احتضنت مدينة الدار البيضاء يومي 9 و10 فبراير الجاري؛ فعاليات الدورة 39 من المؤتمر الطبي الوطني للجمعية المغربية للعلوم الطبية، الذي حظي بشرف تنظيمه تحت الرعاية السامية للملك محمد، والذي عرف مشاركة خبراء ومختصين ومهتمين بالشأن الصحي، مغاربة وأجانب، والذي شكّل مناسبة للوقوف على مدى تقدم الورش الملكي الرائد الذي يقضي بتعميم التغطية الصحية، إلى جانب تدارس مواضيع تتعلق بالوقاية من الأمراض والبروتوكولات العلاجية والولوج العادل للأدوية ومنتجات الصحة، التي من شأنها تحقيق عدالة صحية مع تخفيف ثقل تكاليفها على المواطنين وعلى الصناديق الاجتماعية.
وأبرزت الجمعية في بيان لها، أن الدورة 39 من شكّلت مناسبة للوقوف كذلك على أهمية التكوين والتكوين المستمر في المجال الصحي وانعكاسات ذلك على الصحة العامة، مشيرة إلى أن بعد نقاش مستفيض خلال الندوات والورشات التي تم تسطيرها في البرنامج، خلصت إلى مجموعة من التوصيات.
وأشارت إلى أن الخبراء في المجال الطبي خلال هذا المؤتمر أشادوا بالأوراش الملكية الرائدة في مجال الصحة التي منحت المنظومة شحنة دعم قوية لإعادة النظر في دعائمها ولتطوير ركائزها، تنزيلا للحق الدستوري في الصحة، وهو ما يترجمه مشروع تعميم التغطية الصحية، الذي وصلت نسبة الإنجاز فيه إلى 95 في المائة، مما جعل منه ورشا متميزا يحظى بتقدير واعتزاز المغاربة والأجانب، وهو ما أكدته شهادات وتدخلات جميع المشاركين، المختصين في قضايا الصحة، من المغرب ومن فرنسا ومن دول إفريقية، الذين كانوا ضيوفا على المؤتمر.
وأضافت أن الحاضرين أكدوا على مواصلة الانخراط التام للأطباء المغاربة ولكافة مهنيي الصحة، ومعهم كل المتدخلين في المنظومة، للمساهمة الإيجابية والبناءة والمواطنة، كل من موقعه، لاستكمال تفاصيل هذا الورش وبلوغ كافة أهدافه النبيلة التي تصب في خدمة الوطن والمواطنين وتطوير الصحة في بلادنا.
كما دعوا إلى مواصلة تعزيز الثقة وتجويد سبل التواصل بين كافة الأطراف المعنية بالتغطية الصحية، وتوسيع قاعدة انتظام المساهمات، من أجل تغطية شاملة تشمل جميع الفئات، مع التأكيد على أهمية القطاع الفلاحي في هذا الصدد وأدوار المنتسبين إليه في تحقيق الأمن الغذائي الذي هو عنوان على الأمن الصحي، وتذليل كل الصعاب في هذا الإطار.
وطالبوا كذلك لتسخير كل الإمكانيات المتوفرة لضمان الولوج العادل للأدوية والمستلزمات الطبية مع تشجيع الصناعة الوطنية ومنح الأفضلية لعلامة “صنع في المغرب”، وتقديم التحفيزات الضرورية لتحقيق هذه الغاية، لضمان سيادة دوائية كاملة، وهو ما أكدت الحاجة إليه الجائحة الوبائية لكوفيد، لأن في توقف قطاع الصحة توقف لطل القطاعات والمجالات في المجتمعات.
وأوصى المشاركون في المؤتمر بالعمل على تسريع تنزيل الوكالة الوطنية للأدوية والمنتجات الصحية، ومضاعفة الجهود للرفع من نسبة استهلاك الأدوية الجنيسة التي لا تتجاوز 40 في المائة، مقارنة بـ 70 في المائة في فرنسا و80 في المائة في كل من ألمانيا وأمريكا، وهو ما يتطلب تحفيز المهنيين، من أطباء وصيادلة، واعتماد الملف الطبي الرقمي المشترك.
وحثوا على تبني سياسة صحية وقائية للتقليص من حدة تفشّي الأمراض المزمنة والمكلّفة، وللتقليص من حجم النفقات الصحية الباهظة، إذ أن نسبة 3 في المائة من المرضى المؤمّنين المصابين بأمراض مزمنة، يستهلكون أكثر من 50 في المائة من الميزانية المخصصة للتغطية الصحية، والحال أن استثمار درهم واحد في الوقاية يمكّن من ربح 10 دراهم بالمقابل على مستوى المصاريف العلاجية.
وطالبوا أيضا بمراجعة التعريفة المرجعية الوطنية التي يطبعها الجمود منذ 2006، ورفع التعويض عن الاستشارات الطبية، التي لا تزال المصاريف المسترجعة بشأنها تحتسب على أساس 80 درهما بالنسبة للفحص عند الطبيب العام و150 درهما للفحص عند الطبيب الاختصاصي، وهو ما يجعل المرضى يتحملون أكثر من 50 في المائة من المصاريف العلاجية على نفقتهم الخاصة، الأمر الذي يرهق الكثيرين ويجعلهم يتوقفون عن تتبع وضعهم الصحي، مما يرفع من حجم المضاعفات، خاصة في ظل علاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية.
وكانت من ضمن التوصيات؛ مواصلة إحداث كليات الطب والصيدلة التي رأت النور في 11 جهة من جهات المملكة، إلى جانب كلية الطب التي ستخرج إلى حيّز الوجود في الداخلة بفضل مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، وهو ما يعني توفر كافة الجهات على مستشفيات جامعية من المستوى الثالث، تفعيلا لعدالة صحية مجالية، تضمن ولوج جميع المواطنات والمواطنين إلى المرافق الصحية على نحو متكافئ وعادل.
ويضاف لذلك؛ الحث على تطوير وسائل التواصل وتشجيع الحوار وتعزيز الإنصات وأشكال التعاون من أجل رؤية واضحة تتعلق بمستقبل التكوين الطبي في بلادنا وتبديد كل سوء فهم في هذا الإطار، بما يساهم في تكتل كل الجهود لتنزيل الأهداف المسطرة، التي على رأسها خدمة الصحة العامة لكافة المغاربة وضمان تكوين طبي وعلمي جيدين لأطباء الغد.
وأشار الخبراء إلى ضرورة العمل على تطوير نموذج متعلق بتقييم مستوى الخبرات في المجال الطبي وذلك على مستوى التخصصات تماشيا والعرض الذي قدمه الأستاذ غسان الأديب عميد كلية الطب والصيدلة محمد السادس بالدار البيضاء، حول معايير الكفاءة والتخصص بالنسبة لطبيب التخدير والإنعاش، وهو النموذج الذي سيتم العمل عليه مع كافة الجمعيات العالمة في مختلف التخصصات الطبية والطب العام، لما لهذه الخطوة من آفاق على تطوير الصحة في بلادنا وعلى تعزيز خبرة الأطباء.
ولفتوا لأهمية إعطاء انطلاقة الجائزة الإفريقية للطب التي تحمل اسم الراحل الأستاذ عبد اللطيف بربيش، التي تهدف إلى تشجيع البحث العلمي في الصحة الإفريقية، والتي يرأس لجنتها الأستاذ نجيب الزروالي وارثي عميد سابق لكلية الطب والصيدلة، وتضم في عضويتها خبراء من المغرب ومن عدد من الدول الإفريقية.
وشددوا كذلك على التعجيل بإعطاء انطلاقة عمل نادي الأطباء الشباب الأفارقة الذي يرعاه الأستاذ محمد العدناوي رئيس جامعة محمد السادس لعلوم الصحة، والأستاذ بارا ندياي، عميد كلية الطب والصيدلة بداكار السنغالية، والذي ينسق أشغاله الدكتور الشاب مهدي لكحل، ويضم في عضويته أطباء شباب من المغرب ومن مجموعة من الدول الإفريقية الأخرى.