في سياق جيوسياسي دولي متقلب، تنشر مؤسسة “هيريتدج” الأمريكية المحافظة مقالة ذات حمولة أمنية دقيقة بقلم الخبير الأمريكي روبرت غرينواي، المدير الحالي لمركز أليسون للأمن القومي، والنائب المساعد السابق للرئيس الأمريكي ومدير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي.
والمقال الذي نُشر على موقع “The Daily Signal“، يدعو فيه غرينواي صراحة إلى إدراج جبهة البوليساريو في قائمة التنظيمات الإرهابية، بالنظر إلى تحوّلها إلى وكيل إقليمي لصالح إيران وروسيا، ولارتباطها الوثيق بشبكات التهريب والإرهاب العابر للصحراء الكبرى.
ويندرج هذا التحليل في خضم تنامي إدراك الولايات المتحدة لخطورة تهاونها الطويل مع أنشطة البوليساريو المسلحة، لا سيما بعد تورطها في عمليات تهدد استقرار الساحل والضفة الجنوبية لحلف الناتو، حيث يحمل المقال تحذيرًا صريحًا، مبرزا أنه إذا لم تتحرك واشنطن الآن، فإنها قد تدفع الثمن لاحقًا؛ أمنيًا واستراتيجيًا.
♦ تهديدات متراكمة
يستحضر غرينواي بداية حادثة إسقاط طائرتين أمريكيتين تابعتين لوكالة التنمية الدولية سنة 1988 بصواريخ البوليساريو، ما أدى إلى مقتل خمسة أمريكيين، دون أن تتخذ واشنطن حينها أي إجراءات عقابية.
غير أن السياق وفقه اليوم تغيّر بشكل جوهري، ويستدعي تصحيح هذا التجاهل، خصوصًا بعد إعلان الجبهة في نونبر 2020 انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، وإعلان الصحراء المغربية “منطقة حرب”، مرفقة بتهديدات تمس القنصليات الأجنبية وشركات الطيران والمستثمرين.
Call Polisario What It Is: A Terrorist Organization https://t.co/LMSFyubnuT
— Robert Greenway (@RC_Greenway) May 21, 2025
ويركز غرينواي على ثلاثة محاور يعتبرها أعمدة الدعم الأساسي للبوليساريو، وهي: الدعم العسكري الإيراني، والارتباط بشبكات النفوذ الروسية، والانخراط في اقتصاد التهريب العابر للصحراء، وكل ذلك تحت غطاء الحماية الجزائرية.
الجزائر، وفق المقال، تحتضن القيادة المركزية للجبهة ومخيمات تضم وحدات عسكرية كبيرة في تندوف، خارج نطاق المراقبة الدولية والمغربية.
وأشار المدير الحالي لمركز أليسون للأمن القومي، إلى أن هذا الملاذ الآمن يُمكّن البوليساريو من تطوير ترسانتها، وتأمين دعم لوجستي ومالي خارجي دون مخاطرة مباشرة.
♦ دعم إيراني ثابت
يرى غرينواي أن طهران تجاوزت مرحلة الدعم الأيديولوجي إلى تقديم الدعم التقني والعسكري المباشر، إذ منذ سنة 2018، وثّقت تقارير وجود ضباط من حزب الله في تندوف لتدريب عناصر الجبهة.
وأوضح المدير الحالي لمركز أليسون للأمن القومي، أن قنوات البوليساريو نشرت سنة 2023 صورًا لأسلحة تُطابق مواصفات الذخائر الإيرانية.
بين تسليح البوليساريو وطلب الوساطة لرأب الصدع مع المغرب .. هل تسعى إيران لإبتزاز المملكة ؟
وتابع أن مصادر استخباراتية ألمانية تحدثت عن محادثة مشفرة بين ممثل البوليساريو ومبعوث من حزب الله، عبّر فيها عن دعمه لهجوم حماس على إسرائيل، مع وعود بتوسيع رقعة “المقاومة” في الصحراء المغربية.
♦ ارتباط روسي متصاعد
منذ سنة 2015، شارك ممثلو البوليساريو بانتظام في مؤتمرات تنظمها حركة مناهضة العولمة الروسية الممولة من الكرملين، والتي تشكل واجهة لنفوذ جهاز الاستخبارات الروسي (FSB).
ولفت النائب المساعد السابق للرئيس الأمريكي ومدير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي، إلى أن إحدى الصور الموثقة سنة 2016 تظهر ممثل البوليساريو في موسكو إلى جانب مقاتلين سابقين في دونباس.
وذكر أن العناصر المذكورة هي التي اعتمدت عليها مجموعة “فاغنر” لاحقًا في سوريا، ومع تنامي وجود فاغنر في مالي والنيجر، تشكّل ممرات التهريب التي تديرها البوليساريو قنوات لوجستية محتملة للنفوذ الروسي جنوب المتوسط.
♦ اقتصاد التهريب
يكشف المقال عن دور البوليساريو في إدارة اقتصاد غير شرعي عابر للصحراء، يتقاطع مع شبكات تمويل الإرهاب.
وتشمل العمليات نقل الحشيش من الجنوب نحو الشرق، والكوكايين من الجنوب نحو الشمال، والأسلحة من ليبيا نحو الغرب.
وفق المصدر ذاته، تفرض الجبهة ضرائب على هذه الطرق، مما يدعم جماعات مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
ويبرز غرينواي أن دراسات سابقة لهيئات بحثية أمريكية وأوروبية وثّقت كيف أن قوافل تديرها عناصر من البوليساريو مكنت من تمويل عمليات إرهابية في الساحل، وأن هذه الشبكات ما تزال نشطة في تندوف.
♦ من التمرد إلى الإرهاب
يعتبر غرينواي أن تحول البوليساريو من حركة انفصالية إلى كيان وظيفي ضمن شبكات الإرهاب لم يعد موضع شك، ويستشهد على ذلك بمسار الإرهابي عدنان أبو الوليد الصحراوي، الذي تدرب في صفوف الجبهة قبل أن يؤسس فرع “داعش” في الساحل.
وأكد أن لغة التهديد التي تعتمدها البوليساريو ضد الشركات الغربية ازدادت حدة، وصولاً إلى إعلانها في أبريل 2025 أن كل من يدخل الصحراء المغربية، سواءً سائحًا أو مستثمرًا، لم يعد يُعتبر “مدنيًا”.
ويرى صاحب المقال أن الخطر الداهم يتطلب من واشنطن اتخاذ إجراءات حاسمة، أولها تصنيف جبهة البوليساريو كـ”منظمة إرهابية عالمية مصنفة بشكل خاص” بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224.
ولفت إلى أن هذا التصنيف، سيمنح السلطات الأمريكية صلاحيات تجميد أصول الجبهة، وفرض قيود على أنشطتها المالية، وإرسال رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع تمدد الوكلاء الإرهابيين في جوارها الاستراتيجي.
قاعدة عسكرية في جنوب الصحراء.. هل يعيد المغرب رسم خريطة الأمن في الساحل؟
وشدد على أن إخفاق أمريكا في التعامل مع الحوثيين مبكرًا كلّفها لاحقًا ثمنًا باهظًا، وأن تكرار الخطأ مع البوليساريو سيؤدي إلى نفس السيناريو، وربما أسوأ، نظرًا لحساسية الموقع الجغرافي وقربه من أوروبا.
ويضع روبرت غرينواي أمام صانع القرار الأمريكي معادلة واضحة؛ تتمثل في الاستمرار في التغاضي عن تهديد البوليساريو، أو التحرك الجاد لتجفيف منابع الإرهاب في الضفة الجنوبية لأوروبا.
وزاد قائلا إنه بينما تواصل واشنطن دعمها لخطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد واقعي، فإن هذا الخيار السياسي لا بد أن يُدعم بموقف أمني حازم ينسجم مع تحولات الميدان.
ونبه إلى أن تجاهل ما يجري اليوم في الصحراء المغربية، يهدد بجعلها نسخة أخرى من اليمن أو الساحل، في قلب المجال الحيوي لحلف شمال الأطلسي.

