رسم تقرير أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، حول قضية الصحراء المغربية المرتقب عرضه شهر أكتوبر الحالي على أنظار مجلس الأمن الدولي؛ صورة قاتمة عن الأوضاع في المنطقة جراء استمرار تصاعد الاحتكاكات العسكرية بين المغرب وجبهة البوليساريو، لاسيما من طرف هذه الأخيرة التي وقعت في مجموعة من الخروقات المرتبطة بذلك؛ أهمها استمرار القيود المرتبطة بتنقل بعثة “المينورسو” وإعلانها اللجوء للخيار العسكري، إلى جانب تردي الوضع الإنساني لساكنة مخيمات تندوف، وغياب أي حل يكون متوافق عليه من أطراف هذا الصراع يلوح في الأفق، مبرزا بذلك فشل المساعي السياسية لحل هذه الأزمة.
وأوصى غوتيريش في تقريره السنوي إلى ضرورة تحسين العلاقات بين المغرب والجزائر والانخراط الجاد في الحل السياسي، مشيرا إلى أنه مع اقتراب الذكرى الخمسين للصراع، لا يزال هذا السياق الصعب يجعل التوصل إلى حل سياسي لقضية الصحراء المغربية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، داعيا للبناء على قرارات مجلس الأمن السابقة ألا وهي 2440 (2018)، و2468 (2019)، و2494 (2019)، و2548 (2020)، و2602 (2021)، و2654 (2022)، و2703 (2023)، والتي أكدت بشكل متدرج وتصاعدي على أولوية اقتراح الحكم الذاتي المغربــي، وبلوغ الحـل السياسـي المتفق عليه، والإحصاء الضـروري لساكنة تندوف، ونجاعة اجتماعات المائدة المستديرة في إطار استئناف عمليـة التفـاوض، وذلك بحضور الأطراف الرئيسية في هذا الملف؛ ألا وهي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو.
♦ دلالات التقرير الأممي
قال بلال التليدي، الكاتب والمحلل السياسي، في تصريح لجريدة “شفاف”، إن دور الأمم المتحدة هو التوسط لحل النزاع السياسي وفق المحددات التفاوضية المتعارف عليها في هذا الجانب، مشيرا إلى أنه في الحالات التي لا تصل فيها الأطراف إلى الحد الأدنى من التفاهم، يصبح دور الأجهزة الأممية غير فعال، وذلك ما يحدث اليوم في ملف الصحراء المغربية.
وأردف أن تتبع هذه القضية منذ بدايتها وإلى الآن؛ يظهر جليا أن جبهة البوليساريو لا تزال تتشبث بخيار تقرير المصير، والذي تم التأكيد أمميا من خلال التقارير الصادرة عن مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة المتعاقبين بخصوص قضية الصحراء خلال السنوات الأخيرة على أم الاستفتاء أصبح أمرًا متجاوزا وغير قابل للتطبيق على أرض الواقع.
وأبرز أن المغرب طرح في 2007 مبادرة الحكم الذاتي كحل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، وهو ما يلقى دعما دوليا متزايدا، وذلك في ظل الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على صحرائها من طرف كبرى القوى العالمية كأمريكا وفرنسا وإسبانيا، مشددا على أن كل هذه الأمور تؤكد مصداقية وجدية هذه المبادرة وقدرتها على التطبيق.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة ليس أمامها أي خيار آخر سوى أن تدفع في اتجاه مبادرة الحكم الذاتي أو أن تعلن عن عدم قدرتها على التوسط حول حل هذا النزاع، مبرزا أن المشكلة الحاصلة اليوم بخصوص هذا الملف هو أن البوليساريو ومن خلفها الجزائر ليس لها أي مقترح مقبول أو يحظى على الأقل بالحد الأدنى.
وتابع أن البوليساريو لا تقبل أيضا بالمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، وأنها في المقابل تعلن أنها ستدخل في مسار عسكري ضد المملكة المغربية، وهي ما تلقى فيه الجبهة الانفصالية الدعم من قِبل الجزائر، وهو ما يصاحب كذلك قيام هذه الأخيرة بقطع العلاقات مع الرباط بشكل كامل، لتزيد بذلك من منسوب توتر العلاقة بين البلدين، وبالتالي وضع عراقيل جديدة أمام تسوية نهائية لهذا الملف.
ولفت الكاتب والمحلل السياسي، إلى أن المغرب كان مجبرا على الرد على الاحتكاكات العسكرية والأمنية التي تقوم بها الجهات المناوئة للوحدة الترابية للمملكة، موضحا أن هذا هو الذي يبرز إشارة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لتصاعد التوتر بين الجانبين خلال الأشهر الأخيرة بالمنطقة.
وأشار إلى أن التقرير الأممي الذي أبرز أيضا وجود تدهور للأوضاع الإنسانية بمخيمات تندوف وعدم وجود وقف لإطلاق نار كامل ساري المفعول بين المغرب وجبهة البوليساريو، لم يعكس إلا الواقع الذي يعرفه ويشهد عليه الجميع.
♦ قرار مجلس الأمن
يشير بلال التليدي إلى أنه في نهاية المطاف سيدفع التقرير بمجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار جديد نهاية أكتوبر الجاري؛ من شأنه إعادة نفس مضامين القرارين الأخيرين السابقين، اللذين اعتبرتهما الجزائر انتصارا للمغرب وانحياز لأطروحته، موضحا أنه سيتم أيضا التأكيد من جديد على أهمية مبادرة الحكم الذاتي والإشارة إلى كونها جدية وذات مصداقية وقابلة للتطبيق.
وأردف أنه لا حل لهذه القضية إذ استمرت الأوضاع على ما عليه ولم يتم التوجه لإصلاح العلاقة بين المغرب والجزائر، مبرزا أن هذا الأمر يقع بشكل خاص على عاتق الجزائر، موضحا أن الحسم في ذلك وقتها سيكون رهينا بالديناميات، أي بمن يتقدم دبلوماسيا، لافتا إلى أنه في هذا الجانب نجد أفضلية كبيرة للرباط.
وأضاف أن هناك في المقابل هزائم كبير ومتعاقبة للبوليساريو ولراعيتها الرسمية ألا وهي الجزائر في الجانب الدبلوماسي، موضحا أن ذلك يبرز جليا على مستوى قرارات مجلس الأمن منذ 2018، حيث أُحرقت بشكل تام ورقة الاستفتاء.
وتابع الكاتب والمحلل السياسي أن مجلس الأمن من جهة أخرى ظل يتحدث عن الدينامية المتجددة للإشعاع والمكاسب التي حققتها المبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما جعله خلال السنوات الأخيرة يشيد فيها بهذا الأمر عبر أكثر من قرار صادر عنه بخصوص قضية الصحراء المغربية.
ولفت إلى أن قرار تمديد ولاية بعثة “المينورسو” المرتقب لسنة إضافية أخرى يعد أمرًا عاديا وطبيعيا، لكون أن هذه القوات مكلفة بشكل أساسي بضمان السلام وحفظ الأمن بالمنطقة، وفي الوقت ذاته بتسجيل الخروقات والانتهاكات التي قد تحدث من قِبل الطرفين.
وشدد على أن التجديد لـ”المينورسو” معناه أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل خاص لا زال لم يرفع يده عن هذا الملف ويمني النفس بالقدرة على أن يتوسط لحل هذا النزاع، لافتا إلى أن عدم تمديد عمل هذه البعثة الأممية يعني فتح المجال أمام الطرفين لشرعنة الوصول للخيار العسكري.
وأوضح أن “المينورسو” تُبقي على خط التفاوض السياسي وعلى الحفاظ على قواعد الاشتباك سواءً كانت سياسية أم عسكرية، مشيرا إلى أن البوليساريو أعلنت اللجوء للخيار الأخير (العسكري) بعدما صدمت بالقرارين الأخيرين لسنتي 2022 و2023 المتعلقين بالإشارة لجدية مقترح الحكم الذاتي المغربي.
واعتبر أن التحولات الدولية الأخيرة المتعلقة باعتراف عديد البلدان بسيادة المغرب على صحرائه والتأييد المتزايد يوما بعد آخر الذي يحظى به مقترح الحكم الذاتي سيكون لها تأثير واضح، لاسيما وأنه يأتي من طرف دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وهما العضوين الدائمين بمجلس الأمن الدولي.