضريبة الاستيراد على المواشي واللحوم المستوردة، وهو ما يطرح التساؤل عن مدى إمكانية إحداث هذه التدابير لفرق ملموسًا في استقرار الأسعار خلال الشهر الفضيل.
♦ الإعفاءات الجمركية ودعم الاستيراد
في إطار جهودها للحد من ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء وضمان توفرها بكميات كافية في الأسواق الوطنية، أعلنت الحكومة عن سلسلة من التدابير التحفيزية؛ تشمل إعفاءات جمركية وضريبية واسعة النطاق، ومن بين أهم هذه التدابير؛ تمديد الإعفاء الضريبي لمستوردي المواشي المعدة للذبح واللحوم الحمراء الطازجة، والذي يشمل ضريبة القيمة المضافة ورسوم الاستيراد، وذلك خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير الجاري إلى 31 دجنبر القادم.
وفي خطوة تهدف إلى تعزيز العرض المحلي وكبح الأسعار، أُعلن في إطار قانون المالية لسنة 2025، عن تعليق رسم الاستيراد هذا العام على نحو 150 ألف رأس من الأبقار، و700 ألف رأس من الأغنام، و20 ألف رأس ماعز، و15 ألف رأس من الجمال، و40 ألف طن من اللحوم الحمراء الطازجة، وهو ما اعتبر تدخلًا استراتيجيًا لتخفيف الضغط على الإنتاج المحلي.
ومن جهة أخرى، وسّعت الحكومة نطاق الدول التي يمكن الاستيراد منها لتشمل 15 دولة جديدة؛ منها أستراليا وكندا ونيوزيلندا والأرجنتين والأوروغواي والبرازيل، وذلك وفقًا لتوصيات المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا)، بهدف تنويع مصادر التوريد وضمان احترام المعايير الصحية المعمول بها في المغرب، وتوفر الكميات الكافية في الأسواق الوطنية.
وتظهر هذه التدابير التزامًا واضحًا من الحكومة بمعالجة تحديات الأمن الغذائي خلال مواسم الطلب المرتفع مثلما هو الأمر مع فترة رمضان، ومع ذلك يبقى النجاح مرهونًا بمدى قدرتها على ضمان وصول هذه اللحوم بأسعار تنافسية للمستهلك، وتجاوز التحديات اللوجستية التي تواجه المستوردين والتجار.
♦ الأسعار المرتقبة خلال رمضان
أبرز هشام الجوابري، الكاتب الجهوي لتجار اللحوم بالجملة والمجازر الحضرية بالدار البيضاء، أنه بالنسبة للجهود التي تبذلها الحكومة، ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وكذا المستوردين المغاربة؛ فجميعهم يعملون حاليًا لضمان استقرار الأسعار خلال شهر رمضان المبارك.
وقال الجوابري في تصريح لجريدة “شفاف”، إن جميع المتدخلين في القطاع يأملون ألا يكون هناك ارتفاع كبير في أسعار اللحوم الحمراء خلال رمضان، ولكن في المقابل لا يتوقع حدوث انخفاض هام أيضًا.
وأضاف الكاتب الجهوي لتجار اللحوم بالجملة والمجازر الحضرية بالدار البيضاء، أن المؤشرات في السوق العالمية حاليًا لا تبشر بانخفاض الأسعار، موضحا أن الاستقرار في الأثمنة هو الهدف الذي يجري العمل حاليا على تحقيقه.
ونبه إلى أن العمليات الحالية، مثل استيراد الأبقار والأغنام، تساهم في استقرار الأسعار ضمن الحدود المعروفة اليوم، مشيرا إلى أنه لولا الجهود الحكومية، مثل الإعفاءات الجمركية، لكانت الأسعار أعلى بكثير مما هي عليه الآن.
♦ وضعية السوق
يشير هشام الجوابري إلى أن سعر لحوم الأبقار بالتقسيط تتراوح حاليا في أغلب مناطق المغرب ما بين 80 و120 درهمًا، والغنم بين 130 و150 درهمًا، مشددا على أنه لولا الجهود المبذولة، لكانت الأسعار قد تصل إلى 200 درهم للكيلوغرام الواحد بسبب نقص الإنتاج المحلي.
وأضاف أنه بخصوص لحوم المواشي المستوردة في أسواق الجملة؛ تباع عجول البرازيل ما بين 70 و75 درهمًا للكلغ، وعجول إسبانيا ما بين 78 و90 درهمًا للكلغ، وأنه بعد إضافة هامش الربح في المحلات التجارية الذي يقارب 10 دراهم في الأغلب، تصل الأسعار للمستهلك إلى ما بين 80 و115 درهمًا حسب النوع.
وأردف المتحدث ذاته، أن الإنتاج المحلي قليل جدًا بسبب الظروف الحالية، مثل توالي سنوات الجفاف، مبرزا أنهم في انتظار نتائج الإحصاءات الحكومية لتحديد الأرقام الدقيقة لعدد رؤوس القطيع الوطني.
♦ معالجة العجز وتراجع الأسعار
أوضح هشام الجوابري أن الحكومة تدعم المستوردين من أجل استقدام آلاف رؤوس المواشي لتغطية الطلب خلال شهر رمضان، وتؤكد استعدادها للتدخل عند الحاجة، مبرزا أن الأسابيع الماضية شهدت مجموعة من الاجتماعات للجهات الوصية عن القطاع مع المهنيين للاستعداد للمرحلة المقبلة؛ لتلبية حاجيات المغاربة من اللحوم الحمراء.
وشدد على أنه من الحلول المطروحة لتجاوز العجز الحاصل والارتفاع المستمر في أسعار اللحوم الحمراء؛ النظر في إلغاء شعيرة عيد الأضحى لهذه السنة فقط، ومنع ذبح إناث الماشية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات لإنعاش القطيع الوطني من المواشي، بالإضافة إلى فتح أسواق جديدة للاستيراد ودعم الفلاحين ماليًا.
وأكد الكاتب الجهوي لتجار اللحوم بالجملة والمجازر الحضرية بالدار البيضاء، على ضرورة دعم القطاع الفلاحي وضمان استقرار الأسعار من خلال توفير الأعلاف بأسعار رمزية، ودعم الفلاحين بشكل مباشر للحفاظ على الثروة الحيوانية الوطنية، خصوصًا في ظل تحديات الجفاف المستمرة.