رافق عرض الفيلم الهندي “حياة الماعز” (The Goat Life) نقاش وحديث واسعين حول هذا العمل الفني، حيث اعتبر البعض أنه عالج موضوعا شائكا يخص نظام الكفيل والإشكاليات التي يطرحها بدول الخليج العربي، فيما رأى فيه جانب ثاني أن هذا الإنتاج البوليودي جاء فقط لمناكفة السعودية التي تشهد تطورا وازدهارا على كافة المستويات، بينما أشار طرف ثالث إلى أن ما سمح له (الفيلم) بأخذ هذه المساحة والمكانة التي لا يستحقها هو الجدل الكبير الذي أثير حوله.
♦ قصة الفيلم
“حياة الماعز” وبالإنجليزية “The Goat Life”، و “أدوجيفيثام” باللغة المالايامية، التي يتحدثها سكان ولاية كيرلا في الهند حيث ينحدر بطل القصة، هو اسم الفيلم المنبثق عن رواية للكاتب الهندي بنجامين، نشرت بعنوان “أيّام الماعز” عام 2008 وتصدرت الأكثر مبيعاً حينها، تحكي قصة حقيقيّة حدثت عام 1991، حيث نجح الشاب الهندي “نجيب”، بطل الفيلم، في الحصول على فرصة عمل في السعودية كلفته 650 دولارًا، بعدما باع كل ما يملكه، ليصل إلى المملكة، وتتبدّد كل أماله، حين تعرض للخداع من رجل ادعى أنه كفيله عند وصوله إلى المطار، نقله إلى الصحراء واحتجزه هناك ليرعى الماعز والأغنام في ظروف قاسية غير إنسانية لمدة 3 سنوات، قبل رحلة هروبه.
يصور الفيلم على مدى 3 ساعات، كيف انعكس ما حصل مع “نجيب” على وضعه النفسي والذهني والجسدي، وكيف حولته التجربة المريرة إلى إنسان جديد مهشّم معنف، يعجز حتى عن التعرف على نفسه في المرآة.
يجسد الفيلم مساوئ نظام الكفالة السعودي الذي كان قائما، وكيف جعل العمال الأجانب، لاسيما الأكثر ضعفاً، تحت رحمة “الكفيل” الذي سمح له القانون التحكم بكافة جوانب حياته، من المأكل والمشرب والمسكن، وحتى الحق في التنقل والسفر والانتقال في العمل، وهو ما يمثل انتهاكاً متعدد الجوانب لأبسط حقوق الإنسان والعامل.
وقد سجل الفيلم، من إخراج الهندي بليسي إيبي توماس، نجاحاً كبيراً مع عرضه ونال استحسان النقاد، حيث تصدر قائمة الأكثر مشاهدة في العديد من دول العالم، لاسيما العربية منها، وحصد في الهند 5 جوائز في مهرجان “كرييتف كريتكس” السينمائي في جنوب الهند، حيث نال جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل ممثل دور أول، وجائزة أفضل موسيقى، وجائزة أفضل هندسة صوت، وجائزة أفضل مخرج.
لم تثر الضجة الأكبر حوله مع بداية عرضه في مارس، ولا مع إتاحته على منصة نتفليكس في يوليو الماضي، إلا أن صدور الترجمة العربية له في غشت الجاري، رفع من نسب مشاهدته في الدول العربية، وأطلق العنان لردود أفعال أوسع، جعلت الفيلم حديث مواقع التواصل الاجتماعي في الخليج العربي على مدى الأيام الماضية.
وبالإضافة إلى نظام الكفالة السعودي، أثار الفيلم انتقادات واسعة لناحية ما وصف بالإساءة للعرب بشكل عام، ولشخصية الرجل البدوي السعودي، الذي تم تصويره على أنه “جشع قاس، بخيل ومحتال وقذر”، حيث يصف “نجيب” كفيله، الذي أدى دوره الممثل العماني طالب البلوشي، في إحدى المشاهد على أنه رجل “لم يلمس الماء جسده منذ سنوات، نتن يستحم ببوله وعرقه”، وهو ما وصف بأنه تنميط مسيء للبدو والعرب بشكل عام، وأثار انتقادات للبلوشي نفسه ولقبوله “الدور المسيء”.
مشاهد الفيلم الهندي، والتي جرى تصويرها بين الأردن والجزائر والهند بشكل أساسي، واستغرق تصويره نحو 5 أعوام، حملت بدورها بحسب الانتقادات، “التنميط المعهود” للدول العربية وطبيعتها والمشاهد المتوقعة منها، والتي لطالما أثارت من قبل انتقادات لشركات إنتاج الأفلام السينمائية العالمية، لاسيما “هوليوود”، ما أوقع الفيلم بحسب الانتقادات “في فخ التعميم والتحيز”.
♦ الضجة وواقع “حياة الماعز”
أبرز عبد الكريم واكريم، الكاتب والناقد السينمائي، في تصريح لجريدة “شفاف” أن الضجة التي أثيرت خلال الأيام الأخيرة حول الفيلم الهندي “حياة الماعز” كانت أكبر من قيمة الفيلم الفنية بكثير.
وأردف واكريم إلى أنه وجده فيلما بسيطا يحتوي على مكونات السينما الهندية البوليودية من مبالغة في تصوير الأحداث ولعب على مشاعر المشاهدين بشكل يصل لابتزاز عواطفهم، وأداء تمثيلي مبالغ فيه أيضا، إضافة إلى تمطيط لا يخدم تطور الدراما بقدر ما يعيقها.
وتابع الكاتب والناقد السينمائي، أنه كاد أن يكون فيلما جيدا لولا المبالغة في استجداء عواطف وأحاسيس المشاهد والإطالة في بعض المشاهد بدون مبرر درامي، والتوهان في مسارات فرعية لا تخدم الفكرة الأساسية للفيلم ، موضحا أن ذلك يعد من سمات السينما الهندية التجارية البوليودية التي دأبت بها على استقطاب شرائح كبيرة من المتفرجين داخل الهند وخارجها.
♦ الكفيل والإسلام في قالب واحد
قال عبد الكريم واكريم، إن بخصوص تناوله لقضية الكفيل، فلا يجد أن هذه القضية هي الأساسية في الفيلم بل معاناة شخص وجد نفسه مختطفا وتم استعباده واستغلاله، مبرزا أنها قصة في خطوطها العريضة جرت مشاهدتها أكثر من مرة وفي أفلام أفضل من هذا الفيلم بكثير.
وأضاف أن البعض ادعوا أن الفيلم ضد الإسلام في حين أن رؤية الفيلم مبنية على تصور ديني إسلامي بالخصوص كون الشخصية الرئيسية وصديقه ومنقذهما الإفريقي مسلمون ومؤمنون، إضافة لاستعانة المخرج في أوقات ضيق وعسر الشخصيات أثناء رحلة الهروب بأغاني دينية تنتمي لأذكار من الموروث الإسلامي الصوفي بالخصوص .
ولفت إلى أن ردود الفعل حول هذا الفيلم من الجانبين النقيضين كانت مبالغ فيها ، سوءا الطرف الذي بالغ في الإعجاب به وتقديره وتقييمه أكثر مما يستحق، والطرف الثاني الذي اعتبره يتضمن إساءة لبلد بعينه ، مشيرا إلى أن هذه الردود خلفت ضجة عارمة وجعلت الفيلم يحظى بشهرة لم يكن يحلم بها منتجوه وصانعوه، لكونه في الأول والأخير يظل فيلما بوليوديا بسيطا يضاف لما تنتجه بوليود والذي سينسى قريبا.