مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وجد تصريح خليل الحية، القيادي في حركة حماس، صدىً مثيراً للجدل، بعدما تجاهل ذكر المغرب ضمن الدول الداعمة للشعب الفلسطيني، رغم الجهود المغربية الكبيرة على الصعيدين الإنساني والدبلوماسي والشعبي، فقد أرسلت الرباط مساعدات إنسانية برًا إلى غزة، وأدانت بشدة العدوان الإسرائيلي، مؤكدة ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، إضافة لكون مختلف مناطق المملكة شهدت دون توقف وطوال 15 شهرا الماضية تظاهرات ومسيرات مناهضة للإبادة التي تعرض لها ساكنة القطاع، والمطالبة أيضا بوقف هذه الانتهاكات في حق الأبرياء.
وتقدم الحية في كلمة له بهذه المناسبة، أول أمس الأربعاء، بالشكر للوسطاء في قطر ومصر على ما بذلوه من جهود منذ اللحظة الأولى وحتى لحظة التوصل إلى الاتفاق، ولكل الدول التي دعمت الفلسطينيين، ذاكرا على الخصوص كل من جنوب أفريقيا وتركيا وماليزيا وإندونيسيا والجزائر والصين.
بوريطة : نرحب بوقف إطلاق النار في غزة و المملكة تضع القضية الفلسطينية في مرتبة القضية الوطنية
♦ دلالات إغفال المغرب
اعتبر إدريس قريش، دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، ووزير مفوض في التقاعد سابقا، والأستاذ الزائر بالجامعات الوطنية والأجنبية، وعضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، أن خروج أحد المسؤولين في حركة حماس لتقديم الشكر والامتنان لبعض القوى التي دعمت الحركة في حربها في غزة ضد العدو الإسرائيلي كان غير موفق وغير منطقي.
وقال قريش في تصريح لجريدة “شفاف”، إن تصريح الحية كان تعبيرًا عن عدم إدراك الحركة للقوى الحقيقية التي دعمت الشعب الفلسطيني منذ بداية النزاع في القرن الماضي، مبرزا أنه إذا لم يكن الشكر موجهًا إلى المغرب، فلأي قوة أخرى يمكن أن توجه الحركة هذا الشكر؟
وزاد دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، متسائلا إن كانت هناك أي دولة قدمت دعمًا ومساندة للقضية الفلسطينية داخليًا ودوليًا؛ مثلما فعل المغرب عبر التاريخ، موضحا أن المملكة معروفة بأنها لا تتبنى القضية الفلسطينية بناءً على القومية الإيديولوجية الناصرية أو المقاربة الإخوانية، التي ساهمت في إطالة أمد الأزمة منذ عام 1948.
وأردف أن نجاح القضية الفلسطينية أو حلها يمثل نهاية للتطرف الديني والحركات الإخوانية سواء هنا أو هناك، مشيرا إلى أن المغرب ينتمي إلى القضية الفلسطينية بعمق وجداني منذ عام 1187، عندما فتح صلاح الدين الأيوبي القدس وأسند مسؤولية بعض معالمها للمغاربة.
وذكر عضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، أن ثلث مدينة القدس كان عند فتحه ودخول المسلمين لها حينها تحت مسؤولية المغاربة، بما في ذلك عين الكرم، وباب المغاربة، وحائط البراق، والمسجد الخاص بالمغاربة (جامع المغاربة).
♦ الموقف المغربي
يشدد إدريس قريش على أن الموقف المغربي تجاه القضية الفلسطينية دائمًا كان ميدانيًا، كما أثبتته قمة الرباط عام 1974 التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، مبرزا أنه بناءً على ذلك فالرباط ترى أي حركة تعمل خارج إطار المنظمة لا علاقة لها بفلسطين.
ولفت دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، إلى أنه خلال العدوان الأخير على غزة، كان موقف المغرب فاعلًا ومؤثرًا، حيث اُعتبر الدولة الوحيدة التي تمكنت من إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة برًّا مرتين عبر معبر “كرم أبو سالم”.
المغرب يسلم تجهيزات كاملة لحالات الطوارئ والمستعجلات لمستشفى الهلال الأحمر بالقدس
وأردف الأستاذ الزائر بالجامعات الوطنية والأجنبية، أنه في رمضان الماضي كان المغرب صاحب المبادرة التي ضمنت هدوءًا في القدس من خلال تنظيم حفل افتتاح جماعي قبيل الشهر المبارك، مما حال دون المناوشات الإسرائيلية المعتادة.
واستطرد أنه على المستوى الدولي، كانت خطابات الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، موجهة للمجتمع الدولي بقوة ووضوح، مشددا على أن المغرب من خلال دبلوماسيته ظل منذ عام 1187 وحتى اليوم داعمًا للقضية الفلسطينية، واستمر موقفه ثابت وراسخ في هذا الجانب.
وأشار إلى أن من يتهم المغرب بالتطبيع، فعليه سؤال نفسه حول عدم قيام الرباط بعلاقات دبلوماسية على مستوى السفارات مع إسرائيل كما فعلت مصر أو الأردن، موضحا أن ما يوجد حاليًا هو مكتب اتصال فقط، ولا يرقى إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية.
وأكد عضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، على أن المملكة المغربية ملتزمة بحل الدولتين، مشيرا إلى أنها لن تقبل باستقبال سفير إسرائيلي قبل أن يكون هناك سفير فلسطيني ممثل لدولة معترف بها دوليًا.
وتابع أنه في ظل العدوان الأخيرة، قدم المغرب دعمًا كبيرًا من خلال مواقف شعبه ومظاهراته المليونية، مشيرا إلى أنه في المقابل، فالجزائر لم تسمح بأي مظاهرات لدعم القضية الفلسطينية، مبرزا أن هذه الحرب كشفت عداوة وحقد بعض الأطراف، بما في ذلك حركة حماس، وأظهرت المتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل بعض الدول والجماعات.
♦ مركزية القضية الفلسطينية
يشير إدريس قريش إلى أن المغرب سيظل دائمًا داعمًا للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية وطنية ثابتة من ثوابت الأمة المغربية، مبرزا أن الملك محمد السادس كان صريحًا وواضحًا؛ حين قال إن القضية الفلسطينية وقضية الصحراء في نفس المستوى بالنسبة للمملكة المغربية.
رسالة الملك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. قراءة في الدلالات والأبعاد السياسية
وتابع أن بعض المتطرفين في السياسة والقضية الفلسطينية، سواءً كانوا من حركة حماس أو خارجها، يبقى خطابهم في خانة الأوهام، مبرزا أنه قد يكون أعاد الحياة نسبيًا لنظام الجزائر الذي كان يُحتضر، لكنه كشف أمام العالم كافة مظاهر دناءة الفكر والسياسة والأساليب في التعامل مع القضايا الدولية، خصوصًا بالنسبة للنظام الجزائري الذي يعتبر شخصيًا نظامًا بلا ثقافة.
وأردف أن خروج هذا المسؤول من حركة حماس مؤخرًا كان فاشلًا وغير موفق، ويحتاج إلى تقديم اعتذار واضح وصريح للشعب المغربي الوفي لثوابته، حيث تعد القضية الفلسطينية واحدة من ثوابت الأمة المغربية.
♦ نهاية العدوان والحل الممكن
يرى إدريس قريش أن ما تم التوصل إليه ليس اتفاقًا لوقف إطلاق النار، بل هو هدنة مؤقتة عبر ثلاث مراحل، لافتا إلى أن الهدنة بطبيعتها، لا تحدد رابحًا أو خاسرًا، بل تتطلب شروطًا مثل تبادل الرهائن المدنيين، ثم الأسرى العسكريين، بالإضافة إلى السماح للجرحى بتلقي العلاج وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة.
وأشار إلى أن المرحلة الأولى تشمل تبادل الرهائن، تليها المرحلة الثانية المتعلقة بتبادل الأسرى والسماح بدخول المساعدات، بينما تتناول المرحلة الثالثة تقييم الأضرار وإعادة الإعمار، لافتا إلى أنه في النهاية وبعد مرور 18 أسبوعا يمكن الحديث عن وقف إطلاق النار بشكل نهائي بعد الانتهاء من هذه المراحل الثلاث.
المغرب يؤكد أمام محكمة العدل التزام الملك محمد السادس بمساندة القضية الفلسطينية
وأضاف أنه من المهم الإشارة إلى أن هذه الهدنة جاءت متأخرة، مؤكدا أن المغرب ملكا وحكومة وشعبا كان همّه الوحيد هو وضع حد للمعاناة والإبادة التي تعرض لها سكان غزة، لافتا إلى أن ما حدث هناك لم يكن مجرد معاناة محلية، بل كانت مأساة إنسانية شاملة.
وشدد على ضرورة أن ينتصر السلام في المنطقة، وأن يجري حل الدولتين، بحيث تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين في إطار حدود 1967، كما أُقر في الشرعية الدولية، مبرزا أنه آن الأوان لإنهاء هذه المعاناة والحروب التي تمس كرامة الإنسانية جمعاء.