أصدرت دار النشر “النورس” الطبعة الثانية للترجمة العربية لرواية “حَدْهُوم” للدكتور محمد مهيب، وهي التي تحاول أن ترصد تحولات المجتمع المغربي من خلال هذه الرقعة الأمازيغية الصغيرة في أحد هوامش الأطلس.
وتمثل “حدهوم” سيرة امرأة تحدت واقعا يكبل الناس هنا بالجهل والأمية وثقل التقاليد البالية وصرخت عاليا في وجه الظلم، إذ من خلالها يرصد السارد العالم بكل شيء، سيرة مدينة هامشية تناضل في سبيل تحسين شروط وجودها ومن أجل مستقبل أفضل.
وتتألف شخوص وحكايات هذه الرواية في فضاء قاسي يذله القهر والتهميش والموت بكل أشكاله، لكنها تقاوم بلا هوادة من أجل الحلم حتى وإن تحول إلى غبار بسبب الدسائس والخيانات التي لها طعم مر.
وفي إطار التعقيبات عن هذا العمل الروائي، يقول مترجم هذا العمل عبد الغني طرون إن “حَدْهُوم” أو مسار امرأة مناضلة، اختار الكاتب إطلاق اسم الشخصية الرئيسية على عنوان الكتاب، وهو ما يبين الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه الشخصية في الرواية.
وأضاف طرون أنه شاءت الأقدار أن ترى حدهوم النور في زمن صعب، في ظروف بيئية صعبة وفي جو عائلي غير مريح، مشيرا إلى أنها ازدادت في وقت كان يعرف فيه المغرب المجاعة، في مكان تضاريسه وعرة ومناخه قاس وسط عائلة تقاوم من أجل البقاء.
وأبرز مترجم “حَدْهُوم” أن هذه الظروف وعوض أن تنال من هذه البطلة، زادتها صلابة ومقاومة وصنعت منها امرأة مناضلة بكل المعايير، فهذه العصامية لم تدخر جهدا لسبر أغوار المعرفة وكسر أغلال الجهل والأمية، بل أكثر من ذلك ولجت غمار السياسة بكل ما يعرفه هذا الميدان من حدة وسيطرة ذكورية والتي لم تنل من لطافة جنسها.
واستطرد قائلا: “لقد برع الكاتب في نهج أسلوب متنوع في الكتابة، ومن خلال شخصيات الرواية استطاع تمرير رسائل مهمة اختلفت باختلاف المواقف والظروف، فتارة تراه يلبس عباءة المؤرخ الذي يهتم بالأصول القبلية لكل منطقة والأحداث التاريخية التي عرفتها تلك المناطق من حروب وانشقاقات وتحالفات أثرت على تشكيلة تلك القبائل”.
وتابع القول إنه “تارة أخرى تراه يتقمص دور السوسيولوجي الذي ينهج قراءة مجتمعية متفحصة، والفحص هذه المرة ليس بالصدى ولا بالأشعة، ولكن من خلال نظرة كاتب يحس بنبض المجتمع، وقد يتعدى الأمر ذلك ويظهر في صورة السياسي المدافع عن الديمقراطية والذي تدفعه غيرته الوطنية وواجبه الإنساني لفضح كل مظاهر الفساد، وخاصة ما يتعلق منها بتسيير الشأن المحلي المنطلق الرئيسي لكل تنمية منشودة”.
يذكر أن هذه الرواية التي صدرت طبعتها الأولى باللغة الفرنسية قبل عقدين وتم ترجمتها الأولى عام 2006، لتصدر اليوم في طبعة ثانية أنيقة ومنقحة عن منشورات النورس، وهو ما يعكس تنوعا نادر الحدوث في مسار كاتب، طبيب، مؤرخ، باحث في المستحثات والأحجار وعاشق لها، بالإضافة إلى روح الحكي الذي يسكنه حتى النخاع، والمعروف به الدكتور محمد مهيب.