في جلسة الأسئلة الشفوية بالبرلمان، كشفت أمل الفلاح السغروشني، الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، عن جهود الحكومة في تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
وأوضحت الوزيرة أن وزارتها تعمل حاليًا على إدراج اللغة الأمازيغية في أكثر من 1000 لوحة وعلامة تشوير داخل الإدارات العمومية المغربية، بما في ذلك السفارات والقنصليات. مضيفة أنه تم بالفعل كتابة حروف تيفيناغ على حوالي 3000 لوحة وعلامة تشوير موزعة على سبع إدارات.
وأكدت السغروشني أن الحكومة تولي أهمية كبرى لتنفيذ مقتضيات القانون التنظيمي رقم 26.16، الذي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وذلك من خلال عدة إجراءات.
ومن بين هذه الإجراءات، ذكرت الوزيرة مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي لصندوق تحديث الإدارة العمومية، بهدف إدراج الأمازيغية ضمن المجالات التي يدعمها الصندوق. مشيرة إلى إحداث مديرية خاصة باستعمال اللغة الأمازيغية ضمن هيكل الوزارة.
وفيما يتعلق بمراكز الاستقبال والاتصال، كشفت الوزيرة أنه بحلول نهاية السنة الحالية، ستتمكن الوزارة من توفير 2373 عوناً ناطقاً بالأمازيغية بمختلف تنويعاتها (تاشلحيت، تامازيغت، وترفيت).
إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية.. ماهي الإشكالات والمعوقات التي تواجه تنزيل هذا الورش؟
وأبانت أن هناك حالياً 464 عوناً ناطقاً بالأمازيغية موزعين على المستويات المركزية واللاممركزة، بالإضافة إلى برمجة تشغيل 1840 عوناً جديداً خلال العام الجاري. مشيرة إلى أنه سيتم تخصيص 69 عوناً ناطقاً بالأمازيغية لعشرة مراكز اتصال كمرحلة أولى.
وفي إطار تعزيز الحضور الرقمي للأمازيغية، أفادت السغروشني بأن الوزارة أدرجت اللغة الأمازيغية في عشرة مواقع إلكترونية رسمية كمرحلة تجريبية، على أن يتم تعميمها مستقبلاً على جميع المواقع الرسمية للإدارات العمومية.
كما أكدت أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تعمل على تطوير منصة تعليمية خاصة بتعليم اللغة الأمازيغية عن بعد لفائدة التلاميذ والتلميذات.
♦الحكومة تكرس سياسة الهشاشة
اعتبر عبد الله بوشطارت، الصحفي والباحث الأكاديمي، تصريحات الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، بشأن تنزيل اللغة الأمازيغية في السياسات العمومية بغير الجديدة، معتبراً أنها تعكس استمرار الحكومة في تقديم إجراءات سطحية ورمزية لا ترقى إلى مستوى التحديات.
وفي حديثه مع جريدة “شفاف”، أوضح الباحث الأكاديمي، أن ما تقدمه الحكومة في هذا الإطار هو مجرد استهلاك سياسي وإعلامي لا يعكس إرادة حقيقية أو رؤية واضحة لتنزيل الأمازيغية بشكل شامل في السياسات العامة، ما يعد مؤسفًا للغاية.
وأضاف الناشط الأمازيغي، أن الحكومة تروج لإجراءات تقنية بسيطة مثل إدماج الأمازيغية في لوحات التشوير الطرقية، وهو أمر يمكن أن تقوم به الجمعيات أو حتى الأفراد، مما يكشف غياب التخطيط الاستراتيجي.
تعميم تدريس اللغتين الأمازيغية والإنجليزية بين إكراهات التنزيل وآفاق التفعيل
وأكد بوشطارت أن الحكومة الحالية لا تملك تصورًا حقيقيًا لتفعيل مضامين القانون التنظيمي رقم 26.16، ولا تسعى إلى إدماج الأمازيغية في المؤسسات العمومية بشكل جاد.
وأبان المتحدث أن ما يتم تقديمه سنويًا تحت مسمى “تقييم” حول إدماج اللغة الأمازيغية هو في الحقيقة تقزيم لحجم هذه القضية الكبرى. مبرزا على أن الأمازيغية ليست قضية تقنية أو رمزية، بل قضية سياسية واستراتيجية، تتعلق بهوية المغرب وتاريخه.
وأشار إلى أن الأمازيغية تعرضت للإقصاء طوال 60 عامًا، ولم تكن حاضرة في المدرسة أو الإعلام أو الإدارة أو أي من مؤسسات الدولة. مردفا أنه ورغم مرور 13 عامًا على دسترة الأمازيغية، وأكثر من 6 سنوات على إصدار القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل طابعها الرسمي، إلا أن الحكومة لم تحقق أي نتائج ملموسة.
واعتبر بوشطارت أن ما يتم الإعلان عنه سنويًا من إجراءات هو بمثابة تجاهل لعمق المشكلة، وعدم احترام للدستور والقوانين.
♦التعليم كأولوية في تنزيل الأمازيغية
وأوضح الباحث الأكاديمي، أن قضية الأمازيغية يجب أن تبدأ من التعليم، حيث أن المدرسة هي الأساس في تنمية وحماية أي لغة. مشيرا إلى أن القانون التنظيمي نص على تعميم تدريس الأمازيغية في التعليم الابتدائي خلال السنوات الخمس الأولى من دخوله حيز التنفيذ، لكن الحكومة لم تحقق هذا الهدف بعد.
وأضاف أن الأمازيغية تُدرس في موسمين دراسيين فقط في المرحلة الابتدائية، في حين تغيب تمامًا عن التعليم الأولي والثانوي، وهو ما يعكس تراجعًا واضحًا عن الالتزامات القانونية.
وأكد بوشطارت أن التأخر في تعميم الأمازيغية في المدارس يعكس غياب إرادة سياسية، حيث لا تزال الحكومة تتعامل مع هذا الملف بمنطق التماطل.
وقال إن القانون التنظيمي ينص بوضوح على ضرورة تعميم تدريس الأمازيغية في جميع المدارس العمومية خلال خمس سنوات، لكن النسبة الحالية لم تصل حتى إلى 20%. مضيفا أن الحكومة وعدت بتعميمها بنسبة 50% خلال ست سنوات، في حين أن القانون كان يشدد على تحقيق التعميم الكامل في المدة ذاتها.
وأشار بوشطارت إلى أن التعليم الخاص يشكل إشكالية إضافية، حيث نص القانون التنظيمي على إلزامية تدريس الأمازيغية في المدارس الخاصة، لكن مذكرة وزارية جعلت تدريسها اختياريًا. موضحا أن هذا التوجه يمثل تملصًا واضحًا من تطبيق القانون، ويعكس غياب جدية الحكومة في إدماج الأمازيغية في جميع مستويات التعليم.
♦غياب الأمازيغية عن التعليم العالي والإدارة
كما تطرق الباحث الأكاديمي في تصريحه إلى التعليم العالي، حيث أكد أن عدد الجامعات التي تُدرس الأمازيغية محدود جدًا، وغالبًا ما يعتمد على مبادرات فردية من بعض الأساتذة أو المناضلين.
ولفت إلى أن غياب استراتيجية واضحة لتوسيع تدريس الأمازيغية في الجامعات يعكس تهميشًا مستمرًا لهذه اللغة، حيث تغيب الشعب المتخصصة في الأمازيغية عن معظم الجامعات المغربية الكبرى.
وأضاف بوشطارت أن غياب الأمازيغية لا يقتصر على التعليم فقط، بل يمتد إلى الإعلام والإدارة والقضاء. مبينا على أن الحكومة لم تتخذ أي خطوات حقيقية لإدماج الأمازيغية في هذه القطاعات، حيث تظل اللغة غائبة تمامًا عن أغلب المؤسسات العمومية.
رفاق أوزين يعتزون بالخطوة الملكية ويطالبون بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في كل مجالات الحياة
واعتبر المتحدث على أن الحكومة تمارس نوعًا من الاستهلاك الإعلامي فيما يتعلق بإدماج الأمازيغية، دون أن تقدم حلولًا جذرية أو استراتيجية واضحة.
وأكد أن الميزانية التي تُخصص لإدماج الأمازيغية في البرامج الحكومية تُظهر غياب الجدية في هذا الملف، حيث يتم التعامل معه كقضية هامشية.
وقال إن الحكومة تعتمد سياسة الأعوان، التي تُكرس الهشاشة الاجتماعية، حيث يتم توظيف الأعوان بعقود مؤقتة وبراتب منخفض، بدلًا من خلق مناصب قارة ومستقرة.
♦الأمازيغية قضية استراتيجية
وأشار بوشطارت إلى أن القضية الأمازيغية ليست مجرد قضية لغة، بل هي قضية هوية وثقافة وسياسة. مؤكدا أن إدماج الأمازيغية في المؤسسات يتطلب إرادة سياسية قوية، ورؤية استراتيجية شاملة، وميزانية كافية، مع احترام القوانين والتشريعات. ومضيفا أن الأمازيغية تمثل مشروعًا مجتمعيًا متكاملًا، يشمل اللغة والثقافة والقيم والتاريخ.
ودعا بوشطارت الحكومة إلى مراجعة سياساتها تجاه الأمازيغية بشكل جذري، والعمل على تصحيح مسار الإدماج الذي يجب أن يكون مبنيًا على الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وتابع قائلا: “إن على الدولة أن تمنح الحرية للأمازيغيين لممارسة السياسة والدفاع عن قضاياهم من منظورهم الخاص، في إطار احترام الدستور والمؤسسات.”
هيئات أمازيغية تندد بالتعقيدات التي تطال تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجال التربية والتكوين
كما انتقد بوشطارت الأحزاب السياسية التي تدعي الدفاع عن الأمازيغية، لكنها تمارس الاستغلال السياسي للقضية، دون أن تقدم أي تصور أو خطة عمل واضحة.
وأوضح الباحث أن الحركة الأمازيغية تمتلك مرجعية سياسية وثقافية مختلفة تمامًا عن الأحزاب التقليدية، حيث تعتمد على النضال الحقيقي لتحقيق مطالبها.
واختتم بوشطارت تصريحه بالتأكيد على أن النهوض باللغة الأمازيغية يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وميزانية كافية، وتخطيط استراتيجي يضمن إدماج الأمازيغية في جميع قطاعات الدولة.
وقال إن القضية الأمازيغية ليست مجرد لغة، بل هي قضية سياسية وثقافية واستراتيجية، تحتاج إلى معالجة شاملة ومتكاملة تتجاوز التصريحات الرمزية والإجراءات الاستهلاكية.