أدى إفلاس أكثر من 1000 شركة برتغالية في قطاع النسيج خلال عام 2024 إلى تداعيات كبيرة على الصناعة الإسبانية، خصوصًا في منطقة جليكية التي تعتبر مركزًا رئيسيًا لصناعة النسيج.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “لاراثون”، تبحث شركات النسيج الإسبانية عن بدائل خارج أوروبا، حيث يبرز المغرب كوجهة مفضلة بفضل قربه الجغرافي وتكاليف الإنتاج التنافسية.
ويأتي هذا التحول, حسب الصحيفة، في وقت تواجه فيه صناعة النسيج الأوروبية ضغوطًا متزايدة من المنافسة العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
والمغرب، وفق التقرير، الذي يُعرف بمرونته الصناعية وسياساته الداعمة للاستثمار، إذ يشكل خيارًا مثاليًا للشركات الإسبانية التي تسعى لتقليل تكاليفها والحفاظ على استمراريتها.
ورغم أن هذا التوجه يوفر فرصًا استثمارية مهمة للمغرب، فإنه يضع الصناعة المحلية أمام تحديات جديدة تتعلق بزيادة قدرتها الإنتاجية والحفاظ على التوازن بين متطلبات السوق المحلي والدولي.
♦إضافة مشروطة
أفاد محمد التازي، الخبير في قطاع النسيج، أن توجه بعض شركات النسيج الإسبانية للاستقرار في المغرب بعد إفلاس العديد من نظيراتها في البرتغال قد يشكل إضافة إيجابية للقطاع، شريطة أن تسهم هذه الشركات في تحقيق قيمة مضافة ملموسة للصناعة المحلية.
وفي تصريحه لجريدة “شفاف”، أوضح التازي أن استقطاب الشركات الأجنبية الباحثة فقط عن العمالة منخفضة التكلفة لا يمكن اعتباره استراتيجية مستدامة، مؤكدًا أن تطوير القطاع يجب أن يعتمد على جذب استثمارات تسهم في تعزيز الابتكار، وتطوير المهارات، وزيادة القدرة التنافسية للصناعة المغربية.
وأكد المتحدث على أنه يجب أن يكون الهدف هو بناء قاعدة إنتاجية داخلية قوية قادرة على دعم الصناعة الوطنية وتحقيق التوازن بين السوق الداخلي والخارجي.
♦تحديات القطاع
وفي السياق ذاته، أوضح التازي، أن قطاع النسيج في المغرب يواجه تحديات كبيرة في ضل التحولات الاقتصادية العالمية، مما يضعه أمام ضرورة إعادة هيكلة سياسته لتجاوز الأزمات الحالية وضمان استمرار القطاع.
وشدد التازي أن أحد أبرز الإشكالات التي تعترض قطاع النسيج المغربي هو التركيز المفرط على التصدير، مع إهمال تطوير السوق الداخلي. مبرزا رغم أن التصدير يشكل رافعة اقتصادية مهمة، إلا أن الاعتماد المفرط عليه دون تعزيز قاعدة إنتاجية محلية مستدامة أدى إلى إضعاف الصناعة في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.
وأشار كذلك إلى أن الصناعة المغربية تعتمد بشكل كبير على المواد الأولية المستوردة، وهو ما يزيد من هشاشتها. قائلا “صناعة النسيج المغربية تشبه جسدًا يسير على رأسه، إذ تركز على التصدير كمحرك رئيسي، بينما تظل قدماها، المتمثلة في السوق الداخلي والمواد الأولية المحلية، ضعيفتين وغير قادرتين على دعم هذا الجسد في أوقات الأزمات”.
وتطرق التازي إلى الدور المحوري الذي تلعبه الشركات الصغيرة والمتوسطة في دعم قطاع النسيج، معتبرًا أنها تمثل العمود الفقري للصناعة المغربية. ومع ذلك، وفق المتحدث، فإن هذه الشركات تواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف الاستثمار في الابتكار وعدم وجود دعم كافٍ لتأمين المواد الأولية.
وأضاف أن هذه التحديات تجعل الشركات المغربية أقل تنافسية مقارنة بنظيراتها العالمية، ما يعرضها لخطر الانهيار في ظل التقلبات الاقتصادية. موضحا “الاكتفاء الذاتي في المواد الأولية وتحفيز الابتكار يجب أن يكونا أولوية وطنية لضمان استدامة هذه الشركات، وبالتالي استدامة الصناعة ككل”.
♦سياسة عكس المتوقع
انتقد التازي السياسات الصناعية المعتمدة في البلاد خلال العقود الماضية، مشيرًا إلى أنها ركزت على تعزيز معدلات التصدير دون تحقيق التوازن المطلوب مع السوق الداخلي. لافتا إلى أن هذه السياسات لم تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة، بل أسهمت في زيادة اعتماد الصناعة على الأسواق الخارجية، مما يجعلها عرضة لتقلبات الاقتصاد العالمي.
وأوضح التازي أن تعزيز السوق المحلي يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تعمل على تنمية القطاعات المرتبطة بإنتاج المواد الأولية، ودعم الصناعات التي تخلق قيمة مضافة عالية. مؤكدا على أن السياسات الحالية بحاجة إلى مراجعة شاملة لتتماشى مع التغيرات الاقتصادية والاحتياجات المحلية.
وشدد التازي على ضرورة اعتماد استراتيجية متوازنة تجمع بين تعزيز التصدير وتنمية السوق المحلي. مؤكدا على ن المغرب يمتلك إمكانيات كبيرة لتطوير هذه الصناعة، بفضل موقعه الجغرافي المتميز وتوفر عمالة ماهرة، لكنه بحاجة إلى استثمارات مستدامة تدعم الصناعات المحلية وتحقق الاكتفاء الذاتي في المواد الأولية.
وأوضح أن القطاع بحاجة إلى تعزيز الابتكار ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم حوافز ضريبية وتمويلات ميسرة. داعيا إلى اعتماد سياسات تشجع على تطوير الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مما سيسهم في تحسين تنافسية الصناعة المغربية على المستوى العالمي.
واختتم التازي تصريحه بالتأكيد على أن أي استراتيجية ناجحة لتطوير قطاع النسيج يجب أن تنطلق من الداخل، حيث السوق المحلي هو القاعدة الأساسية التي يمكن أن تُبنى عليها صناعة مستدامة وقادرة على المنافسة عالميًا. مبرزا أنه إذا لم يتم تعزيز هذه القاعدة، ستظل الصناعة المغربية رهينة للتقلبات العالمية وغير قادرة على تحقيق النمو المطلوب.
وأضاف أن تحقيق التوازن بين السوق الداخلي والخارجي يمثل المفتاح لضمان استدامة قطاع النسيج المغربي. ودعا إلى تبني رؤية صناعية شاملة تأخذ بعين الاعتبار أهمية الابتكار والاكتفاء الذاتي في المواد الأولية، مما سيتيح للصناعة المغربية أن تصبح نموذجًا يحتذى به في المنطقة.