أعاد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحد الأمريكية لفترة جديدة؛ الحديث عن الانعكاسات المرتقبة لهذا الأمر على العلاقات بين واشنطن والرباط وأثر ذلك على قضية الصحراء المغربية، لاسيما بعدما كان الرجل المرتقب أن يلج البيت الأبيض من جديد في ثاني ولاية له يوم 20 يناير 2025، هو عراب الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على كامل الصحراء، وتجديد دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والواقعي وذي المصداقية، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع المفتعل.
♦ انعكاسات عودة ترامب على المغرب
يرى عبد الواحد أولاد مولود، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن العلاقات الأمريكية المغربية علاقات متجذرة منذ القدم، باعتبار أن الرباط من العواصم الأولى التي اعترفت باستقلال واشنطن سنة 1777، مشيرا إلى أن ذلك كان له انعكاس على مسار العلاقات بين البلدين.
وشدد أولاد مولود على أن المغرب حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في شمال إفريقيا، والحديث عن عودة ترامب للبيت الأبيض مجددا، -والذي كان وراء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء-، لا يمكن إلا أن تكون تحصيل حاصل ولن تأتي بمفاجآت غير منتظرة بالنسبة للرباط.
الدكتور محمد الزهراوي : ما هي انعكاسات عودة ترامب إلى البيت الأبيض على قضية الصحراء؟
وأردف أن الولاية الجديدة لترامب في حالة لم ترسخ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، من خلال إنشاء قنصلية أمريكية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، فإن الحال لن يشهد أي تراجع على مستوى هذا الاعتراف، موضحا أن هذا القرار (الاعتراف) لا يتعلق برئيس أمريكي معين، بل إنما يرتبط بقضية الأمن القومي الأمريكي، والتي لها دلالات جيوستراتيجية تفرض تحقيق نوع من التوازن فيما يتعلق بمصالح واشنطن الخارجية.
وأبرز أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن نزاع الصحراء اليوم يشكل نوعا من العرقلة بالنسبة للدول العظمى، وفي مقدمتها أمريكا، حيث أن كل من الصين وروسيا وتركيا وغيرها من القوى الدولية أصبح لها تغلغل كبير وواضح داخل شمال وجنوب صحراء القارة الإفريقية.
وأضاف أن هذا الاعتراف الأمريكي خلال المرحلة القادمة سيترسخ أكثر، لافتا إلى أنه قبل انتخاب الرئيس السابق جو بايدن في 2020 تساءل الكثيرون عن مستقبل قرار ترامب بشأن اعترافه بمغربية الصحراء، لكن في الأخير تابع الجميع أنه لم يكن أي تراجع أو إلغاء لهذه الخطوة.
قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية.. هكذا كرس القرار انتصار الدبلوماسية المغربية وعرى فشل الجزائر
♦ خطوات الرباط تجاه واشنطن وباقي المؤثرين
دعا عبد الواحد أولاد مولود، إلى ضرورة ضغط المغرب على أمريكا من أجل إنشاء قنصلية لواشنطن بالأقاليم الجنوبية للمملكة، حيث سيكون لذلك تأثير واضح على مستقبل القضية الوطنية، وسيدفع بعديد العواصم العالمية الأخرى لاتخاذ نفس الإجراء، ما سيعجل لا محالة بإنهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل حول قضية الصحراء المغربية.
ولفت إلى أنه على مستوى القانون الدولي، ولاسيما ما يرتبط بقرارات مجلس الأمن الدولي حول ملف الصحراء يلاحظ وجود تطور مهم، والتي جاءت نتيجة انعكاسات العلاقات الدولية المتميزة بين المغرب والقوى العالمية الأخرى المؤثرة داخل المنتظم الدولي كأمريكا وفرنسا.
قضية الصحراء.. هل فشل دي ميستورا في مساعيه لحلحلة الملف وما الخيارات المطروحة؟
وأشار إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي مدد ولاية بعثة “المينورسو” وأشاد بمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها ذات مصداقية وجدية وبالإمكان تنزيلها على أرض الواقع كحل سياسي ناجع لإنهاء هذا الصراع المفتعل؛ تعد تحصيل حاصل لمجموعة من المتغيرات التي حققتها الدبلوماسية المغربية على مستوى علاقاتها ببعض الدول.
وأوضح أن المغرب يراهن على البلدان التي شهدت علاقاته بها تعزيزا ملحوظا وتجديدا لشراكاتها الاستراتيجية معها، مثلما هو الحال مع إسبانيا وفرنسا وأمريكا من أجل تزكية موقفه ومبادرته بخصوص هذه القضية، لافتا لوجود تركيز حالي أيضا لدى الدبلوماسية المغربية على الدول المصطفى إلى جانب أعداء الوحدة الترابية أو تلك الموجودة في موقع حياد كالصين وروسيا باعتبار أن لهما عضوية دائمة بمجلس الأمن الدولية، وذلك بغاية الإعلان عن موقف داعم لسيادة المملكة على صحرائها.
واستطرد أن الرباط ماضية في تحقيق نوع من التقارب مع موسكو وبكين، مشيرا إلى أن ذلك سيكون له انعكاس إيجابي على مصير ملف الصحراء المغربية، ولاسيما أن هذه الأخيرة تشهد تغيرا ملحوظا، مبرزا أن الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة للبرلمان كان واضحا في أن هذه القضية الوطنية انتقلت من فترة التدبير إلى مرحلة التغيير سواءً على مستوى قرارات مجلس الأمن أو فيما يرتبط بعلاقات الرباط مع الدول الفاعلة في المنتظم الدولي، ولاسيما البلدان الإفريقية منها على وجه خاص.
♦ مستقبل القضية خلال ولاية ترامب
يشير عبد الواحد أولاد مولود، إلى أن الحسم النهائي لقضية الصحراء لا يتعلق فقط بولاية ترامب، بل يرتبط بقرار حاسم في هذا الجانب على مستوى مجلس الأمن الدولي، والذي يتطلب حشد مختلف دول العالم للاعتراف بمغربية الصحراء؛ خاصة القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة بالقرارات الدولية ذات الصلة بهذا الموضوع.
وأردف أن الأربع سنوات المقبلة التي سيقود فيها ترامب الشؤون الأمريكية ستكون لها بلا شك انعكاسات إيجابية، لكن العمل يبقى على عاتق المغرب الذي يلزمه الاشتغال أكثر لحشد المزيد من الاعترافات بسيادته على أقاليمه الجنوبية ودعم مبادرته للحكم الذاتي كحل وحيد لهذا الصراع الإقليمي المفتعل.
إحباط مناورة جديدة للجزائر داخل مجلس الأمن لتوسيع صلاحيات “المينورسو” بالصحراء.. ما القصة؟
وشدد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، على ضرورة تفعيل المملكة المغربية لمبادرة الحكم الذاتي عبر ترسيخ نظام الجهوية المتقدمة بالأقاليم الجنوبية للمغرب، لافتا إلى أن هذه الخطوة تعتبر المآل الوحيد لإخراج هذه القضية من النزاع المفتعل الحالي وطي هذا الملف بشكل نهائي.
وأبرز أن ولاية ترامب قد تأتي بأمور إيجابية للمغرب، لكن لا يمكن الجزم بأنها ستكون حاسمة، حيث إن قضية الصحراء المغربية لا ترتبط فقط بالولايات المتحدة الأمريكية، وإنما هي ملف داخل أروقة الأمم المتحدة اليوم، والتي لها اختصاص حاليا في حل هذا النزاع؛ خاصة على مستوى مجلس الأمن الدولي.
ولفت إلى أن واشنطن يمكنها أن تؤثر بشكل أو آخر، لكن المسؤولية في الأخير تبقى على عاتق الرباط من أجل تعزيز موقف سيادتها على صحرائها وحشد الدعم لمبادرتها للحكم الذاتي لدى الدول الأخرى كالصين وبريطانيا وروسيا، حتى تحظى بترافع كامل لمصالحها على مستوى مجلس الأمن الدولي، مبرزا أن إذا تحققت هذه الأمور؛ فسيصدر المجلس قرارًا حاسمًا ونهائيًا لفائدة المغرب بخصوص سيادته على صحرائه.