تستعد قضية الصحراء المغربية لدخول مرحلة دقيقة مع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن في أكتوبر المقبل، والتي سيعرض خلالها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، تقريره حول آخر تطورات الملف، وزيارة المسؤول الأممي (دي ميستورا) الثلاثاء الماضي إلى الجزائر ولقاؤه بوزير خارجيتها أحمد عطاف أعادا إلى الواجهة التباين الواضح بين الخطاب الجزائري المتمسك بمقولات “تصفية الاستعمار”، وبين المقاربة الدولية التي باتت تنحو بشكل متزايد نحو اعتبار مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 الحل الواقعي والعملي الوحيد لإنهاء هذا النزاع؛ خاصة في ظل الدعم المتجدد من قوى كبرى كالولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، فضلاً عن عواصم أوروبية وإفريقية وازنة.
ولكن هذه الدينامية تطرح في المقابل أكثر من علامة استفهام حول المسار المقبل؛ وإن كان سيظل مجلس الأمن مقيَّدا بالمقاربات التقليدية نفسها أم أنه بصدد صياغة مقاربة جديدة أكثر وضوحا تُحمِّل الجزائر مسؤوليتها المباشرة في النزاع، وإن كانت ستبقى بعثة “المينورسو” أسيرة مراقبة وقف إطلاق النار أم أنها مقبلة على تحول نوعي تحت مسمى “المنساسو” لمواكبة تنزيل مبادرة الحكم الذاتي على الأرض، وإلى أي مدى تستطيع الجزائر الاستمرار في خطاب الحياد في وقت تتصاعد فيه عزلتها الدبلوماسية وتضيق هوامش مناورتها الإقليمية والدولية.
استقبل وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، السيّد @AhmedAttaf_Dz ، مساء اليوم، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، السيّد ستافان دي ميستورا، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى الجزائر. pic.twitter.com/13C2Sa3oGj
— وزارة الشؤون الخارجية| MFA-Algeria (@Algeria_MFA) September 16, 2025
❖ خطوة إجرائية
يشير هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية والأمنية، إلى أن هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية عابرة، بل تحمل في طياتها رسائل متعددة، وتدخل في خانة التحضير المباشر لجلسة مجلس الأمن في أكتوبر المقبل، حيث سيتعين على دي ميستورا تقديم تقريره المفصلي حول قضية الصحراء المغربية.
وأبرز معتضد في تصريح لجريدة “شفاف”، أن دي ميستورا سعى إلى جمع معطيات ميدانية قبل صياغة تقرير قد يتضمن لغة أكثر وضوحًا في تسمية الأطراف، وربما توصيات عملية لتطوير تفويض البعثة الأممية.
استثمارات فرنسية في قلب الصحراء المغربية.. تحول في المقاربة أم سباق نحو الريادة؟
وأردف أنه في المقابل، تعاملت الجزائر مع هذه الزيارة كفرصة لإظهار نفسها شريكا “جادًا” في العملية التفاوضية، لكنها لم تخرج عن خطابها التقليدي المكرر حول “حق تقرير المصير”.
وهذه الازدواجية تكشف، في نظر الخبير، أن الجزائر تحاول الإبقاء على هامش مناورة محدود، لكنها تفقد تدريجيًا زخمها المعنوي السابق، إذ باتت لقاءاتها مع المبعوث الأممي أقرب إلى محطات دفاعية تهدف إلى كبح التحولات المقبلة في الموقف الأممي، أكثر مما تعكس دينامية استراتيجية جديدة.
❖ تحول الخطاب
واحدة من أبرز الإشارات التي توقف عندها هشام معتضد، هي التغيير الرمزي في لغة المبعوث الأممي؛ فتصريح دي ميستورا الأخير، الذي اعتبر الجزائر “طرفا مباشرا” في النزاع، يعد تحولاً بيانيًا مهمًا، لأنه يقطع مع السردية الجزائرية القائمة على أنها “دولة مجاورة” لا غير.
وأوضح أن هذا التحول ليس اعتباطيًا، بل جاء نتيجة ضغوط مارستها قوى كبرى داخل مجلس الأمن؛ خاصة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، التي ترى أن استمرار غض الطرف عن مسؤولية الجزائر يعطل مسار التسوية.
وأضاف الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية والأمنية، أن هذا التحول يظل مؤشرًا أوليًا فقط، لأن الانتقال من لغة المبعوث إلى قرارات رسمية يحتاج إلى توافق بين أعضاء المجلس وصياغة نصوص ملزمة.
ولفت إلى أنه من منظور استراتيجي، فهذا التصريح يعكس تغيرًا تدريجيًا في التوازنات الدولية لصالح مقترح الحكم الذاتي، لكنه يبقى رهينا بمدى قدرة المجتمع الدولي على ترجمة هذا الخطاب إلى آليات عملية، كفرض ضغوط سياسية على الجزائر، أو ربط تعاونها الأمني والاقتصادي بمستوى تجاوبها مع الحل السياسي.
❖ دعم القوى الكبرى
يرى معتضد أن الدعم المتجدد من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة لمبادرة الحكم الذاتي غيّر قواعد اللعبة داخل مجلس الأمن، مبرزًا أنه حين تتبنى دول دائمة العضوية خيارًا سياسيًا، تصبح فرص المناورة أمام المعارضين محدودة، ويزداد صعوبة تعطيل القرارات الداعمة للحل.
وأكد على أن هذا الدعم يمنح المغرب شرعية سياسية قوية، ويهيئ أرضية لتضمين تقارير الأمم المتحدة وقراراتها بنودًا تدفع تدريجيًا نحو الانتقال من مجرد مراقبة وقف إطلاق النار إلى مواكبة تنزيل الحكم الذاتي.
وحذر الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية والأمنية، في الوقت ذاته من أن هذا الزخم قد يظل مرهونًا بالمصالح الكبرى لتلك القوى؛ خصوصًا في مجالات الطاقة والتعاون الأمني مع الجزائر نفسها.
وأشار إلى أن الإجماع الدولي حول المبادرة المغربية آخذٌ في التوسع، لكنه ليس مطلقًا، ويظل عرضة للتوازنات الاستراتيجية الأوسع في المنطقة، حيث لا تزال حسابات الاستقرار الإقليمي تفرض نفسها على طاولة القرار.
❖ مهام البعثة
إحدى النقاط التي تثير الجدل مع اقتراب جلسة أكتوبر، تتمثل في إمكانية تحول مهام بعثة الأمم المتحدة من “المينورسو” إلى “المنساسو”، وبالنسبة لمعتضد، فمجرد طرح هذا السيناريو يعكس نية في إعادة توجيه الدور الأممي من مراقبة وقف إطلاق النار إلى مواكبة تنفيذ مشروع الحكم الذاتي.
وأبرز أن هذا التحول لو تحقق، سيكون نوعيًا لأنه ينقل الملف من حالة الجمود إلى مرحلة عملية أكثر دينامية، لكنه يتطلب قرارًا سياسيًا من مجلس الأمن وموارد مالية ولوجستية كبيرة، إضافة إلى توافق واسع بين القوى الكبرى.
بين “المينورسو” و”المنساسو”.. هل يقترب نزاع الصحراء من محطة الحسم أم من إعادة إنتاج الجمود؟
وأوضح أنه لا يمكن التعامل معه كتحول تلقائي، بل كمؤشر على توجه جديد، مشيرًا إلى أنه على المستوى الاستراتيجي، مجرد تداول هذا السيناريو يضع الجزائر والبوليساريو أمام ضغوط تكتيكية كبيرة.
ولفت إلى أن وجود بعثة أممية بمسؤوليات تنفيذية سيعني بداية تراجع صلاحياتهما في التحكم بالخطاب والواقع الميداني، مبرزًا أنه هنا يبرز الرهان المغربي على تقديم خارطة طريق عملية تعزز من فرص تحويل هذه النية إلى واقع ملموس.
❖ رهانات المغرب
في قراءته لخيارات المغرب، يوضح هشام معتضد أن الرباط مطالبة بالانتقال من خطاب المبادرة إلى تفاصيل التنفيذ العملي، مقترحًا في هذا السياق خارطة مؤسساتية واضحة تتضمن برامج اقتصادية واجتماعية وضمانات حقوقية قابلة للمراجعة الدولية، حتى تصبح مبادرة الحكم الذاتي واقعا قابلا للقياس والتنفيذ.
وفي الجانب الدبلوماسي، دعا المغرب إلى الاستثمار في تحالفاته الغربية والإفريقية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على قنوات تفاوض محدودة عبر وساطات دولية، لتقليل الكلفة السياسية وقطع الطريق على الرواية الجزائرية.
وأكد أن البعد العملي يبرز بقوة في هذا الرهان، مشددًا على ضرورة إنشاء آليات أممية-محلية مشتركة للمتابعة، بما يعكس جدية المغرب في تحويل الدعم السياسي إلى واقع ملموس.
ونبه الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية والأمنية، إلى أن هذا التحرك إن تحقق، من شأنه أن يحول الصحراء من ملف نزاع إقليمي جامد إلى مشروع استقرار وتنمية إقليمي مربح، وهو ما يزيد من صعوبة تعطيله من قبل الأطراف المعارضة.
وأبرز أن جلسة مجلس الأمن الدولي في أكتوبر المقبل لن تكون مجرد محطة شكلية في مسار النزاع، بل قد تمثل بداية تحول نوعي في مقاربة الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين للملف.

