شهدت سوريا سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من الصراع المسلح مع قوى المعارضة الثورية، و يحمل هذا الحدث أبعادا عميقة على المستويين المحلي والإقليمي، والذي أتى بعد صعود المعارضة بقيادة أبو محمد الجولاني(أحمد حسين الشرع) ، القائد الميداني لهيئة تحرير الشام، فما هي العوامل التي أسهمت في سقوط النظام؟ وكيف يمكن فهم انتصار المعارضة بقيادة الجولاني؟
-عوامل سقوط نظام الأسد
ساهمت عدة عوامل في سقوط نظام بشار الأسد نوجزها فيما يلي:
- استنزاف الموارد الاقتصادية والعسكرية للنظام حيث أدت سنوات الحرب الطويلة إلى إنهاك النظام السوري على المستويين الاقتصادي والعسكري.
- فقدان السيطرة على الموارد الطبيعية خاصة النفط والغاز في الشمال الشرقي والعقوبات الدولية وتدمير البنية التحتية بحيث أصبح النظام عاجزا عن تمويل عملياته العسكرية أو تلبية احتياجات مواطنيه.
- التغيرات الدولية والإقليمية: تراجعت حدة الدعم الدولي للنظام مع تغير أولويات الفاعلين الدوليين. بدءا بروسيا، الحليف الأساسي للأسد، والتي وجدت نفسها غارقة في نزاعات أخرى، مثل الحرب مع جارتها أوكرانيا، التي كما صرح ترامب فقدت قرابة 600 ألف مقاتل بالحرب الروسية الأوكرانية، ما قلل من قدرتها على تقديم الدعم العسكري والاقتصادي الحاسم، بالإضافة لإيران أيضا و التي واجهت و تواجه تحديات داخلية وخارجية حدت من نفوذها (الحرب على غزة و لبنان و الهجمات الإسرائيلية…)، دون إغفال القضاء على حزب الله وقدراته العسكرية والذي يعتبر المنفذ الرئيس للسياسة الخارجية الإيرانية بالمنطقة ويخضع لنفوذها ويتم تمويله رسميا من طرف الدولة الايرانية.
- تصاعد قوة المعارضة المسلحة وتنظيمها بقيادة هيئة تحرير الشام، بحيث أنها حققت نوعا من الاستقرار في مناطق سيطرتها، فقد أصبح لها جيش نظامي وإدارة حكومية تقوم بالمهام التي تتعلق بسير حياة المواطنين مما أكسبها دعما شعبيا متزايدا، وكذلك تنظيمها الداخلي ونجاحها في إدارة المناطق المحررة خلق نموذجا مقبولا لدى شريحة واسعة من الشعب السوري الذي سئم من حكم بشار الأسد.
- الانقسامات الداخلية في النظام: ازدادت الخلافات داخل أجنحة النظام السوري، خاصة بين العناصر الأمنية والعسكرية؛ هذه الانقسامات أدت إلى انهيار متسارع في مواجهة المعارضة التي نجحت في توجيه ضربات استراتيجية وتقدم كبير على الأرض.
- الدعم الإقليمي: حصلت المعارضة على دعم محدود من بعض القوى الإقليمية وبالأخص تركيا وبعض الدول العربية، التي رأت في سقوط الأسد فرصة لتقليل نفوذ إيران وروسيا في المنطقة، وهذا الدعم رغم أنه لم يكن علنيا بالكامل، لعب دورا كبيرا في تعزيز قدرات المعارضة وتقدمها نحو دمشق واسقاط نظام الأسد.
- الخطاب السياسي المتغير: عمل أحمد الشرع (الجولاني) على تحسين صورة المعارضة دوليا من خلال تبني خطاب سياسي أكثر براغماتية، وهذا التوجه ساعد في نزع صفة التطرف والإرهاب عن حركته وكسب تعاطف بعض الدوائر الغربية، علما أن حركته ما زالت مصنفة أمريكيا ضمن لوائح الحركات الإرهابية، كما أن المكافأة المالية لمن يقدم أية معلومات عنه والمقدرة بحوالي 10 مليون دولار لازالت سارية المفعول.
إن سقوط النظام السوري يفتح الباب أمام فترة انتقالية مليئة بالتحديات والمخاطر، ويضع المعارضة السورية المنتصرة بين سندان إرضاء تطلعات الشعب السوري للحرية والكرامة والديمقراطية ومطرقة التدخلات الخارجية والصراعات الطائفية، حيث أن إعادة بناء الدولة، وصياغة دستور جديد، وتحقيق مصالحة وطنية ستشكل الطريق الى السلم الدائم في دولة لها تاريخ كبير والذي عمل حزب البعث خلال 50 سنة على طمسه واختزاله في تاريخ عائلة الأسد.
• هشام بنوشن: باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية