أعادت المراسلة الأخيرة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) الموجهة للمجموعة التجارية “مرجان” بأكادير، بخصوص احتواء منتج “البطيخ الأحمر” (الدلاح) على بقايا مكونات غير صحية، الحديث مجددا عن مدى احترام استعمال اللغة العربية في مثل هذه الأمور الإدارية الرسمية بدل اعتماد اللغة الفرنسية.
قضية “بطيخ مرجان” الملوث بمواد سامة.. “أونسا” تكشف لـ”شفاف” معطيات حصرية والخراطي يدق ناقوس الخطر
•الدستور واللغة الرسمية
ينص الفصل الخامس من دستور المملكة على التالي:
“تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء، يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.
تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر.
يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره”.
•مضيان يجدد النقاش
في إطار الجدل التي أحدثته المراسلة المذكورة، توجه نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، -الذي يعد حزبه (الاستقلال) أحد أضلاع الائتلاف المشكل للحكومة-، بسؤال كتابي إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حول “مدى احترام استعمال اللغة العربية في المراسلات الإدارية الرسمية بدل اعتماد اللغة الفرنسية”.
وأبرز مضيان في معرض سؤاله أنه على الرغم من المنشور الصادر عن رئاسة الحكومة بتاريخ 30 أكتوبر 2018، والذي يلزم الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بكل مرافقها، بضرورة استعمال اللغة العربية أو الأمازيغية أو هما معا، في جميع تصرفاتها وأعمالها وقراراتها ومراسلاتها، فإنه للأسف الشديد لا زالت العديد من الإدارات والمؤسسات العمومية مصرة على تفضيل استعمال اللغة الفرنسية في العديد من مراسلاتها.
وأضاف أن آخر تلك المراسلات كانت تلك الموجهة من “أونسا”، في إطار التوعية ووقف بيع منتوج “البطيخ الأحمر”، والتي تم تحريرها من غير اللغة الرسمية للمغاربة، في تجاوز واضح للمقتضيات الدستورية، والتي تقضي صراحة بوجود لغتين رسميتين للدولة فقط، هما العربية والأمازيغية، سيما وأن هاته المراسلة تتوخى توجيه وتحذير المستهلكين.
وطالب باستعمال العربية كلغة تواصلية يستخدمها كافة المواطنين بمختلف شرائحهم، مضيفا “للأسف الشديد، وبكل بساطة تجاهل لهوية المواطن المغربي ولغتيه الرسميتين، وإصرار العديد من المسؤولين وتماديهم في استعمال اللغة الفرنسية وتغييب اللغتين الدستوريتين لبلادنا، يشكل في حد ذاته خللا في التواصل بين الإدارة والمرتفقين”.
وساءل مضيان، رئيس الحكومة، عن التدابير والإجراءات المزمع اتخاذها في هذا الصدد، من أجل إلزام استعمال اللغة العربية كلغة رسمية، من قبل الإدارات والمؤسسات العمومية، ولا سيما وأن هذا الاستعمال لم يعد يجد أساسه فقط في مقتضيات الفصل الخامس من الدستور، وإنما أيضا في الحكم القضائي الصادر عن إدارية الرباط بعدم مشروعية استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارة المغربية، والذي قضت محكمة الاستئناف بتأييده.
•منشور رئيس الحكومة
دعا سعد الدين العثماني رئيس الحكومة السابق في منشور له، صادر بتاريخ 20 أكتوبر 2014، مستندا إلى كل من دستور 2011، ومنشور الوزير الأول رقم 53/98 بتاريخ 11 دجنبر 1998، ومنشور الوزير الأول رقم 4/2008 بتاريخ 22 أبريل 2008، إلى إلزامية استعمال الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها للغة العربية أو اللغة الأمازيغية أو هما معا، في جميع تصرفاتها وأعمالها، وقراراتها وعقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق، سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم.
وأهاب العثماني وبشكل استعجالي، إلى العمل على أن يلتزم جميع المسؤولين والأطر والموظفين والمستخدمين التابعين لكم أو للهيئات والمؤسسات والمقاولات العمومية الخاضعة لوصايتكم، باستعمال اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية، في إصدار القرارات أو تحرير الوثائق الرسمية والمذكرات الإدارية وكافة المراسلات.
أوزين : اعتماد الحكومة على اللغة الفرنسية يشكل استفزازا لشعور المغاربة ولهويتهم الأصلية
•قرار المحكمة الإدارية
أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط سنة 2017، في سابقة تاريخية قرارًا يقضي بإلزامية استعمال الدولة بجميع مرافقها اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها وأعمالها.
واعتبرت المحكمة في نص الحكم أن “القرارات الإدارية المحررة باللغة الفرنسية تعد غير مشروعة لأنها مخالفة للدستور ومشوبة بعيب المخالفة الجسيمة للقانون ومآلها الإلغاء من طرف القضاء الإداري في إطار دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المنصوص عليها بالفصل 118 من الدستور”.
وتابعت “الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها تظل ملزمة باستعمال اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها وأعمالها، من بينها اعتمادها في تحرير قراراتها وعقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق المحررة بمناسبة تدبير جميع المرافق التابعة لها سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم، وفي جميع حالات التواصل الكتابي أو الشفهي مع المواطنين، وفي جميع حالات التواصل والتخاطب الكتابي والشفهي بأي وسيلة كانت مع المغاربة والأجانب، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، من قبل ممثلي الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والمرافق والإدارات العمومية التابعة بصفتهم هاته، في الحالات التي يكتسي فيها الأمر طابعا رسميا وعلنيا، فضلا على ما يتعين على الدولة القيام به من إجراءات وتدابير بغاية حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها، وفقا للمقطع الأول من الفصل الخامس أعلاه”.
وأضافت أن “اللغة الرسمية المقررة بنص دستوري تُعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، في بعدها الثقافي والتاريخي ذي الامتداد القانوني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولذلك فإن استعمال الإدارة للغة أجنبية بديلة عن اللغة الرسمية في المجالات المذكورة أعلاه يشكل تنازلا عن هذه السيادة في أبعادها المشار إليها، وانتهاكا لإرادة المواطنين المُجسدة بنص الدستور الذين اختاروا العربية والأمازيغية لغتين لمخاطبتهم من قبل الدولة وجميع المرافق العمومية الأخرى، كما أنه تصرف لا يمكن تبريره بأي مسوغات واقعية أو قانونية جدية”.
وأكدت أن “استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارات العمومية المغربية يعد عملا مخالفا للدستور، لأن اللغة المذكورة غير منصوص على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني، فضلا على أنها لا تمثل أي مظهر من مظاهر الهوية المغربية ماضيا وحاضرا وليس لها أي امتداد تاريخي بالمغرب ذي بعد وطني ومشروع”.
•“تناقض بين القانون والواقع”
في تصريح لجريدة “شفاف”، يرى فؤاد أبوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، أن هناك تناقض صريح بين ما هو مقرر في الدستور والمراسيم والقرارات الوزارية، وبين ما هو مطبق في الجانب العملي.
وأضاف أنه من الناحية القانونية، فاللغة الرسمية للدولة هي العربية، سواءً وفق ما نص عليه دستور المملكة أو ما جاء في عديد المراسيم الصادرة عن بعض رؤساء الحكومات السابقة، منذ مرحلة عبد الرحمن اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي ووصولا لسعد الدين العثماني.
اليونسكو : اللغة العربية بتاريخها العريق واتساع رقعة استعمالها تشكل إرثا ثقافيا للبشرية
وأوضح أن هذه المراسيم والمنشورات التي تؤكد على ضرورة أن تكون المراسلات والتواصل الإداري باللغة العربية، لم يستطع المغرب أن يفرض أو يتجاوز واقعا أهم ما يتسم به هو الانقلاب على كل من الدستور ومقتضيات التوافق الوطني التي تجعل العربية لغة التخاطب والتواصل الرسمي ببلادنا في كافة المجالات.
وشدد أبوعلي على أن من بين أهم مضامين رسمية اللغة هي استعمالها في الخطابات الرسمية والتواصل الإداري، معتبرا أنه على عكس ذلك يظهر وزراء ومسؤولين في مؤسسات عمومية يتحدثون في أمور تهم المواطن المغربي بلغة فرنسية.
وتساءل رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، عن أسباب استعمال الفرنسية البعيدة عن المجال الثقافي للمغرب، مشيرا إلى أنها لغة غير قانونية فيما يخص التعامل الإداري، لافتا إلى ما يقع الآن سواءً من طرف “أونسا” أو غيره من المؤسسات والإدارات العمومية للدولة.
وأبرز المتحدث ذاته، أن من لا يؤمن بغير اللغة العربية ولا بالسيادة اللغوية للبلاد ولا بالهوية الوطنية، لا يمكن له أن يدبر قطاعا حكوميا معينا أو مؤسسة عمومية، مشيرا إلى أن ما يقع هو انقلاب صريح على الدستور، مبرزا أن اللغة العربية لم تعاني يوما مثلما يحدث مع الحكومة الحالية؛ من إجحاف وتهميش مقصودين.