خلف نعي حزب العدالة والتنمية لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، نقاشا واسعا داخل الأوساط المغربية، حيث هناك من اعتبر الأمر عاديا وطبيعيا في مثل هذه الأوضاع القائمة الآن، فيما البعض الآخر رأي فيها خطوة غير محسوبة، باعتبار أن هذه الجماعة أو الحركة (حزب الله) أقدمت في وقت سابق بأمر من إيران على تسليح وتدريب عناصر البوليساريو من أجل مهاجمة المغرب وارتكاب أنشطة إرهابية ضده.
♦ التعزية وقطع العلاقات
أعلن حزب العدالة والتنمية عن أنه “تلقى بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره نبأ استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، على إثر غارة غادرة للكيان الصهيوني المجرم على الضاحية الجنوبية ببيروت بلبنان الشقيق”.
وأضاف “البيجيدي” في بيان له، أنه “يتقدم بأحر التعازي لحزب الله اللبناني قيادة وقواعد، وللشعب اللبناني الشقيق، وللشعب الفلسطيني ولكل الشعوب العربية والإسلامية التواقة للانعتاق من الغطرسة الصهيونية، وإلى كل أحرار العالم”، معتبرا “أن اغتيال القائد الشهيد حسن نصر الله، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك الطبيعة الإجرامية والدموية والاستعمارية لهذا الكيان الغاصب”.
وأضاف أن “هذا العمل الإجرامي الجبان وغيره من عمليات الغدر والتقتيل لن تزيد المقاومة وحاضنتها الشعبية إلا صمودا ومزيدا من التضحية والجهاد على طريق تحرير فلسطين والقدس الشريف والأقصى المبارك، أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وتابع “إننا في هذه الظروف العصيبة، نجدد بإصرار دعوتنا الصادقة والغيورة لكل أمتنا العربية والإسلامية ولزعمائها إلى رص الصفوف وتوحيد الكلمة ونبذ الفرقة والخلاف لمواجهة هذا العدو الغاشم الذي هو عدو لكل أمتنا ولكل دولها ولكل شعوبها وبدون استثناء”.
وأعادت تعزية “البيجيدي” في وفاة نصر الله، التذكير بما جاء على لسان القيادي بحزب “المصباح” مصطفى الخلفي، حينما كان في 2018 يتولى منصب وزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان؛ الناطق الرسمي باسم الحكومة، حيث قال إن “قطع العلاقات الثنائية مع إيران هو قرار سيادي مبني على أدلة ملموسة على تورط حزب الله في دعم البوليساريو”.
وأضاف الخلفي خلال ندوة صحفية وقتها أنه “منذ 2017 إلى الآن ((2018))، تم رصد قيام خبراء عسكريين وخبراء متفجرات من حزب الله بزيارة إلى مخيمات تندوف، وبالانخراط في عمليات تدريب عناصر البوليساريو على حرب الشوارع، وتكوين عناصر كوماندوز في هذا المجال، بالإضافة إلى حصول تطور أخطر خلال الآونة الأخيرة، والمتمثل في تسليم شحنة أسلحة للبوليساريو من طرف حزب الله”.
وأبرز أن “عضوا من أعضاء السفارة الإيرانية في الجزائر متورط في تنظيم هذه العمليات، وهو الذي مكن من تسهيل الاتصالات واللقاءات لمسؤولي حزب الله بالبوليساريو بتندوف، والمغرب قبل أن يتخذ هذا القرار قرر مواجهة إيران بهذه الأدلة، حيث كانت أول خطوة في هذا القرار هي زيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي لطهران ولقائه مع نظيره الإيراني وتقديم أدلة على تورط حزب الله في دعم البوليساريو، والأمر لا يتعلق بتصريح، بل بسنتين من التعاون، لكننا لم نجد ما يدحض هذه الأدلة من طرف إيران”.
وأردف: “نحن لسنا ضد الشيعة أو الشعب الإيراني أو الشعب اللبناني… كما أنه لم يثبت لنا أن لبنان كدولة كان لها دور في إرسال هؤلاء الخبراء العسكريين”، مؤكدا على أن “التجرؤ على القضية الوطنية مكلف لمن يتجرأ وليس لنا”.
كما أكد ناصر بوريطة، وزير الخارجية وقتها في تصريحات إعلامية أن الرباط قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران على خلفية صلة حزب الله اللبناني بجبهة البوليساريو، مبرزا أنه طلب من السفير الإيراني المغادرة بعد حصول المملكة المغربية على معلومات كشفت دعما ماليا ولوجستيا وعسكريا قدمه الحزب للبوليساريو.
وشدد بوريطة على أن أسباب القرار مرتبطة بتهديد الأمن الوطني للمملكة المغربية وتهديد المواطنين المغاربة من خلال أدلة دامغة ومعطيات دقيقة توفرت لدى المغرب، والتي تثبت أن حزب الله قام وبتنسيق من سفارة إيران في الجزائر بتقديم كل المساعدات لجبهة البوليساريو لتكوين قيادة عسكرية، وتدريب عناصر من الجبهة على الحرب فضلا عن تسليمها أسلحة.
ويذكر أن العلاقات بين الرباط وطهران عادت إلى طبيعتها أواخر 2016 بعد سبع سنوات من القطيعة على خلفية اتهام المغرب لإيران بنشر التشيّع في البلاد، وذلك قبل أن يتم قطعها مجددا في 2018 بسبب دعم الجبهة الانفصالية بغاية تقويض الأمن والسلم بالمغرب.
♦ طبيعة الخطوة
يرى محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن من حق كل الأحزاب السياسية أن تكون لها آراء ومواقف خاصة بها فيما يتعلق بتعزية حزب الله اللبناني في وفاة أمينه العام حسن نصر الله.
وأوضح شقير أن نعي وإشادة حزب العدالة والتنمية بأدوار الراحل نصر الله ووصفه بالشهيد؛ تأتي في إطار اعتباره أحد القيادات البارزة إقليميا في مقاومة إسرائيل، حيث يعتبر “البيجيدي” هذه الأخيرة كيانا محتلا يجب محاربته ومقاومته.
وأضاف أن ما قام به “البيجيدي” في تعزية حركة “حماس” في وفاة كل من صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ورئيس الحركة إسماعيل هنية، يرتبط بالخطوة والتوجه ذاته الذي تم في إطاره نعي قائد حزب الله حسن نصر الله.
وأشار إلى أن “العدالة والتنمية” ليس الحزب الوحيد في المغرب الذي أقدم على نعي نصر الله، مشيرا إلى أن عددًا من أحزاب اليسار أقدمت على الخطوة نفسها؛ مثلما هو الحال مع الحزب الاشتراكي الموحد، الذي عزى حزب الله ولبنان في وفاته، باعتباره قائدا من قيادات المقاومة التي أبلت البلاء الحسن في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وأبرز الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن المسألة تدخل في إطار الحرية الداخلية لكل حزب، مشددا على أنه من حق كل حزب سياسي إبداء موقفه تجاه أي حركة خارجية، وذلك حتى لو ارتبط الأمر بنصر الله؛ الذي كان من المناوئين بشكل غير رسمي لمصالح المغرب، من خلال التحركات المشبوهة لبعض عناصره وقياداته في تدريب وتسليح ميلشيات البوليساريو.
♦ المواقف الوطنية والقومية
يشير محمد شقير إلى أنه يجب الفصل بين قيام حزب الله اللبناني بتدريب وتسليح عناصر البوليساريو وكذا موقفه في مواجهة الكيان الإسرائيلي، معتبرا أن “البيجيدي” في هذا الجانب عزى في وفاة نصر الله باعتباره قائد من قيادات المقاومة ولم يأخذ في عين الاعتبار ما يرتبط بتحركاته المتعلقة بدعم الجبهة الانفصالية.
وشدد على أن حزب العدالة والتنمية في نص تعزيته يظهر جليا أن قام بالفصل ما بين القضية الوطنية ونظيرتها القومية، إذا تحرك في هذا الإطار وفق وجهة قومية وليس وطنية، مبرزا أن نصر الله كيفما كان الحال يبقى شخصية لها رصيد نضالي كبير في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وأبرز أن المغرب بالرغم من إعادة علاقاته مع إسرائيل، فإنه يندد ويستنكر العدوان والانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس، لافتا إلى أن هناك موقف موحد بالنسبة للدولة المغربية وباقي التيارات السياسية بخصوص استقلال فلسطين وتحررها من الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن لجميع الأطراف وكذا الأحزاب السياسية إبداء مواقفها وآرائها بخصوص القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل، وذلك شرط ألا يمس هذا الأمر بالقضية الوطنية وبالثوابت الأساسية للمملكة المغربية.
♦ التأثيرات
اعتبر محمد شقير أن هذه التعزية أو الإشادة بالراحل حسن نصر الله لن يكون لها أي تأثير على العلاقات الخارجية للمملكة أو كذا التوجه الدبلوماسي القائم لدى الرباط؛ باعتبار أن حزب “البيجيدي” خارج الحكومة، وبالتالي لا علاقة له بتدبير شؤون البلاد داخليا وخارجيا.
وأردف أن قطع المملكة المغربية للعلاقات مع إيران في 2018 أمر لا علاقة له فعليا بالتعامل مع حزب الله، موضحا أن هذا الأخير سياسيا ودبلوماسيا مرتبط بلبنان وليس بطهران، لافتا إلى علاقات الرباط مع بيروت تبقى عادية طبيعية ولا تشوبها أي شائبة.
وشدد على أهمية الفصل ما بين مواقف الأشخاص والأحزاب السياسية والجماعات والحركات، والتوجهات الدبلوماسية للدول، مشيرا إلى أن المغرب لم يقطع أبدا علاقاته مع لبنان مثلما هو الحال مع إيران، لافتا إلى أن حزب الله أحد مكونات الدولة اللبنانية.
واستطرد أنه لا وجود لتفاعل بين موقفي الدولة المغربية وحزب العدالة والتنمية بخصوص حزب الله وإيران، لافتا إلى أنه يجب دائما الفصل في المواقف، وذلك حسب العلاقات ما بين الدول، مشددا على أنه كيفما كان الحال تبقى التعزية مسألة دينية وقومية وإنسانية.
ولفت إلى أن نصر الله رغم كل الاختلافات التي دارت حوله سواءً قيد حياته أو بعد اغتياله، إلا أنه يبقى شخصية بارزة في منظومة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك على غرار إسماعيل هنية وياسر عرفات ووديع حداد وعمر القاسم وفتحي الشقاقي، وغيرهم من المقاومين الذين رحلوا في سبيل تحرير فلسطين.