يتواصل الحديث والنقاش عن دلالات رد حزب العدالة والتنمية عن بلاغ الديوان الملكي، الذي صدر بخصوص بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، والذي اعتبر (البيان) أنه يتضمن “بعض التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة، فيما يتعلق بالعلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل، وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية المحتلة”، حيث تباينت وجهات النظر بين من اعتبر الخرجة الجديدة لـ “المصباح” جاءت لتوضيح رأيه، وآخر يرى أن الأخير لم ينجح في تغيير أي شيء.
وفي تصريح لجريدة “شفاف”، قال محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية العلوم القانونية المحمدية؛ جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن بلاغ العدالة والتنمية لم يغير أي شيء في التصرف الذي قام به الحزب في التطرق لمجال السياسة الخارجية، الذي يعد من اختصاص الملك محمد السادس، معبرا عن استغرابه مما تضمن هذا البلاغ من حديث عن أن بيان الأمانة العامة للحزب، همّ انتقاد بعض لتصرفات وزير الخارجية ناصر بوريطة باعتباره أحد أعضاء الحكومة، مبرزا أن ذلك بحد ذاته تدخل في السياسة الخارجية، مشددا على أنه كان من الأجدر التقدم باعتذار للملك للتدخل في أحد صلاحياته الحصرية.
وأبرز زين الدين أن السياسة الخارجية للمملكة المغربية لا ينبغي لأي حزب أو تنظيم سياسي أن يتدخل فيها بأي شكل من الأشكال، مشيرا إلى أن هذا البلاغ يؤكد أنه بعدما تورط “البيجيدي” في “خرق مسألة الإجماع الوطني حول مجال السياسة الخارجية في ظرفية صعبة جدا، حاول ترميم خطئه الدبلوماسي الكبير تجاه مجال محفوظ فيه الاختصاص الحصري للملك محمد السادس؛ بشكل لم يكن موفقا أبدا”.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن خرجة حزب العدالة والتنمية ضربت وحدة التوافق المغربي حول القضية الفلسطينية، التي تشكل أولوية الأولويات سواءً بالنسبة للملك محمد السادس أو الشعب المغربي، مشيرا إلى تثمين المجهودات والعمل الجبار الذي يقوم بها الملك لخدمة هذه الملف من طرف مختلف الفرقاء والفعاليات بفلسطين وغيرها، لافتا إلى التنويه الأخير لوزراء الخارجية العرب بهذه المسألة.
وفي السياق ذاته، عبر زين الدين عن تعجبه من “تغريد نظام سياسي مغربي خارج هذا السرب والقيام بلي الحقائق وبنوع من الابتزاز في مجال لا ارتباط له به”، موضحا أن التدافع السياسي على المستوى الوطني بين التنظيمات السياسية يعد أمرا طبيعيا، لكن فيما يخص السياسة الخارجية فإنه يكون غير مقبول هذا الأمر مطلقا.
واستغرب المحلل السياسي من مسألة انتقاد حزب العدالة والتنمية للحكومة المغربية في شخص وزير الخارجية بوريطة، في مسألة تطبيع وعودة العلاقات مع إسرائيل، التي تم التوقيع على اتفاقيتها من طرف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني المنتمي لـ “البيجيدي”، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي من هذا الاتفاق هو خدمة المصالح العليا للمغرب، وذلك دون التنكر للقضية الفلسطينية.
ولفت المتحدث ذاته، إلى أن خروج “البيجيدي” في كلا البلاغين، الذي انتقد في أولهما وزير الخارجية، فيما الثاني أبرز فيه الحزب أنه لم يخطئ وأن انتقاده لبوريطة يأتي باعتباره عضوا في الحكومة، يعتبر غير منطقي ويخالف الأعراف التي تشهد بأن الأخير أحد أطراف حكومة الملك محمد السادس، وأن هذا المسؤول الدبلوماسي يمارس مهامه بشكل مباشر تحت إشراف الملك.
وأكد زين الدين أن صدور تلك المواقف عن حزب العدالة والتنمية على شكل بلاغات وليس تصاريح للأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران، تنفي “مسألة الوقوع في الخطأ عن غير قصد”، مشيرا إلى أن البلاغ الثاني ركن إلى لغة التهرب من المسؤولية في ارتكاب خطأ جسيم”، مبرزا بأن الحزب “تورط بشكل ملموس في الخروج عن الإجماع الوطني بخصوص القضية الفلسطينية، محاولا تلطيف الأجواء مع القصر بالبلاغ الثاني”، مشيرا إلى أن ذلك لن يغير أ ي شيء لدى الرأي العام الوطني.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية أن طريقة خروج حزب العدالة والتنمية في البلاغ الأول تظهر “غياب الولاء للمصالح الوطنية، وأن هناك أولويات خارجية لدى الحزب التي يحاول تصريفها في القضايا الوطنية وفي ظرفية سياسية دولية معقدة وصعبة جدا تقتضي وجود لحمة على مستوى الداخلي وليس صدور مثل هذه المواقف والقرارات، والتي فيها إذعان لأجندة خارجية معينة والتبعية لتنظيمات خارجية من جهة، وترميم البكرة السياسية لهذا الحزب من خلال استمالة الرأي العام الوطني، بطرح أمور لا علاقة لها بالحقائق والوقائع المعروفة لدى الكل، المتمثلة في الدفاع القوي والمستميث للمملكة المغربية عن القضية الفلسطينية”.