بعد مرور قرابة السنتين والنصف، تعود الهزة الأرضية التي ضربت أمس الإثنين إقليم وزان، لتوقظ في نفوس المغاربة ذكريات لم تنتهِ من وقعها، لتعيد إلى السطح مخاوف عميقة متعلقة بمأساة زلزال الحوز (6.8 درجات ريشتر)، حيث أجبر هذا الحدث الأسر في عدة مدن على التخلي عن منازلها وقضاء ليلة بيضاء، ما يطرح تساؤل ملح حول الآليات النفسية الاجتماعية التي تُعيد تنشيط هذه المخاوف، وكيفية العمل على تذليل آثارها لتأمين استقرار النفس والمجتمع في مواجهة الكوارث الطبيعية.
♦ ردود الفعل النفسية والتراكمات الاجتماعية
أبرز فؤاد اليعقوبي، الباحث في علم النفس الاجتماعي، أنه في ظل الهزة الأرضية التي وقعت مساء أمس الإثنين؛ البالغة قوتها 5.2 درجات، -والتي رغم كونها أقل شدة من زلزال الحوز الذي خلّف آلاف الضحايا-، يُلاحظ عودة مشاعر الخوف والقلق لدى المجتمع المغربي.
وقال اليعقوبي في تصريح لجريدة “شفاف”، إن مظاهر الخوف التي برزت عقب هذا الحدث ليست رد فعل مباشر على قوة الهزة، بل نتيجة تراكمات نفسية اجتماعية عميقة تثبت نفسها في الفرد، مشيرا إلى أن التجارب المؤلمة التي عاشها المغاربة مع حالة زلزال الحوز، ستؤدي لا محالة إلى ردود فعل مبالغ فيها عند حدوث أي هزة أرضية بسيطة.
وأشار إلى أن ردود الفعل هذه مرتبطة بآليات التنشئة الاجتماعية، موضحا أن تنشئة الفرد تبدأ في الأسرة حيث تُزرع المخاوف منذ الصغر، ثم تُقوى تأثيراتها التجارب المدرسية والعلاقات بين الأصدقاء والزملاء.
وأردف أنه منذ الصغر، هناك ارتباط بين الهلع والخوف من التربية الوالدية (الأبوين)؛ عندما يقوم الطفل بتصرفات طبيعية في سنه، يتم ترهيبه وتخويفه، ما يترك تراكمات رمزية وتخيلات لدى الطفل في تلك السن الصغيرة، لأنه يؤمن بما هو مادي، وليس بما هو رمزي.
صدمة ما بعد الزالزال.. ارتدادات نفسية تطال الناجين والمشاركين في عمليات الإنقاذ
واستطرد أنه كذلك في المدرسة، هناك ترهيب وتخويف له تأثير نفسي اجتماعي على الطفل على مدى حياته، مضيفا أن مستوى التنشئة الاجتماعية الثالثة، -الذي يأتي بعد الأسرة والمدرسة-، يرتبط بالأقران أو ما يتعلق بتبادل الأفكار بين نفس الفئة السنية من الأطفال؛ الذي يجلبون معهم الحمولة الفكرية والتربوية لآبائهم ومدرستهم.
ونبه إلى أنه الطفل دائمًا ما يكون لديه نماذج، مثل والده في المنزل أو أمه أو أخيه الكبير، موضحا أن هذه التراكمات تجعل لديه ترسبات وتراكمات فكرية في مخيلته، وتثبيتات نفسية تكبر معه حتى هذه اللحظة التي عشناها بالأمس في الهزة الأرضية الخاصة بوزان.
ويرى أن استجابة الإنسان النفسية تجاه الكوارث تختلف، مبرزا أن هذه المخاوف يمكن تحليلها من جانب التثبيت النفسي لما حدث في زلزال الحوز أو زلزال تركيا أو حتى الحرب في فلسطين، منبها إلى أن الصور التي نقلها الإعلام بخصوص هاته الأحداث كان لها تأثير كبير وواضح في هذا الجانب.
وأكد على أن هناك تثبيت نفسي ورهاب نفسي من الوقوع في مثل هذه الأشياء، إضافة لخوف طبيعي على الأبناء، مشيرا إلى أنه من جهة أخرى فقلق الفراق وقلق الموت، فهما مرتبطان بشكل مباشر بالموت؛ الذي يرى فيه البعض أنه نهاية كل شيء، بينما ينظر له آخرون بأنه جزء طبيعي من الحياة.
ولفت الباحث في علم النفس الاجتماعي، إلى أن المثل الشعبي “اللي عضو لحنش كيخاف من الحبل” يُعبّر بشكل مجازي عن هذه العملية، إذ أن التجارب المبكرة تترك بصمة تجعل الإنسان يتوقع حدوث ما يخشاه في المستقبل.
وتابع أن المخاوف الحالية ليست مجرد استجابة لقوة الهزة، بل تشمل جوانب أعمق كقلق الموت وقلق الفراق، مبرزا أن خوف الإنسان من فقدان أحبائه أو من الموت هو رد فعل طبيعي، إلا أن هذه المخاوف تتضخم نتيجة التثبيت النفسي الذي يحدث عند تعرض الأفراد لمشاهد مأساوية، سواءً بشكل مباشر أو عبر وسائل الإعلام، مما يجعل الخوف يظهر بصورة أكثر حدة حتى في ظل أحداث أقل قوة.
♦ مواجهة التحديات النفسية
دعا فؤاد اليعقوبي إلى تبني مقاربة شاملة تجمع بين التدخلات النفسية الاجتماعية والثقافية، تؤدي إلى بناء مجتمع قادر على التكيّف مع الصدمات والكوارث المستقبلية سواءً تلك المرتقبة أو غير المنتظرة منها.
وأكد على ضرورة عمل الجميع كأفراد ومؤسسات لبناء مجتمع يتمتع بالثقة والقدرة على مواجهة التحديات، بحيث لا يكون الخوف رد فعل فوري ومبالغ فيه، بل استجابة مدروسة ترتكز على فهم عميق للتجارب الماضية.
وأشار اليعقوبي إلى أن التعامل مع هذه المخاوف يتطلب تضافر جهود المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، لافتا إلى أنه يجب على الدولة أن تعطي أهمية لتخصص علم النفس الاجتماعي، وأن تنظم ندوات وحملات توعوية تهدف إلى تعديل السلوك وتصحيح المفاهيم الموروثة.
ونادى بضرورة أن يكون هناك حضور قوي لعلم النفس الاجتماعي في المشهد السياسي والإعلامي، من خلال توقيع اتفاقيات وبروتوكولات مع الأخصائيين النفسيين، لتعميم الندوات والمحاضرات التي تعرف بعلم النفس الاجتماعي ودوره في تعديل السلوك.
الدكتورة إيمان أوخير تبرز مدى تأثير التغيرات وأهمية استمرار المواكبة النفسية لمتضرري الزلزال
وأوضح الباحث في علم النفس الاجتماعي، أن تعزيز الوعي بهذا التخصص سيسهم في تقليل الأحكام المسبقة والأفكار النمطية، ويساعد المواطنين على استجابتهم للأحداث الكارثية بطريقة أكثر توازنًا ووعيًا.
وشدد المتحدث ذاته، على أهمية فهم البعد النفسي الاجتماعي للكوارث الطبيعية، مطالبا بتكثيف الجهود التوعوية والتدخلات العلاجية الجماعية لتعزيز استقرار المجتمع المغربي في مواجهة التحديات المستقبلية.
واعتبر أن العمل على تعديل السلوك من خلال حملات توعوية وتدخلات علاجية جماعية يعد أمرًا ضروريًا لإعادة بناء الثقة والاستقرار النفسي لدى الأفراد، مما يساهم في إعداد المجتمع لمواجهة الكوارث المستقبلية بفعالية.