منذ استقباله زعيم جبهة البوليساريو في تونس سنة 2022، لا زال الرئيس التونسي قيس سعيد يخلق الجدل بدعمه لهذه الحركة، وذلك بعد فتحه أبواب الجامعات التونسية لفعاليات مرتبطة بالجبهة، حيث احتضنت مدينة الحمامات التونسية ملتقى بعنوان “المقاومة والصمود.. مقاربات متعددة”، والذي نظم نهاية الأسبوع الماضي من طرف مركز بحثي جزائري في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية بشراكة مع جامعة المنستير بتونس، بمشاركة باحثين من الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، إضافة إلى آخرين من مخيمات تندوف، والذين قاموا بإلقاء محاضرات تحتفي بالانفصال في الصحراء المغربية، وهذا التوجه يمثل تغييرًا ملحوظًا في السياسة الخارجية التونسية التي كانت تقليديًا تلتزم الحياد في قضية الوحدة الترابية للمملكة.
بعد سنتين من القطعية .. هل تستعيد العلاقات المغربية التونسية عافيتها في عهد قيس سعيد؟
♦ خلفيات الخطوة التونسية
اعتبر بوبكر أنغير، الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن اختراق البوليساريو بدعم جزائري للجامعات التونسية أمر ملحوظ منذ مدة ومقصود، لأنه يتعلق باستراتيجية جزائرية واضحة لتطويق المغرب ودفعه خارج الاتحاد المغاربي.
وقال أنغير في تصريح لجريدة “شفاف”، إن هذا المخطط الجزائري قائم على استمالة النظام التونسي والضغط عليه اقتصاديا واشتراط الاقتراض الذي تعطيه الجزائر بشروط سياسية أهمها الابتعاد عن المغرب واعتناق الأطروحة الانفصالية.
وأردف الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن المغرب واع كل الوعي بخطورة ما يحاك للعلاقات بين الشعبين المغربي والتونسي ومحاولات توتير الأجواء السياسية التاريخية عبر بوابة الجامعات التونسية.
وأبرز أن هذه المحاولات الدنيئة ستفشل لعدة اعتبارات؛ أولها أن النظام التونسي الحالي معزول شعبيا والنخب الحقيقية التونسية لا يمكن أن تفرط في العلاقات مع المغرب مقابل حفنة من الانفصاليين، وثانيا باعتبار أن المؤشرات السياسية والاقتصادية كلها توحي بأن النظام التونسي الحالي لا يمكن أن يستمر في حصد العداوة مع الرباط؛ بالنظر إلى أن الأخيرة أقوى سياسيا ودبلوماسيا من الجزائر.
♦ مستقبل العلاقات
يرى بوبكر أنغير أن الرهان التونسي على النظام الجزائري براغماتي ومؤقت ولا يستند إلى أي معطيات صلبة، مشيرا إلى أن موقف تونس ظرفي ومرتبط بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها نظام هذا البلد منذ سنوات.
ولفت إلى أن ما يؤكد إمكانية عدم استمرار هذا الفتور في العلاقات بين الرباط وتونس هو الاحتباس الديمقراطي الذي يشهده القطر التونسي اليوم، مبرزا أن الأمر لن يستمر بطبيعة الحال لأن العلاقات المغربية التونسية تمرض ولا تموت.
واعتبر الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن صلابة وقوة العلاقات بين البلدين؛ تعود لكونها مبنية على التاريخ والمصير المشترك، موضحا أن النخبة التونسية واعية كل الوعي بأن العلاقات مع المغرب لا محيد عنها ومطلوبة وضرورية بالنسبة لها.
♦ رد الدبلوماسية المغربية
يشير بوبكر أنغير إلى أن عمل الدبلوماسية المغربية تجاه تنامي الطرح الانفصالي بالجامعات التونسية، يجب أن يتحرك في اتجاهين؛ أولا عبر تحريك عملية المباحثات والتواصل المباشر مع الأشقاء التونسيين على الصعيد الرسمي.
وتابع الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، أن الجانب الثاني يرتبط بمداخل التأثير والعمل داخل المجتمع المدني التونسي القوي جدا، والذي كان دائما مثالا للمجتمع الحي المتحرك الذي طالما ناضل من أجل نظام تونسي ديمقراطي تعددي.
وأشار إلى أن سياسة الجزائر في استمالة النظام التونسي وخاصة الرئيس لن تستمر طويلا، باعتبار أن عمر الرئيس سعيد لا يسمح له بالبقاء في السلطة كثيرا، مبرزا أن الدبلوماسية المغربية لها أوراق كثيرة يمكن اللعب بها وخاصة بعد رجوع الدفء للعلاقات المغربية الفرنسية ووصول دونالد ترامب للبيت الأبيض مجددا.
قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية.. هكذا كرس القرار انتصار الدبلوماسية المغربية وعرى فشل الجزائر
واستطرد أن هناك عديد المعادلات التي هي لصالح المغرب اليوم، وفي مقدمتها نفوذه الإقليمي والقاري الذي يتوسع يوما بعد آخر، ما سينعكس إيجابا على العلاقات الخارجية للمملكة، لافتا إلى أن النظام التونسي أيضا له معارضة سياسية قوية من الإسلاميين والعلمانيين، وبالتالي فشركاء الرباط سيكون لهم دور كبير في مصيره (النظام التونسي).
وشدد على أنه عندما ستضغط فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في هذا الجانب على تونس، فالمغرب هو المخاطب في المنطقة، مضيفا أن استراتيجية ترامب تقوم على تقوية الرباط لتلعب دورا مهما للحد من الدور الروسي في إفريقيا، مبرزا أن المملكة المغربية تعوِّل عليها أمريكا وفرنسا كبوابة نحو إفريقيا.