في سياق إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وجه الملك محمد السادس رسالة ذات دلالات عميقة إلى شيخ نيانغ، رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، والتي جددت التأكيد على الموقف الثابت للمغرب تجاه القضية الفلسطينية كقضية مركزية، مشددة أيضا على ضرورة تحقيق حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كما سلطت هذه الرسالة الضوء على الأوضاع الإنسانية المأساوية الناجمة عن استمرار الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لوقف إطلاق النار وضمان احترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهو ما اعتبر ردا واضحا عن اتهامات بعض الجهات بأن المغرب قد تراجع عن دعمه للقضية الفلسطينية بعد استئناف علاقاته مع إسرائيل، وهو ما يدفع للتساؤل عن أبعاد ودلالات هذه الرسالة، وردودها على تلك الأطراف، ودور المغرب المستقبلي في هذا الملف المعقد، مستعينا في ذلك بخبرته الدبلوماسية وموقعه المتميز داخل المنتظم الدولي.
الملك :الإجراءات أحادية الجانب والاستفزازات الإسرائيلية المتكررة بالقدس الشريف تقوض كل جهود التهدئة
♦ دلالات الرسالة الملكية
أبرز بلال التليدي، الكاتب والمحلل السياسي، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن هذه الرسالة الملكية تجدد التأكيد على أن المغرب ظل ملتزمًا بتعهدِه بأن تبقى القضية الفلسطينية على رأس اهتماماته، وعلى أنه لن يفرّط أبدًا في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
وأردف التليدي، أن هذه الرسالة الملكية جاءت فيها إدانة للإجرام الإسرائيلي الذي بالغ في انتهاك حرمة المدنيين والاعتداء عليهم، مؤكدة في الوقت نفسه على ضرورة وقف هذه الأعمال العدوانية والهمجية، ووقف إطلاق النار، وبالتالي انسحاب إسرائيل من كامل قطاع غزة وإعمار هذه المنطقة من جديد.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي، أن هذه الثوابت التي تحدث عنها الملك في رسالته هي المطالب التي تنادي بها الفصائل الفلسطينية، والمتمثلة بالأساس في وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من كامل غزة وإعادة الإعمار، إضافة للدعوة إلى إحياء عملية السلام بناءً على أسس متينة، والتي تقوم على مراعاة حقوق الفلسطينيين، وعدم الاعتداء على المقدسات الإسلامية بالقدس.
واعتبر أن هذه المطالب الرئيسية التي طالما أكدت عليها مختلف الفصائل والسلطة الفلسطينية، تشكل حقوقا ثابتة للشعب الفلسطيني، مشددا على أن هذه الرسالة أتت لتؤكد وفاء المغرب بتعهداته تجاه القضية الفلسطينية وكذا الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وأشار إلى أن هذه الرسالة المتضمنة لعبارات قوية تتزامن مع إمعان الإسرائيليين اليوم في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، سواء بالاعتداء على المقدسات الإسلامية بشكل خاص في القدس ومحاولة تهويدها، أو من خلال توسيع عملية الاستيطان، والتفكير في خيارات احتلال غزة أو جزء منها.
♦ أدوار المغرب الدبلوماسية والإنسانية
يشير بلال التليدي إلى أنه يجب التمييز بين المستوى الرسمي للمملكة المغربية ونظيره الشعبي، مبرزا أن هذا الأخير لم يتوقف أبدًا عن دعم القضية الفلسطينية، سواءً على مستوى الزخم النضالي أو على مستوى المطالبة بوقف التطبيع مع إسرائيل.
واستطرد أنه على المستوى الرسمي، ظل المغرب ملتزم ووفيّ بتعهدِه باستمرار في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، حيث سلط الضوء على مطالب وحقوق الفلسطينيين قبل اجتياح إسرائيل لغزة وخلاله ولا يزال لحدود الساعة مدافعًا مستميتا عن هذه القضية.
المغرب يؤكد أمام محكمة العدل التزام الملك محمد السادس بمساندة القضية الفلسطينية
ولفت إلى أن المغرب قام بدور إنساني غير مسبوق، إذ استطاع أن يوصل المساعدات في وقت لم تكن تصل فيه المساعدات إلى غزة وإلى شمالها، من خلال معابر غير تقليدية، وتحديدا عبر معبر “كرم أبو سالم”، موضحا أن ذلك يعني أنه لا يمكن لأي أحد أن يزايد على الدور المغربي في دعم القضية الفلسطينية وفي الوفاء بتعهدِه في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
وشدد على أن العلاقة بين تل أبيب والرباط منذ الاتفاق الثلاثي التي تم توقيعه بين الطرفين؛ إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لم تمنع المغرب من إدانة كل أشكال العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في أكثر من مناسبة، ومنها عبارات التنديد والشجب الواضحة والمباشرة التي جاءت في هذه الرسالة.
♦ الوساطة المغربية
يرى بلال التليدي أن الحديث عن دور المملكة في التوسط ما بين فلسطين وإسرائيل يبقى بعيد التحقق، مبرزا أنه حتى الدول التي لها حدود بالمنطقة ليست كلها منخرطة في هذا الخيار، مشيرا إلى أن الأمر مقتصر على دولتين فقط؛ هما مصر وقطر، بحكم أنّ قيادات حماس كانت موجودة في الدوحة، وباعتبار أن القاهرة كان لها دور تاريخي على مستوى ما تقوم به الاستخبارات المصرية في خضم الحوارات السابقة.
وأبرز أن المغرب بعيد جغرافيًا عن فلسطين، وهو ما يصعب من لعبه أي دور للوساطة في هذه القضية، لافتا إلى أن ذلك لم يمنعه من أنه يبدي وجهة نظره ويدفع من خلالها الأطراف نحو حوار وعملية سلام من شأنها ضمان حقوق فلسطين أرضا وشعبا.
المغرب يسلم تجهيزات كاملة لحالات الطوارئ والمستعجلات لمستشفى الهلال الأحمر بالقدس
وقال الكاتب والمحلل السياسي، إنه لا يتصور أن يكون للمغرب دور في الوساطة بين الطرفين، باعتبار أن الرباط كانت دائمًا تنأى بنفسها حينما يتعلق الأمر بحكومة إسرائيلية يقودها اليمين المتطرف، مبرزا أنه منذ عهد الملك الحسن الثاني، كانت تنظر المملكة إلى هذا الطرف اليميني المتطرف على أساس أنه لا يصلح لعملية التفاوض وأنه لا يمكن لها وفقا لذلك أن تتقدم خطوة في هذا الاتجاه.
وتابع أن الرباط ستستمر في ديناميتها ضمن المجموعة العربية من أجل الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار ومن أجل إحقاق حقوق الفلسطينيين، وكذا في جهدها الدبلوماسي والإعماري في القدس، وذلك من خلال لجنة القدس التي يرأسها أمير المؤمنين الملك محمد السادس، وأيضًا من خلال جهود أخرى إنسانية تتمثل في إيصال المساعدات إلى غزة بأوامر وتعليمات ملكية كلما تيّسرت الفرص السانحة لذلك.