تحل اليوم الإثنين الذكرى الثامنة والأربعين (48) للمسيرة الخضراء المظفرة، التي لها مكانة خاصة لدى كافة المغاربة، باعتبارها جسدت إرادة الشعب المغربي في استكمال وحدته الترابية، والتي جاءت استجابة لنداء المغفور له الملك الحسن الثاني في 6 نونبر 1975.
ومع حلول هذه الذكرى، تقوم القنوات التلفزية المغربية منذ سنوات بإعادة بث فيلم “المسيرة”، الذي يخلد لهذه الحدث التاريخي للمملكة، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول عدم وجود غير هذا العمل الفني الذي تم إنتاجه في 2016، وأيضا عن إشكالية قلة أعمال الدراما التاريخية وكذا الوثائقية التي تخص الوقائع والأحداث التاريخية والوطنية التي شهدتها بلادنا.
في هذا الصدد، حاورت جريدة “شفاف”، الفنان رشيد الوالي الذي عمل كمنتج ومخرج وممثل بعدد من الأعمال في مختلف الأنواع والتصنيفات الدرامية، والتي من بينها أداؤه لدور رجل سلطة برتبة قائد في فيلم “المسيرة”، وذلك من أجل التعرف على تفاصيل خوضه لهذه التجربة وعلاقته بالمسيرة الخضراء ورأيه في ضعف حضور الدراما التاريخية بالإنتاجات المغربية.
♦ ما أبرز الذكريات التي لا تزال عالقة في ذهنك بخصوص المسيرة الخضراء؟
المسيرة الخضراء بلا شك تعد إحدى أبرز الأحداث التي عشتها وأن طفل، حيث كان عمري آنذاك 10 سنوات، إذ رأيت استعدادات المغاربة وانتقالهم بالقطارات عبر محطة أكدال في الرباط، وهي لحظات لا تزال راسخة في ذهني لحدود اليوم.
ولما أصبحت فنانا كانت صور ذلك الحدث دائما حاضرة بذهني وجوارحي، ما جعلني دائم التفكير في إنتاج عمل يخلد لهذه الذكرى العزيز على كافة المغاربة، لكن الكلفة المادية التي تتطلبها مثل هاته الأعمال الفنية هي من باعدتني عن تحقيق هذا الحلم للأسف.
وثاني أسباب عدم التمكن من إنجاز عمل حول المسيرة الخضراء يتمثل في صعوبة اختيار الزاوية التي يمكن من خلالها تناول ذلك، وذلك في ظل تعدد الزوايا في هذا العمل، وهو ما يتطلب أيضا أن يكون السيناريو مكتوبا بدرجة حرفية كبيرة، لأن في هذه الحالة نتحدث عن أحداث واقعية.
والصعوبة تكمن في مثل هاته الأعمال في كوننا نتعامل مع أمور ذات حساسية كبيرة، باعتبارها تتحدث في هذه الحالة مثلا عن جزء مهم من تاريخ المملكة المغربية، وبالتالي فإن الفيلم سيصبح هنا جزء لا يتجزأ من العمل التوثيقي لهذا الحدث التاريخي.
♦ كيف جاءت مشاركتك في فيلم “المسيرة”؟
شاءت الأقدار أن أشارك في عمل يخلد ويوثق لهذه الذكرى العزيزة على قلوبنا جميعا، مع الأخ والمخرج يوسف بريطل، وفرحت كثير عندما استدعاني للمشاركة في بطولة فيلم “المسيرة”، وتقمص دور القائد فيه، والكل يعلم الدور الذي قام به القياد ومختلف السلطات في تنظيم وترتيب 350 ألف شخص في هذا الحدث.
وكنت سعيدا بتقمص هذا الدور وخوض هذه التجربة، وهو ما أضاف لي الكثير على مستوى مساري المهني، لأنه منحني فكرة وصورة عن الأحداث الفعلية التي تطلبها تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة، والتي مكنتنا من استرجاع أقاليمنا الجنوبية العزيزة والغالية.
وإلى أن يأتي عمل جديد، سيبقى هذا الفيلم هو المرجعية التي لدى الأطفال والناشئة من أجل الاطلاع على هذا الحدث التاريخي، لأن قبل صدوره كان يتم فقط الاعتماد على كتابات وصور من الأرشيف للتعريف بالمسيرة الخضراء.
وللأسف أغلب الصور التي كان يتم الاعتماد عليها لتعريف الناشئة بما وقع خلال المسيرة الخضراء كانت ذات جودة ضعيفة، وهو ما جعل جيل اليوم الذي يركز على الفيديو لا يتفاعل بشكل المطلوب مع ما كان ينشر حول هذه الملحمة، فيما هذا الفيلم كسر الحاجز وفتح شهية الأطفال لمعرفة تاريخ أجدادهم خلال تلك المرحلة.
♦ ما الأسباب الكامنة وراء عدم وجود أعمال فنية تؤرخ لمثل هذه الأعمال التاريخية المهمة لبلادنا؟
هناك عدة أسباب لعدم إنتاج أعمال فنية مثل فيلم “المسيرة”، في مقدمتها التكاليف المالية الكبيرة، وأمر وجود كاتب سيناريو قادر على اختيار زاوية صغيرة بعينها ونسجها في إطار قصة درامية محبوكة، مع الاستعانة بلقطات الوثائقية التي رصدت أو وثقت هذا الحدث.
وأؤكد لك أنه مهما فعلنا فنيا وصرفنا من أموال من الصعب حقيقة إعادة تصوير ما وقع في هذه المعجزة السلمية، التي شهدت مشاركة مئات الآلاف من المواطنين، بتنسيق عالي من المسؤولين وإرادة قوية من كافة المشاركين لاستكمال وحدتنا الترابية.
♦ الفيلم لم يحظى بتفاعل كبير، ما الأسباب؟
الغريب في عمل “المسيرة” على عكس ما كنا ننتظر لم يلقى ترحيبا كبيرا، ولا زلت أجهل أسباب ذلك بالرغم من مرور 8 سنوات على عرضه، كأنه كان خيبة أمل أو انتظارات أخرى لا نعلمها من طرف النقاد وغيرهم.
ومن المعروف أن أي عمل فني يتناول زاوية معينة تكون ضمن عدة زوايا مختلفة، مثلما وقع في عديد من الأفلام التي تتكلم عن حرب الفيتنام مثلا، حيث كان كل فيلم يكمل الذي قبله وكل منهم يتطرق لجانب محدد ومختلف عن سابقه، بالرغم من أن جميعهم يتحدثون عن نفس القصة.
صراحة لا يمكن أن يمنحنا عمل واحد كل ما نريده ونتصوره في فيلم ما على العموم، و”المسيرة الخضراء” مع ذلك يبقى العمل السينمائي والتوثيقي الوحيد الذي بإمكاننا تقديمه لأبنائنا من أجل التعرف على هذا الحدث الكبير الذي شهدته بلادنا.
♦ هل لديك فكرة الاشتغال على عمل يوثق لحدث تاريخي خلال الفترة القادمة؟
نعم ولا؛ نعم لأنه لو أخذنا نظرة عن فيلم “الطابع” فهو يتحدث عن فترة معينة من تاريخ المغرب، حيث يتطرق للفترة التي كان يأتي فيها عميل التوظيف فيليكس مورا لجنوب المملكة ويختار شبابا مغاربة للعمل في مناجم الفحم الحجري بفرنسا، والتي تعرف بالمخاطر المهددة لصحة من يشتغل داخلها.
وهو عمل يسلط الضوء على فترة زمنية مهمة من تاريخنا، وشخصيا تفاجأت لما عرضت الفيلم في أوروبا بأن حتى الفرنسيين يجهلون هذه المرحلة ولا يعرفون الكيفية التي قدم بها عدد من المغاربة إلى بلدهم، والمهاجرين الشباب من الجيل الثالث أو الرابع بدورهم اكتشفوا من خلال هذا العمل الشكل الذي جاء به عدد من أجدادهم لفرنسا.
وأهمية هذا العمل تكمن بأنها توضح لبلدان الغرب عديد من المغالطات المنتشرة عن المهاجرين المغاربة أو العرب أو الأفارقة وغيرهم، حيث العديد من الأوروبيين يعتبرون أنفسهم في غنى عنهم وأنهم جاؤوا للتضييق عليهم في معيشتهم، ويجهلون تضحيات هذه الفئة وقيامهم بأعمال خطرة في سبيل ازدهار وبناء وتطور بلدانهم.
وشخصيا سعيد بإنتاج هذا الفيلم الدرامي (الطابع)، الذي يتحدث عن جزء بسيط من الأحداث التاريخية التي عاشتها بلادنا، ولإنجاز أعمال تهم تاريخنا العريق، لا بد من وجود مختصين وسيناريست حتى يكون هناك عمل متكامل ووجهة نظر متفق عليها حوله.
ويجب أن تكون هناك مصالحة مع ذواتنا، لأننا فنيا متناقضين في كثير من الأشياء المرتبطة بتاريخنا، سواء ما يرتبط بالاستعمار وعبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي، حيث نجد روايات مختلفة وتتخوف من اعتماد زاوية ما قد تحسب عليك، ويتحمل الفنان أو المخرج وحده المسؤولية في ذلك، ويعتبروه أنه اتخذ موقفا أنكر من خلاله الآخرين.
والعمل على التوثيق الفني للأحداث التاريخية لبلادنا يجب ألا يكون حصرا وعبئا فقط على الفنان والمخرج، بل على الدولة أخذ المبادرة والاهتمام أكثر بالأعمال الفنية التي تهم الوقائع والقضايا الوطنية، والقيام بإنتاجات مهمة في هذا الجانب مثلما فعلت تركيا، عبر دمج التاريخ بالدراما والفانتازيا، ليتمكنوا من تصدير صورة جميلة عن بلدهم ويبيعوا منتوجهم الفني بكيفية مميزة.
وهناك مثال آخر عربيا؛ هو سوريا التي نجحت منذ عقود في إنتاج أعمال الدراما التاريخية المميزة والناجحة، مثلما هو الأمر مع المخرج والمنتج والسيناريست والممثل الراحل حاتم علي، الذي كان وراء عديد الأعمال التاريخية، التي لقيت انتشارا واستحسانا كبيرين مثل مسلسل “ربيع قرطبة”، وهو ما تحقق بتوفير الإمكانيات ووجود كتابة جيدة للنص.