كشف تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023 عن تراجع معدل الاعتقال الاحتياطي، الذي استقر عند 37.56% بنهاية العام. مشيرا إلى إلغاء النيابات العامة لـ 15,555 برقية بحث بسبب التقادم، بالإضافة إلى 21,606 برقية بحث أخرى لأسباب مختلفة.
ورغم هذا الانخفاض، شهدت سجون المملكة، وفق التقرير، ارتفاعًا ملحوظًا في عدد النزلاء، حيث تجاوز عددهم 100,000 سجين خلال شهر غشت 2023.
وفقًا للمعطيات الواردة في التقرير، عالجت النيابات العامة 40,115 ملفًا متعلقًا بالإكراه البدني، ما أسفر عن إلغاء 9,066 أمرًا بالاعتقال، إما لانقضاء المدة القانونية أو لعدم استيفاء الشروط اللازمة.
تقرير النيابة العامة.. الاعتقال الاحتياطي في المغرب يتجاوز 100 ألف حالة وسط جهود للترشيد
♦الاعتقال الاحتياطي إشكالية كبرى
أكد عبد اللطيف رفوع، عضو المرصد المغربي للسجون، أن الاعتقال الاحتياطي يظل إشكالية كبرى في المنظومة القضائية المغربية، رغم تسجيل انخفاض طفيف في نسبته وفقًا لما ورد في التقرير الأخير للنيابة العامة.
وأوضح عضو المرصد المغربي للسجون في تصريح لجريدة “شفاف”، أن نسبة المعتقلين احتياطيًا بلغت 37.56%، مسجلة تراجعًا عن النسبة السابقة المقدرة بـ45%، إلا أن العدد الإجمالي للمعتقلين تجاوز 100,000 سجين خلال شهر غشت من سنة 2023، مما يعكس استمرار هذه الظاهرة وتأثيرها على المؤسسات السجنية.
وأضاف رفوع أن النيابة العامة تبذل جهودًا لتقليص اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي عبر اعتماد بدائل قانونية، مثل الكفالة المالية، والمراقبة القضائية، ومنع السفر، معتبرًا أن هذه الإجراءات تساهم في الحد من تفاقم الظاهرة، لكنها تحتاج إلى تفعيل أوسع وضمانات أقوى لتجنب الاعتقال غير المبرر.
♦التحديات القانونية والحقوقية للاعتقال الاحتياطي
أوضح عضو المرصد المغربي للسجون أن الاعتقال الاحتياطي يطرح عدة إشكالات قانونية وحقوقية، أبرزها المساس بقرينة البراءة، حيث يتم احتجاز المتهمين قبل صدور حكم قضائي يدينهم بشكل نهائي.
وأشار رفوع إلى وجود حالات لمعتقلين قضوا شهورًا داخل السجون احتياطيًا، ليتم تبرئتهم لاحقًا، مما يثير تساؤلات حول مدى احترام هذا الإجراء لحقوق الأفراد.
كما لفت المتحدث إلى أن بعض المعتقلين اللذين يُحكم عليهم لاحقًا بعقوبات مخففة أو موقوفة التنفيذ، مما يجعل اعتقالهم الاحتياطي غير مبرر من الناحية القانونية. و
أضاف رفوع أن اللجوء إلى هذا الإجراء يُفترض أن يكون استثنائيًا، لكنه في الواقع لا يزال يُمارس بشكل واسع، مما يستدعي مراجعة صارمة لمعايير تطبيقه.
♦الآثار السلبية على المؤسسات السجنية والسجناء
تطرق رفوع إلى التأثيرات السلبية للاعتقال الاحتياطي على المؤسسات السجنية، مشيرًا إلى أنه يؤدي إلى الاكتظاظ داخل السجون، مما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة للسجناء، سواء من حيث الرعاية الصحية أو التأهيل وإعادة الإدماج.
وأكد أن الاكتظاظ يحدّ من فعالية البرامج الإصلاحية، حيث يصعب توفير بيئة مناسبة لإعادة تأهيل السجناء عندما تكون المؤسسات السجنية غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة منهم.
وأورد أن هذا الوضع يضر بالسجناء أنفسهم، إذ يحرم العديد منهم من فرص التكوين والتأهيل بسبب الضغط الكبير على المؤسسات، كما يؤثر على صحتهم النفسية والاجتماعية.
مندوبية السجون تسجل رقما قياسيا في عدد السجناء.. فهل تحد العقوبات البديلة من الاكتظاظ في السجون؟
وأشار إلى أن التخفيف من الاعتقال الاحتياطي سيساهم في تحسين ظروف الاعتقال وتقليل التكاليف المالية التي تتحملها الدولة في تدبير السجون.
♦دور العقوبات البديلة في الحد من الاعتقال الاحتياطي
اعتبر رفوع أن العقوبات البديلة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في الحد من اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، مشيرًا إلى أن هذه المقاربة معمول بها في العديد من الدول التي نجحت في تقليص عدد المعتقلين داخل سجونها.
وأبان أن القانون المغربي أقرّ حديثًا عقوبات بديلة، تشمل العمل للمصلحة العامة، والغرامات التصاعدية، والمراقبة الإلكترونية، وهو ما من شأنه أن يساهم في تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية.
وشدد على أن نجاح هذه العقوبات رهين بمدى فعالية تطبيقها، داعيًا إلى الإسراع بإصدار النصوص التنظيمية التي تحدد كيفية تنفيذها. مؤكدا على ضرورة توعية القضاة والنيابة العامة بأهمية اللجوء إلى هذه البدائل كخيار أول قبل التفكير في الاعتقال الاحتياطي، خاصة في الجرائم غير الخطيرة.
♦مراقبة قرارات الاعتقال الاحتياطي ودور المجتمع المدني
وحول سبل تعزيز مراقبة قرارات الاعتقال الاحتياطي، أشار رفوع إلى أن هناك رقابة قضائية ذاتية تمارسها النيابة العامة والمحاكم، من خلال مراجعة قرارات الاعتقال الاحتياطي، والبت في طلبات الإفراج المؤقت. ملفتا إلى وجود رقابة من قبل غرفة الجنح الاستئنافية التي يمكنها النظر في الطعون المتعلقة بهذه القرارات.
غير، أن رفوع شدد على أهمية تعزيز هذه الرقابة من خلال إقرار آليات إضافية، مثل إلزام النيابة العامة بتقديم مبررات واضحة ومُعللة لكل قرار اعتقال احتياطي، وضمان حق الدفاع في الطعن بفعالية ضد هذه القرارات.
كما دعا إلى تفعيل دور المؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني في رصد وتتبع حالات الاعتقال الاحتياطي، وتقديم تقارير دورية تسلط الضوء على التجاوزات المحتملة في هذا الإطار.
وأكد أن المجتمع المدني، وخاصة المنظمات الحقوقية، لعب دورًا محوريًا في الدفع نحو إصلاح هذا النظام، حيث ساهمت في إثارة النقاش حول خطورة الاعتماد المفرط على الاعتقال الاحتياطي، ودفعت نحو تبني إصلاحات قانونية تهدف إلى ترشيده.
وذكر أن المرصد المغربي للسجون، إلى جانب منظمات حقوقية أخرى، تقدم توصيات ومقترحات مستمرة للجهات المختصة بهدف تحسين المنظومة القضائية والسجنية بالمغرب.
وشدد عبد اللطيف رفوع في نهاية تصريحه، على ضرورة تكثيف الجهود لضمان توازن عادل بين مقتضيات العدالة وحماية حقوق الأفراد، مؤكدًا أن تقليص اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي سيُساهم في تحسين أوضاع السجون وتعزيز احترام الحقوق الأساسية للمواطنين.
وأعرب عن أمله في أن تُترجم الإصلاحات القانونية إلى ممارسات عملية تُقلل من الاعتقال الاحتياطي غير المبرر، وتضمن عدالة أكثر نجاعة وإنصافًا للجميع.
في حوار مع “شفاف” .. رئيس المرصد المغربي للسجون يشخص ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية ويطرح الحل