بعد أن عرضت الحكومة مشروع قانون المالية لسنة 2023، يوم الخميس الماضي، على البرلمان في جلسة مشتركة جمعت مجلسي النواب والمستشارين، تباينت الآراء حول مضامينه والآليات والمستجدات التي جاء بها، وكذلك عن الإشكاليات التي قد تقابل الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها على مستوى كافة المجالات، إلى جانب التحديات المطروحة في ظل التقلبات التي يشهدها العالم.
وفي هذا الصدد، أبرز محمد جذري، المحلل والخبير الاقتصادي، في تصريح لجريدة “شفاف” أن تحقيق الأهداف المسطرة في مشروع قانون المالية يبقى رهينا لعاملين اثنين لا تتحكم فيهما الحكومة، الأول مرتبط بالتساقطات المطرية من أجل تحقيق موسم فلاحي متوسط، والثاني يرتبط بألا يتجاوز سعر برميل النفط 98 دولار في السوق العالمية.
وأضاف جذري أن الإعداد لمشروع قانون المالية لسنة 2023 يأتي في سياق دولي مختلف، حيث ان اللايقين يبقى السمة البارزة خلال السنة المقبلة، كما أن ارتباك سلاسل الانتاج والتوريد وأزمة اوكرانيا والتضخم العالمي أثر بشكل كبير على القدرات الشرائية للمواطنين.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن المغرب مقبل على تحديات كبرى؛ منها تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتحويل للاقتصاد الوطني ومواجهة مخلفات التقلبات المناخية، مؤكدا أن مشروع قانون المالية لسنة 2023 سيعتمد على أربع أولويات وتوجهات أساسية.
وتابع القول إن أولاها يرتبط بمواصلة تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، من خلال تعميم التامين الإجباري على المرض لفائدة 22 مليون مغربي، واستفادة حوالي 7 ملايين طفل و3 ملايين أسرة لها أطفال في سن قبل التمدرس من تعويضات عائلية تقدر بـ 300 درهم عن كل طفل.
وأشار إلى أن التعليم والصحة سيحظيان بأهمية بالغة، حيث أنه ستصل ميزانية هذين القطاعين لأكثر من 97 مليار درهم، كما أنه لأول مرة في تاريخ المغرب سيتم سن دعم مباشر من أجل اقتناء سكن رئيسي خصوصا لذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، بالإضافة إلى مواصلة السنة الثانية من برنامجي “أوراش” و”فرصة” بغلاف مالي يقدر بـ 3.5 مليار درهم، وكذا الرفع من مخصصات صندوق المقاصة لتصل إلى 26 مليار درهم.
بخصوص ثاني الأولويات، فيرى جذري أنه يتعلق بإنعاش الاقتصاد الوطني عبر دعم الاستثمار، من خلال تنزيل فعلي لميثاق الاستثمار والعمل على تفعيل مجموعة من الإجراءات كالاستراتيجية الرقمية الوطنية، وتوطيد إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، مع تحسين مناخ الأعمال، بالإضافة إلى تفعيل حقيقي لصندوق محمد السادس للاستثمار.
ولفت المصدر ذاته، إلى أن الاستثمار العمومي سيصل خلال سنة 2023 لمستوى غير مسبوق، حيث سيبلغ المجهود الاستثماري للقطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية 300 مليار درهم.
وأكد المحلل السياسي على أن ثالث التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2023، سيتمثل في تقليص التفاوتات المجالية من خلال دعم الجهوية المتقدمة بغلاف مالي يقدر ب، 10 ملايير درهم، وتنزيل سريع لورش اللاتمركز الإداري ومواصلة تنزيل برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
واستطرد قائلا إن رابع الأولويات وهو ذات أهمية كبرى، يتركز في استعادة الهوامش المالية من أجل ضمان استدامة الإصلاحات الكبرى من خلال الرفع من التحصيل الضريبي وترشيد للنفقات المرتبطة بالتسيير العادي للإدارة.
واعتبر جذري أن الفرضيات التي بني عليها مشروع قانون المالية تبقى محط نقاش، حيث أنه سيصعب تحقيق نسبة نمو 4 % في ظل الظرفية الاقتصادية الحالية، وكذلك توقعات المؤسسات المختصة الوطنية والدولية، مشيرا إلى أن تحقيق نسبة تضخم في حدود 2 % تبقى بعيدة المنال، خصوصا أن العالم ما زال متأثرا بالتضخم وارتباك سلاسل الانتاج والتوريد، أما نسبة عجز الميزانية فيمكن تحقيقها نظرا للمجهود الكبير الذي بذلته الحكومة في التحكم فيه خلال السنة الحالية.
ونبه الخبير ذاته، إلى أن الحكومة مطالبة بالتوفر على إرادة حقيقية وجرأة غير معهودة من أجل تنزيل الإصلاحات المطلوبة من أجل تحويل الاقتصاد الوطني لاقتصاد منتج للثروة ولفرص العمل من خلال فتح نقاش حقيقي ومجتمعي لتنزيل إصلاح لكل من صندوق المقاصة والمنظومة الضريبية وأنظمة التقاعد.
كما دعا جذري إلى ضرورة محاربة الريع والفساد، وغيرها من الممارسات التي يقدم عليها بعض الوسطاء والمضاربين والمحتكرين، مطالبا الحكومة بضرورة تعديل مدونة الشغل وسن قانون الإضراب، مع الاشتغال على تهيئ سوق وطنية تنافسية حقيقية بعيدة عن كل شبهات الاحتكار والاتفاق.