يتوفر المغرب على العديد من مواقع التراث العالمي، التي يعيش عدد منها على وقع الإهمال وعدم تهيئة الظروف المحيطة بها من أجل الترويج لها وتعريف المواطنين والأجانب بها، وهو ما يهدد استمرار هذه المعالم ويفقد المملكة إشعاعها التاريخي والحضاري، ويجعلها غير قادرة على استغلال مميزاتها وتراثها الثقافي والمعماري في استقطاب السياح وتعزيز الاقتصاد المغربي من خلال إيرادات مهمة من القطاع السياحي.
وفي المغرب لا تكاد أي منطقة بالجهات الاثنا عشرة للمملكة، تخلو من المواقع الأثرية والتراث الثقافي كمدينة وليلي، وقصر آيت بن حدو بورزازات، ومازاكان بالجديدة، وساحة جامع الفنا بمراكش، والمدينة العتيقة للصويرة، والمدينة القديمة في فاس، والمدينة العتيقة لتطوان، والمدينة التاريخية لمكناس، وقصر البحر بآسفي، وقصبة بولعوان بالجديدة، وغيرها من التراث المعماري والثقافي ببلادنا.
وبالرغم من البرامج التي أطلقتها المملكة منذ سنوات للاعتماد على السياحة كركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني وإنعاش القطاع السياحي، مثل ما هو الشأن مع المخطط الأزرق، الذي ارتكز على إنجاز المنتجعات السياحية على السواحل، وتوفير المرافق والخدمات اللازمة لجذب السياحة الأجنبية، استمرت إشكالية عدم الاهتمام الكافي بتأهيل المعالم الأثرية الغنية بها المملكة، والتي عانت معظمها خلال المرحلة الأخيرة من اهتراء وتساقط أجزاء منها.
وتعيش عدد من المآثر التاريخية بالمغرب على وقع الإهمال وعدم العمل على ترميمها بشكل مداوم للمحافظة على أصالتها وتاريخها، ومن بين أبرز النماذج على ذلك نجد معلمة “قصر البحر” بآسفي، والتي يتآكل يوما بعد آخر عمرانها، ويزحف انهيار جدرانها نحو طمس هويتها التي يعود تاريخ ميلادها إلى القرن 16 ميلادي، عند تدشينها من طرف البرتغاليين.
وفي هذا الصدد، يُبرز سعيد الشمسي، الباحث في علوم الآثار والتراث، في تصريح لجريدة “شفاف” أن ترميم وإصلاح المعالم الأثرية تتداخل فيه مجموعة من الجهات وتتحكم فيه أمور علمية، فمثلا معلمة “قصر البحر” كان هناك اتفاق رباعي يضم كلا من مجلس بلدية آسفي والسلطات المحلية المتمثلة في عمالة المدينة، ووزارة الثقافة، ووزارة التجهيز والنقل، من أجل إعادتها لرونقها وذلك قبل عام من الآن، لكن الإشكالية في الجرف البحري المبني عليه هذا القصر والذي تآكل أساسه.
وأوضح الشمسي أن أمر الإصلاح ليس بالهيّن، مشيرا إلى أن “قصر البحر” يحتاج في البداية لدعم وتقوية الجرف الصخري، من أجل ضمان نجاح إعادة إصلاح الأجزاء التي تساقطت من هذه المعلمة وتقوية دعائمها حتى لا تهوى مجددا بعد فترة قصيرة، وهو ما يوجب العمل وفق 3 أشطر؛ أولاها القيام بالدراسة التقنية، وثانيها القيام بتدعيم الجرف، وهما الشطرين اللذين يجب أن تتكفل بهما وزارة النقل والتجهيز، أما الشطر الثالث فيوكل لوزارة الشباب والثقافة والتواصل من أجل الشروع في ترميم هذه المنشأة التاريخية.
وحول أهمية هذه المعلمة، يكشف الباحث في علوم الآثار والتراث، الذي هو أحد أبناء مدينة آسفي كذلك، عن أن لـ “قصر البحر” 5 قرون من الوجود وأنه يحظى بشكل هندسي فريد يجمع بين التصميمين المغربي والبرتغالي، مؤكدا انفراده بذلك وعدم وجود أي قلعة عسكرية بالعالم بنفس الهيئة والشكل المعماري الذي يجعله أيقونة، لافتا إلى أن مكانته دفعت السلطان مولاي يوسف لتسجيله بظهير سلطاني سنة 1922 ضمن التراث المعماري الوطني، وهو ما يوجب على كافة مؤسسات الدولة رعايته والحرص على حمايته الدائمة.
وشدد المتحدث ذاته، على أن أمر الإصلاح والعناية بمختلف المآثر التاريخية، إضافة لكونه سيقوي الرابط الإنساني للمواطنين مع تاريخهم ويعرفهم بحضارة بلادهم المتجذرة في الريادة والتميز، فهو سيخلق رواجا تجاريا وحركة اقتصادية، من خلال جذب السياح والزائرين لهذا المكان الغني بالعبق التاريخي وجمالية موقعه، كونه يتواجد على جرف يطل على المحيط الأطلسي.
وأشار الشمسي إلى أن الحكومات المتعاقبة تتغافل على الأهمية الاقتصادية للمآثر التاريخية، على عكس عدد من البلدان التي اهتمت بإرثها الحضاري والمعماري وكسبت من ورائه الكثير، والمثال هنا إسبانيا التي حافظت على معالمها وروجت لها بالشكل المطلوب، لتجذب ملايين السياح سنويا، ما ساهم في الرفع من ناتجها الوطني الخام، وبالتالي فإن ترميم هذه المآثر له ميزتان الأولى تتعلق بحفظ التاريخ والمحافظة على جمالية المكان، والثانية تتمثل في المكاسب الاقتصادية المهمة التي يمكن تحقيقها من وراء حسن تدبيرها والاستفادة منها بأفضل كيفية.