يتواصل الحديث منذ أشهر عن مستقبل العلاقات بين المغرب وفرنسا، وذلك في ظل مجموعة من الأحداث المتعاقبة التي أبرزت وجود أزمة صامتة بين البلدين، وهو ما يجعل الكثيرين يتساءلون عن مستقبل الشراكات الاستراتيجية التي تربط بين باريس والرباط.
وفي هذا الصدد، يرى عبد النبي صبري، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح لجريدة “شفاف” أن ما تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية اليوم هو نوع من الانتقال من التبعية إلى الشراكة ومن تمت إلى المنافسة، فباريس منذ 3 سنوات الأخيرة، وخصوصا هذا العام صدرت منها مواقف تثير مجموعة من التساؤلات.
وأبرز صبري أن هذه التساؤلات سببها أن فرنسا لم تدرك بعد بأن المغرب بلد تغير، لا من حيث الوقائع على الأرض، ولا فيما يحص جانب الضوابط المؤطرة لذلك، مشيرا إلى أن المملكة اليوم تنوع شراكاتها خارج الشركاء التقليديين مثل باريس، فيما هذه الأخيرة لا تريد مزاحمة من أحد على شراكتها للرباط، معتبرا أن هذا الأمر يبقى غريبا.
وفي السياق ذاته، أضاف أن فرنسا لعهد قريب كانت هي المستثمر التجاري الأول بالمملكة، مستفيدة في ذلك من عدة امتيازات، ما سمح لشركاتها بتصدر المشهد الاقتصادي، إضافة لتدريس اللغة الفرنسية بالبلاد، بالرغم من تراجع هذه الأخيرة على المستوى العلمي في العالم.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن فرنسا صارت تنهج سياسة المساومة والتنصل من الالتزام القانوني والأخلاقي الذي يربطها بالمغرب، في إطار الشراكة الاستراتيجية الثنائية بين البلدين، مضيفا أن باريس لا تريد أن تكون الرباط مستقرة في ظل إقليم مضطرب.
وذكر صبري أن المساومات الفرنسية للمملكة تعددت، والتي كان آخرها العام الماضي، بخلقها لثالوث المصالح برفقة ألمانيا وإسبانيا، مشيرا إلى أن الأخيرين فهما خطئيهما وراجعا أوراقهما سريعا، لكن باريس لا تزال على ذات النهج والسيرة الخاطئتين في هذا الإطار.
وشدد المصدر ذاته، على أن الملك محمد السادس خلال خطابه السامي رفع سقف المطالب عاليا، حينما قال إن على الشركاء الجدد والتقليديين للمملكة الذين يسعون لتقوية العلاقات وازدهارها معها أن يعترفوا بسيادة المغرب على ترابه برا وبحرا وجوا، من خلال الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء.
ولفت أستاذ القانون الدولي، إلى أن فرنسا منذ أن رأت المغرب ترفع هذا السقف، بدأت تلعب على مجموعة من الحبال الملتوية، مبرزا أن ما يصدر عن باريس اليوم من مناوشات يضعها في خانة الشركاء الغير الموثوق بهم، مشددا على ضرورة اعتراف الأخيرة بمغربية الصحراء، حتى يمكن إخراجها من هذا التصنيف أو الوضعية.
وأبرز أن فرنسا على عكس ما تريد التصدير له، لم تعد في مركز قوة على المستوى العالمي كما كانت، فيما المغرب صار اليوم بلدا قوي مؤسساتيا ومتين في بنائه الداخلي ويستثمر في إفريقيا، كما نوَّع في شركائه وأصبح منفتحا على التعامل مع الجميع وفق منطق “رابح – رابح”.
وأكد صبري على أن باريس عليها أن تدرك جيدا أنها إن لم تعترف بالوحدة الترابية للمملكة، فلا يمكن للمغرب أن يذهب معها في أي اتفاق مستقبلي كيف ما كان نوعه، ولن يكون لها أي امتياز على الأراضي المغربية كما كان الأمر سابقا.
وأوضح أن الخطاب الملكي في السنة الماضية، شدد على ضرورة كشف شركاء المملكة ومن يسعى للتعامل معها على مواقفهم بشكل صريح، مثلما فعلت كل من أمريكا وإسبانيا وألمانيا ودول أخرى، موضحا أن المنتظر من فرنسا ليس اللعب على كل من حبل إطالة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وعلى الصراع ما بين المغرب والجزائر، من أجل الحصول على مزايا اقتصادية ترتبط بالغاز أو غيره.
واستطرد قائلا إن الشراكة الاستراتيجية لباريس مع الرباط، ستحقق للأولى مسائل أخرى ذات أهمية كبرى مرتبطة بالتحديات الجيوستراتيجية، مشيرا إلى للمغرب الآن قدرة ونفوذ كبيرين داخل القارة الإفريقية.
ونبه أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي إلى أن فرنسا كما هي معروفة، تعمل على مواصلة التكريس لسياسة التبعية العمياء للدول الإفريقية لها، مع فرض الخضوع لها والعمل على استدامة المشاكل ولو على حساب هذه البلدان، مشيرا إلى المغرب يرفض هذا الأمر، ويتعامل مع جميع الشركاء بمنطق واضح وصريح؛ لا يدعو إلى كل ما من شأنه أن يجعل من العلاقات تعرف هذا المنحى الذي تؤسس له باريس.