تعيش تونس على وقع مخاض سياسي وحقوقي عسير منذ تولي قيس سعيد مقالد الحكم سنة 2019، حيث دخلت البلاد في عهده في خضم انقسام سياسي وركود اقتصادي زكته القرارات الصادرة عن الأخير بحل البرلمان وتقويض صلاحياته، بالإضافة إلى مجموعة من الإقالات والاعتقالات التي همت سياسيين ووزراء ورؤساء سابقين بالإضافة إلى أمنيين وحقوقيين وأمناء عامون لأحزاب سياسة تونسية.
وفي سياق التوتر والتجاذبات بين الرئيس قيس سعيد من جهة والأطراف السياسية والمجتمعة والحقوقية من جهة أخرى، حاورت جريدة “شفاف” فراس بوعصيدة عضو المكتب السياسي لحزب العمل والإنجاز ونائب رئيس مكتب الإعلام، بخصوص الاحداث المتسارعة التي تشهدها تونس حاليا وأثرها على الحريات السياسية والاقتصادية والحقوقية بالبلاد.
كيف تقيمون الوضع السياسي الحالي في تونس؟
أولا، يعتبر حزب العمل والإنجاز أن ما حصل يوم 25 يوليوز هو انقلاب على المؤسسات الشرعية للدولة التونسية. وهذا موقف مبدئي.
في تقديرنا هناك انسداد سياسي تعاني منه السلطة القائمة. ولا يمكن الخروج من هذه الأزمة السياسية إلا بحوار وطني. وهو ما رفضته السلطة القائمة مع جميع الأطراف السياسية، ومع جميع أطراف المجتمع المدني. وهذا ما يعمق الأزمة. ولكن هذا ما وحّد الطبقة السياسة، وجعلها تقدم مراجعات مهمة، من شأنها أن توحد الطبقة السياسة والمواطنين ضد سلطة الأمر الواقع. ولا يفوتنا أن نبين أن هذه الأزمة السياسية لها انعكاسات اجتماعية، قد تعصف بتونس. وهذا ما نخشاه؛ لأن الأزمات الاجتماعية تعصف بالجميع، ويصعب تأطيرها، وتولد الكل ضد الكل… وهذا ما تهرب نحوه السلطة القائمة بسرعة.
ما هو موقف حزب العمل والإنجاز من طريقة تدبير قيس سعيد لشؤون البلاد؟
السيد قيس سعيد له نظرية في الحكم رافضة لكل الأجسام الوسيطة من أحزاب، ومنظمات مجتمع مدني. ويعتبر في خطابه الرسمي أنه الناطق الوحيد باسم الشعب، وأنه لابد من تطهير البلاد من كل المخالفين له، والذين خانوا الشعب على حد قوله.
نحن لا نتبنّى هذا الخطاب التحريضي، المقسّم للتونسيين إلى خونة وصادقين، أيّا كان مصدره. ونعتبر أن ما يجمع التونسيين أكثر بكثير ممّا يفرقهم. ونتبنّى المحافظة على المشترك الوطني؛ من حضارة، وتاريخ، وثقافة. وهذه الفكرة تمثّل ثاني مبادئ الحزب بعد البُعد الوطني.
كذلك نحن نعتبر أن سعيد مهمل للجانب الاقتصادي، وخيارته تخدم فقط اقتصاد الريع، وبعض العائلات المالكة في تونس. هذا الاهمال ضعضع القدرة الشرائية بشكل كبير جدا، وفاقم نسب التضخم حتى تجاوزت 10%، بعد أن كانت لا تتجاوز نسبة 4 %. كما أن سلاسل الانتاج شهدت إرباكا كبيرا، وذلك بانقطاعات متكررة للمواد الأساسية، وهو ما فاقم نسب البطالة، وضيّق الخناق على المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
فيما يخص السياسة الخارجية لسعيد فإن أقلّ ما يقال فيها أنها سياسة متعثرة. ومؤخّرا أضرت تصريحاته العنصرية تجاه إخوتنا الوافدين من جنوب الصحراء بمصالح تونس، وأساءت لصورة تونس في العالم أجمع. والسوق الإفريقية تعتبر سوقا مهمة جدا لتونس. وهذا ليس الخطأ الأول لسعيد في تصريحاته المسيئة لدول صديقة لتونس.
ما موقفكم من صراع سعيد مع حزب النهضة؟ وهل تعتقدون أن هناك محاولات لاجتثاث الإسلام السياسي من تونس على غرار ما حدث مصر؟
تونس ليس فيها خلافات دينية حتى نتحدث مثلا عن مسلمين ومسيحين. وهذا مبحث طويل اشتغلنا عليه كحزب، توصلنا فيه إلى أن فكرة الدفاع عن الدين الإسلامي في تونس قد تكون صالحة في ظل نظام بن علي قبل الثورة. أما بعدها فهذه الفكرة لا تعني شيئا.
يبقى السؤال عمّا يريده سعيد.. سعيد لا يعترف بالأحزاب جميعا. وقد طالت اعتقالاته الجميع. وهو لا يعترف بدستور الثورة. وقام بحل كل مؤسسات الدولة، وخرب الاقتصاد.. أما موضوع حزب حركة النهضة فهو جزء صغير، ونحن نعتبر أن السلطة القائمة تمثل خطرا على كيان الدولة نفسها.
كيف استقبلتم موجة الاعتقالات السياسية في صفوف المعارضة وعلى رأسها اعتقال الغنوشي؟ وهنالك من يتحدث عن أيادي أجنبية تعبث في تونس، وتعرقل الانتقال الديمقراطي في البلاد. هل تتفقون مع هذا الأمر؟
فيما يخص الاعتقالات فقد أصدرنا بيانات مساندة للجميع، ومندّدة بسياسات سعيد القمعيّة.
أما موضوع التدخل الأجنبي فلا دليل واضح عليه، ولا نعتبره يخص اعتقال الأستاذ راشد الغنوشي، ولكن يمكن أن نستشفّه أحيانا في بعض المواقف.. شخصيا لا أميل إلى نظرية المؤامرة.
صرّحتم في أكثر من مرة أن الحل الحقيقي للأزمة يكمن في الإطاحة بمنظومة الحكم الحالية بالكامل. فهل تعتقدون أن الشعب التونسي بإمكانه صناعة ثورة جديدة بعد ثورة الربيع العربي؟
هذا يصعب التنبؤ به. ولكن الواقع الاجتماعي في تونس صعب جدا، وقيس سعيد يُراكم الأخطاء، ونحن نثق في الوعي الجمعي التونسي، والطبقة السياسية تحتاج لمزيد المراجعات الفكرية ولضخ دماء جديدة قادرة على قيادة الوطن إلى الأفضل.
هل تملكون داخل حزب العمل والإنجاز مشروعا وبرنامجا عمليا ملموسا لإخراج تونس من الأزمة؟
فيما يخص الخروج من الأزمة السياسية فنحن قدمنا مبادرة سياسية. ونحن كذلك أوّل من بادر مع الأستاذ أحمد نجيب الشابي إلى تأسيس جبهة الخلاص؛ فنحن من نظم أول لقاء تأسيسي لهذه الجبهة. وعن الشأن الاقتصادي فقد قدمنا الكثير من الحلول، وعقدنا ندوات في الغرض تجدون مخرجاتها على صفحة الحزب، وهي تتضمن تشخيصا للواقع الاقتصادي، وباقة من الحلول العاجلة.
أما على المدى البعيد فنحن واعون منذ التأسيس بأن القلب النابض للحزب هي رؤاه الاقتصادية والقطاعية. والمكتب السياسي للحزب يتكون من ثلاث هيئات، هي: السياسة والإعلام، والبناء الحزبي، والتخطيط الاستراتيجي.
خيارنا الاقتصادي واضح، وهو الخيار الاجتماعي. وقد قمنا بإعداد ميثاق اقتصادي يبيّن الرؤية الاقتصادية للحزب لإنقاذ البلاد والنهوض بالبلاد. وسبق وأن عرضنا هذا الميثاق.
أين يسير الوضع في تونس؟ وهل تتخوفون من أن تصل البلاد إلى نفق مسدود؟
للأسف الشديد السلطة القائمة تسير بتونس وبسرعة قصوى نحو الانسداد ونحو المجهول.
من تعتقدون أنه يقف وراء الأزمة الحالية في تونس؟
هناك مسؤوليات متراكمة. فقد كان للخلافات الإيديولوجية ضرر كبير على العلاقة بين المواطنين والطبقة السياسية، وضرر كبير على البلاد بتغليب الإيديولوجيا على الإصلاحات اللازمة. وهنا يشترك السياسيون أنفسهم، وكذلك الإعلام، في مسؤولية ترذيل المشهد.. حصل اهتزاز في الثقة.. ولكن هذه الثقة المهتزة هي بصدد التعافي؛ لأن السياسيين توحّدوا، وفهموا أن فرقتهم لا تمنحهم ثقة المواطن. كما فهم الإعلاميون الدرس، لأن ما يحدث، يهدّد حريتهم ووجودهم.
ولكن يظل المسؤول الأول والأخير على ذلك هو سعيد؛ لأنه لم يطالب مثلا بانتخابات سابقة لأوانها حتى يتمكن التونسيون من فرز مشهد سياسي أفضل. لكنه أقدم على فعل مجنون، ورّط فيه نفسه، وورّط فيه تونس، حيث قام بحلّ البرلمان، والهيئة العليا لمكافحة الفساد، والمجلس الأعلى للقضاء، وعزل القضاة رغم صدور أحكام من المحكمة الإدارية ضد قراره، وحل المجالس البلدية المنتخبة، وعزل الحكومة، ونصب حكومة غير قانونية دون تزكية برلمانية. وفي هذا كله خرق لدستور الثورة. ثم كتب لنا دستور بنفسه، مرّره دون عتبة، رغم مقاطعة الشعب للاستفتاء بنسبة تتجاوز نسبة 75% على فرضية عدم التزوير.. وهذا كله لا مبرر له.. وأدخل الدولة في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، يصعب الخروج منها، ويدفع ضريبتها المواطن البسيط في معاشه قبل كل شيء.
ما رأيك في استقبال قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو الوهمية؟ وكيف ترون سحب المغرب سفيره من تونس هل هو صحيح أم لا؟ وهل تتوقعون عودة قريبة للعلاقات بين البلدين؟
لا يمكن الجزم فيمن المصيب ومن المخطئ. ولا ننصّب أنفسنا حكما. ولكن الثابت أن هذه التعثرات في السياسة الخارجية التونسية بدأ بليبيا، مرورا بالمغرب، وبعد ذلك بالجزائر، ثم بدول جنوب الصحراء، بل إن الأمم المتحدة لم تسلم من تصريحات سعيد.. هذا الهذيان في السياسة الخارجية لا يمكن أن يخدم تونس، وهذا مؤسف جدا، لأنه حقيقةً لا يعكس طبيعة المجتمع التونسي المنفتحة.